أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله جلّ وعلا، فلا سعادةَ إلا بالتقوَى، ولا فلاح إلا بطاعة المولى.
معاشر المسلمين، لقد عِشنا شهرًا عظيمًا وموسمًا كريمًا، فللَّه الحمد والمنّة.
ألا وإنّ هذا الشهرَ الكريم قد عزَم على الرحيل ولم يبق فيه إلا القليل، فمن مِنا أحسن فعليه بالتمام، ومن كان قد فرّط فليختِمه بالحُسنى فالعمل بالخِتام. فلنودِّع هذا الشهر بالتقرب من الملك العّلام، فمِنْ أعظم الخسران التفريطُ في أيام هذا الشهر ولياليه.
جاء في حديثٍ صحَّحه أهل العلم بشواهده الكثيرة أنَّ النبيَّ صعد المنبر فقال: ((آمين آمين آمين))، قيل: يا رسول الله، إنك صعدتَ المنبر فقلتَ: آمين آمين آمين! فقال: ((إنَّ جبريلَ أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قُل: آمين، فقلتُ: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدَهما فلم يبرّهما فمات فدَخل النار فأبعده الله قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عيك فدخل النار فأبعده الله قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين)).
أيها الفُضلاء، تحرّوا ليلة القدر فيما بقيّ من ليالي العشر، ففي الصحيحين قوله : ((من كان متحرّيَها فليتحرَّها في السبع الأواخر))، وقد قال الحسن ومالك وغيرهما أنها تُطلب في جميع ليالي العَشر أشفاعِه وأوتاره.
فشمِّروا لنيلِ عظيم أجرها وكبير فضلها، ففي الصحيحين أنّ النبي قال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدّم من ذنبه))، وفي المسندِ وسنن النسائيّ بسندٍ صحيح عند أهل العلم: ((من قام ابتغاءها ثم وقعتْ له غُفرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)).
إخوة الإسلام، ثبتَ في الصحيحين أنّ النبيَّ كان يعتكف العشرَ الأواخر من رَمضان لمناجاةِ ربِّه وذِكره ودُعائه، فالاعتكاف يعني التخلِّي لمناجاة الربِّ سبحانه. فاحبِس نفسك -أيها المعتكف- على طاعة الله وذكره، واقطع عن نفسِك كلَّ شاغل، واعكُف بقلبك وقَالبك على ما يُقّربك من ربّك عزّ شأنه.
قال داود الطائي الزاهد العابد الفقيه: "همُّك عطَّل عليّ الهموم، وشوقي إلى النظر إليك أوبَق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات". فاجتهدوا في طاعة الرحمن، واغتنموا مثلَ هذه الأزمان؛ تنالوا رِضا المنّان، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.
بارك الله لي ولكم في القرآنِ، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|