عباد الله، إن محبةَ أصحابِ رسول الله دينٌ يُدانُ الله به، وقربةٌ يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ فهم أصحاب رسول الله ؛ فضلُهُم من فضله مأخوذ ومستمد، وهم خير القرون بشهادة الرسول ؛ فكما أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أفضل ولد آدم وسيدهم، فكذلك أصحابه رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ أفضلُ أصحابٍ وُجِدُوا على وجه الأرض. يقول ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: (لا تَسُبُّوا أصحاب محمد ؛ فلَمُقامُ أحدِهِم ساعةً خير من عمل أحدِكُم عُمُرَه)، وفي رواية: (خيرٌ مِن عبادة أحدِكُم أربعين عامًا).
قد رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهم ورضوا عنه؛ كما قال جَلَّ وَعَلاَ: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18]، وكما قال تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100].
وزكَّاهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أبلغَ تزكية، ثم أمرنا بالاستغفار لهم، ونهانا عن بغضهم وشنآنهم؛ فقال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 89].
فالمستحق للفيء هم المهاجرون والأنصار، ومَن تَبِعَهُم بإحسان، وترضَّى عنهم، واسْتَغْفَرَ لَهُم، فمن لم يكن كذلك فليس له في الفيء حظ؛ يقول أنس : "مَنْ سَبَّ أصحابَ رَسُولِ الله فليس له في الفيء نصيب؛ لأن الله تَعَالَى يقول: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ" إلى آخر الآية.
ولِعَظِيمِ فَضْلِ الصَّحابَةِ وكَبِيرِ قَدْرِهِمْ؛ فإن عملَهُم مُضاعَفٌ وأجرَهُم مَوفُورٌ؛ لِكَوْنِهِمْ نَصَرُوا الإسلام، وأنفقوا مِن أجل رِفْعَتِهِ، في حالِ قِلَّةِ أهْلِهِ، وكَثْرَةِ الصَّوارِفِ عَنْهُ، وضَعْفِ الدَّواعِي إِلَيْهِ. يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنه: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ))؛ فإنفاق أحد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مُدَّ بُرٍّ أو نِصْفَ مُدِّ بُرٍّ أفضلُ مِن نفقةِ مَن بعدَهُم ذهبًا خالصًا وزنُهُ كَجبلِ أُحُدٍ، وذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 21، الجمعة: 4].
وكما أن محبة أصحاب رسول الله قربةٌ، فإن سبَّهم أو بغضَهم إثمٌ كبير ونفاق مبين؛ يقول الإمام أبُو زُرْعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: "إذا رأيتم رجلاً يتنقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلموا أنه زنديق؛ وذلك لأننا نعلم أن القرآن حَقٌّ، وأن الرسول حَقٌّ، وإنما نَقل إلينا هذا القرآن وهذه السنن أصحابُ رسول الله ؛ فإنما يريدون أن يقدحوا في شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولى؛ فإنهم زنادقة". ويقول العلامة النووي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ: "اعلم أن سَبَّ أصحاب رسول الله مُحَرَّمٌ مِن أكبرِ الفواحشِ، ومذهبُ أصحابنا وجمهورِ الأمَّة أنَّ مَن سَبَّهم يُعَزَّر، وقال بعضُ المالكية: مَن سَبَّهم يُقتل".
فيا عباد الله، اقرؤوا فضائل أصحاب رسول الله ، وعلِّموها أبناءكم؛ ليكون ذلك دافعًا للتأسي بهم، وحاثًّا لتعظيمِهِم وتوقيرِهم والاستغفارِ لهم، وأيضًا مانعًا مِن أشَدِّ الموانِعِ مِنَ الوُقُوعِ فيهم، أو بُغْضِهِم، أو نحوِ ذلك.
|