.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

شهامة باكستاني

6292

الرقاق والأخلاق والآداب

الآداب والحقوق العامة

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

15/1/1431

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الترابط بين المسلمين. 2- ثمار الأخوة الإيمانية. 3- مظاهر هذه الأخوة. 4- حرص الأعداء على التفريق بين المسلمين. 5- ذم الافتخار بالآباء والقبيلة واللون والانتماءات. 6- مواقف مخزية في أحداث سيول جدة. 7- مواقف مشرقة في أحداث سيول جدة.

الخطبة الأولى

إخوتي في الله، لقد حرص الإسلام على إقامة العلاقة الودية بين الأفراد والجماعات المسلمة في كل مكان ودعم هذه الصلات الأخوية بين القبائل والشعوب، وجعل الأساس لذلك أخوة الإيمان، لا النعرات الجاهلية والعصبيات القبلية. ولقد أقوم رسولنا الدليل العملي القاطع على حقيقة الأخوة الإيمانية وتقديمها على كل أمر من الأمور الأخرى، فها هو يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وأخذ ينمي هذه الأخوة بينهم، فتقاسموا الأموال والزوجات والضياع بعدما استوعبوا أحاديث المصطفى ، مثل قوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وقوله : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).

لقد أينعت هذه الأخوة وآتت أكلها أضعافا مضاعفة، وكان المسلمون بها أمة واحدة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لدرجة أن عمر بن الخطاب وهو القرشي العربي يقول عن أبي بكر وبلال الحبشي: (أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) يعني بذلك بلالا بعد أن أعنقه أبو بكر من العبودية وجعله حرا.

وهذا من تهذيب الإسلام للأنفس وجعلها تسمو وتترفع عن الأنا وحب الذات، فأصبحوا يؤثرون إخوانهم المسلمين على أنفسهم، فتحولوا إلى قوة ضاربة بعد أن اعتصموا بحبل الله جميعا. لكن أعداء الإسلام المتربصين بالإسلام وأهله لا يرضون بهذا التماسك بين المسلمين؛ لأنهم يعلمون أثره عليهم، فيجاهدون بكل وسيلة لتمزيق وحدة المسلمين أمما وجماعات، فنجحوا في ذلك، واستجاب ضعاف الإيمان من أبناء الإسلام لهذه المكيدة، فأثيرت النعرات وعادت العصبيات الجاهلية، وأصبح الافتخار بالقبيلة أو البلد التي ينتمي إليها، وباللون الذي يحمله، أو الأحزاب التي ينتمي إليها، وضعفت الأخوة الإيمانية، وقويت العصبية والقومية التي حذرنا منها ، وأمرنا بالبعد عنها، كما أخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمعها الله رسوله قال: ((ما هذا؟)) فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال النبي : ((دعوها فإنها منتنة)). نعم إنها منتنة كريهة قبيحة مؤذية؛ لأنها تخرج الإنسان من أصله القويم وهو أخوة الإيمان إلى أمر حقير ذليل، إنها الأنانية التي تظهر في هذه العصبية؛ لأنها تؤدي إلى أمر قبيح نهاهم عنه نبينا ، وأعلمهم أنه منتن، وهو الصادق المصدوق .

أيها المسلمون، إن الافتخار بالآباء والاغترار بالانتماء القبلي أو بالقومية قد يدفع إلى النار؛ لأنه قد يفتخر بكفره من الآباء والأجداد، وتعالوا نسمع إلى هذا الحديث، قال أبي بن كعب : انتسب رجلان على عهد رسول الله ، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك؟ فقال رسول الله : ((انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن هذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة)).

أيها المؤمنون، إن الفخر بالآباء أو القبيلة أو البلد أو بالجنس مرض فتاك قاتل، يشعل العداوة ويفرق الجماعة، ويؤدي إلى تمزيق المجتمع، ويجعله أحزابا وطوائف متناحرة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

اللهم اجعلنا إخوة متآلفين متحابين، وحقق بيننا أخوة الإيمان على النهج الذي تحب وترضى.

نفعني وإياكم بالقرآن والسنة...

 

الخطبة الثانية

أيها المؤمنون، إن الدارس لأحوال الناس في مراحل حياتهم المختلفة وكذلك أحوال الجماعات والمجتمعات البشرية يرى أثر الهجمة التغريبية عليهم وتوجيه الناس إلى التحلل الأخلاقي وتمجيد الرذيلة والقضاء على الأخوة الإسلامية، وجعل العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم علاقة مصلحة مادية أو اجتماعية ذات منفعة خاصة، فتنافر الإخوان، وتخاصم الجيران، وصدق فيهم قول خبثاء بروتكولات صهيون: "إن تحول المجتمع إلى أمة تجري وتلهث وراء المال يحولها إلى أمة أنانية لا تفكر إلا في نفسها ومصلحتها، وتحارب من أجل ذلك، وتظلم ولا تبالي، وهذا ما يحدث.

أخبرني أحد الإخوة العاملين في الدفاع المدني بجدة أثناء السيول أن عجوزا كانت تطلب من بعض الشباب الذي يصور المشاهد والسيول أن يمد يد العون لها، فرفض ولم يبال بصراخها حتى أنقذها رجل الدفاع المدني، ووبخ هؤلاء الشباب على صنيعهم. وكان هناك أسرة أرادت أن تعبر إلى الجانب الآخر، وكان صاحب سيارة بجوارهم، فطلب منه أن يوصلهم، فاشترط عليهم دفع خمسمائة ريـال. فالسؤال الذي يطرح على هؤلاء: أين النجدة؟! أين الشهامة؟! أين الرجولة؟! أين النخوة وأنتم أبناء هذا البلد؟! ما الذي دهاكم وأذهب عنكم نصرة المستغيث وإغاثة اللهفان؟!

ونرى منظرا آخر: سيارة جمس تغرق أمام مجموعة من الشباب المتخصصين في التصوير فقط، وفي السيارة عائلة كاملة، لك يتحرك أحد ولم يبذل أي جهد في إنقاذهم أو مساعدتهم، كل ما قيل لهم: أغلقوا الأبواب والنوافذ حتى غرقت السيارة أمام أنظارهم. وهذا موجود في اليوتيوب، منظر محزن جدا.

أيها المسلمون، وعلى الجانب الآخر المشرف نجد رجلا واحدا يتحرك هنا وهناك، ويأتي بالأدوات التي تعينه على إنقاذ الغرقى، وأبت عليه نفسه الأبية أن يجلس يتفرج كالآخرين، ونجح هذا البطل المغوار بقوة إيمانه وعزيمته في إنقاذ أربعة عشر إنسانا من غرق حتمي، هذا البطل اسمه فرمان علي خان، باكستاني الجنسية، من وادي سواط، وعمره اثنان وثلاثون سنة، وزوجته وبناته الثلاث في باكستان. هذا المؤمن دفعه حسه الإيماني وشهامته النادرة أن يقوم بإحضار إطارات السيارات والألواح الخشبية، واستخدم الحجارة لربط الحبال ورميها للأشخاص الذين يصعب الوصول إليهم لانتشالهم، وبعد إنقاذ الشخص الرابع عشر زاد عليه السيل، وأراد الله له الشهادة، فجرفه السيل، ومن مات غريقا فهو شهيد، رحمه الله ونسأل الله له الشهادة.

هنا نود أن نتوقف قليلا لأخذ العبرة، هذا شخص باكستاني، يعمل في بقالة، وقد يحتقره بعض الجهلة منا مع أنه جامعي، لكن الظروف ربما أجبرته على هذا العمل. هذا البطل مشبّع بهذا الحس الإيماني الأخوي والإيثار العجيب، لماذا؟ لأنه على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولم تلوثه المدنية بشرورها وأوزارها، بينما ابن البلد يتفرج على الغرقى ويلتقط الصور التذكارية النادرة، كأنه يتفرج على فلم وليس على حدث واقعي أمام عينيه.

أحبتي في الله، كل ذلك يجب أن يجعلنا نتفكر كثيرا، ونعيد النظر في تربية أبنائنا الذين جرفهم التيار التغريبي، وجعلهم لا يهتمون إلا بأنفسهم وشهواتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم ارحم فرمان علي خان، واخلفه في أهله في الغابرين، وأكثر من أمثاله في المؤمنين، وردنا جميعا إلى دينك، واجعلنا نفهم معنى حديث رسول الله : ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه)).

ثم صلوا وسلموا على إمام الأنبياء وسيد المرسلين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً