أيها المؤمنون، إن الدارس لأحوال الناس في مراحل حياتهم المختلفة وكذلك أحوال الجماعات والمجتمعات البشرية يرى أثر الهجمة التغريبية عليهم وتوجيه الناس إلى التحلل الأخلاقي وتمجيد الرذيلة والقضاء على الأخوة الإسلامية، وجعل العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم علاقة مصلحة مادية أو اجتماعية ذات منفعة خاصة، فتنافر الإخوان، وتخاصم الجيران، وصدق فيهم قول خبثاء بروتكولات صهيون: "إن تحول المجتمع إلى أمة تجري وتلهث وراء المال يحولها إلى أمة أنانية لا تفكر إلا في نفسها ومصلحتها، وتحارب من أجل ذلك، وتظلم ولا تبالي، وهذا ما يحدث.
أخبرني أحد الإخوة العاملين في الدفاع المدني بجدة أثناء السيول أن عجوزا كانت تطلب من بعض الشباب الذي يصور المشاهد والسيول أن يمد يد العون لها، فرفض ولم يبال بصراخها حتى أنقذها رجل الدفاع المدني، ووبخ هؤلاء الشباب على صنيعهم. وكان هناك أسرة أرادت أن تعبر إلى الجانب الآخر، وكان صاحب سيارة بجوارهم، فطلب منه أن يوصلهم، فاشترط عليهم دفع خمسمائة ريـال. فالسؤال الذي يطرح على هؤلاء: أين النجدة؟! أين الشهامة؟! أين الرجولة؟! أين النخوة وأنتم أبناء هذا البلد؟! ما الذي دهاكم وأذهب عنكم نصرة المستغيث وإغاثة اللهفان؟!
ونرى منظرا آخر: سيارة جمس تغرق أمام مجموعة من الشباب المتخصصين في التصوير فقط، وفي السيارة عائلة كاملة، لك يتحرك أحد ولم يبذل أي جهد في إنقاذهم أو مساعدتهم، كل ما قيل لهم: أغلقوا الأبواب والنوافذ حتى غرقت السيارة أمام أنظارهم. وهذا موجود في اليوتيوب، منظر محزن جدا.
أيها المسلمون، وعلى الجانب الآخر المشرف نجد رجلا واحدا يتحرك هنا وهناك، ويأتي بالأدوات التي تعينه على إنقاذ الغرقى، وأبت عليه نفسه الأبية أن يجلس يتفرج كالآخرين، ونجح هذا البطل المغوار بقوة إيمانه وعزيمته في إنقاذ أربعة عشر إنسانا من غرق حتمي، هذا البطل اسمه فرمان علي خان، باكستاني الجنسية، من وادي سواط، وعمره اثنان وثلاثون سنة، وزوجته وبناته الثلاث في باكستان. هذا المؤمن دفعه حسه الإيماني وشهامته النادرة أن يقوم بإحضار إطارات السيارات والألواح الخشبية، واستخدم الحجارة لربط الحبال ورميها للأشخاص الذين يصعب الوصول إليهم لانتشالهم، وبعد إنقاذ الشخص الرابع عشر زاد عليه السيل، وأراد الله له الشهادة، فجرفه السيل، ومن مات غريقا فهو شهيد، رحمه الله ونسأل الله له الشهادة.
هنا نود أن نتوقف قليلا لأخذ العبرة، هذا شخص باكستاني، يعمل في بقالة، وقد يحتقره بعض الجهلة منا مع أنه جامعي، لكن الظروف ربما أجبرته على هذا العمل. هذا البطل مشبّع بهذا الحس الإيماني الأخوي والإيثار العجيب، لماذا؟ لأنه على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولم تلوثه المدنية بشرورها وأوزارها، بينما ابن البلد يتفرج على الغرقى ويلتقط الصور التذكارية النادرة، كأنه يتفرج على فلم وليس على حدث واقعي أمام عينيه.
أحبتي في الله، كل ذلك يجب أن يجعلنا نتفكر كثيرا، ونعيد النظر في تربية أبنائنا الذين جرفهم التيار التغريبي، وجعلهم لا يهتمون إلا بأنفسهم وشهواتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم ارحم فرمان علي خان، واخلفه في أهله في الغابرين، وأكثر من أمثاله في المؤمنين، وردنا جميعا إلى دينك، واجعلنا نفهم معنى حديث رسول الله : ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه)).
ثم صلوا وسلموا على إمام الأنبياء وسيد المرسلين...
|