عباد الله، إننا في هذه الأيام نتقلب في نعمة من نعم الله الكثيرة، فسماؤنا تمطر، وأرضنا تخضر، وما هذا إلا نعمة ورحمة من المنعم الرحمن المنان، فوالله ثم والله لولا الله ما سقينا ولا تنعمنا بما أوتينا، أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ. اللهم لك الحمد ولك الشكر على نعمائك وفضلك. نعم، لولا فضل ربنا لجعل هذا الماء الذي ينزل علينا من السماء أجاجا أي: مالحا لا يستفاد منه لا في شرب ولا حرث ولا في غيره، بل هي رحمة الله الواسعة جعلته عذبا زلالا، فلك الشكر والمن سبحانك.
أيها الإخوة المؤمنون، ومما يدل على عظم نعمة المطر الأوصاف التي ذكر الله في كتابه، فأحيانا يصف الله المطر بالبركة، وأحيانا يصفه بالطهر، وأحيانا بأنه سبب للحياة، ونحو ذلك من الصفات التي لا تليق إلا بهذه النعمة العظيمة، يقول تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ، ويقول: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، ويقول: وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.
جاء في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب)). كان أهل الجاهلية يظنون أن نزول المطر بواسطة كوكب من الكواكب اسمه النوء، فكانوا يعتقدون أنه هو الموجد والفاعل والمحدث للمطر، فأنكر الله عليهم ذلك، وأبطل قولهم، وجعله كفرا. فالشاهد من الحديث أن على كل مسلم أن ينسب نزول المطر لله وحده لا شريك له، وأن يشكره على ذلك، ويقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، وأن لا يعلق نزول المطر بشيء من المخلوقات ككوكب أو نجم أو غيره، أو يعتقد اعتقادا جازما بما يقال في التنبؤات الجوية بأن غدا سوف يكون ممطرا أو مشمسا، كل هذه الأمور لا يجوز الاعتقاد بها، ولكن لا بأس أن يستأنس به، ويضيف على التنبؤات كلمة: إن شاء الله؛ ليقوى إيمانه ويزداد يقينه بقدرة الله وعظمته، فمثلا لو قالت التنبؤات: غدا يوم ممطر، فعلى السامع أن يقول: إذا شاء الله تعالى.
نعم، هذه دراسات للظواهر المناخية والطبيعية، قد تصدق وقد تخيب، فالكون كله بيد الله تعالى، وهو الوحيد المتصرف فيه، فعلى المؤمن المستبصر أن لا يغفل أبدا، وعليه أن يتأمل ويتفكر في مخلوقات الله، ويتخذ من كل حركة في الكون آية تدل على عظمة الله تعالى وقوته وقدرته، ولو تعود الإنسان على هذا التفكر والتأمل لوجد حلاوة الإيمان في قلبه.
أخي المسلم، تأمل قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ. ففي الآية الأولى هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا إخبار بأن الإنسان يخاف البرق وما يتبعه من رعد وصواعق، ويخشى أن يتحول ذلك إلى عذاب، ومن منا لا يخاف من هذا؟! لكننا في نفس الوقت مع هذا الخوف نطمع في المطر وما يتبعه من فضل وخير وبسط في الرزق. ثم قال: وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ، هذه السحب التي نراها كل يوم بأشكال متنوعة وألوان مختلفة وأحجام بضخامة الجبال، لم تفركنا في وزنها لعجزنا، ولكن الله تعالى قال بأنها ثقال، يعني: ثقيلة وضخمة، ومع ذلك نراها فوقنا محمولة، فسبحان ربي ما أعظمه!
نفعني الله بهدي كتابه...
|