.

اليوم م الموافق ‏03/‏جمادى الثانية/‏1446هـ

 
 

 

الربا في الذهب

454

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

البيوع, الكبائر والمعاصي

محمد بن صالح العثيمين

عنيزة

الجامع الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- ضعف الإنسان في خلقه وعلمه وإدراكه. 2- رحمة الله بالإنسان وضعفه بإرساله الرسل وإنزال الكتب. 3- خطورة عدم التحاكم إلى شرع الله في المعاملات وغيرها وأن ذلك من الشرك.4- حكم الربا والتحذير منه. 5- الأجناس التي يكون فيها الربا وشروط بيع بعضهم ببعض. 6- أخطاء في بيع الحلي.

الخطبة الأولى

أما بعد: فقد قال الله عز وجل: والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [النساء:27-28]. هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العاملة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خلق ضعيفا، خلق ضعيفا في نشأته: من أي شيء خلقه من نطفة خلقه نطفة صبابة من الماء المهين.

وخلق ضعيفا في علمه: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [الإسراء:85]. فعلمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم المستقبل حتى في تصرفات الخاصة: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا [لقمان:34]. خلق ضعيفا في تصرفه وإدراكه قد يتصور البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضارا والضار نافعا ولا يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته.

ومن أجل هذا الضعف وهذا القصور رحم الله الخلق بإرسال الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فيسيروا على صراط الله المستقيم ويستنيروا بهدى الله العليم الحكيم ولئلا يبتدعوا تشريعات من عند أنفسهم يسلكون بها المتاهات في الظلم والجور والنزاع والخلاف أو يسنوا أنظمة متناقضة فوضوية إن أصلحت جانبا من الحياة أفسدت جوانب، أو يتبعوا أهواءهم ويطلقوا حرياتهم في تصرفاتهم وفي معاملاتهم ولا يمكن لشخص أن يطلق حريته بدون قيود إلا كان ذلك على حساب حرية الآخرين.

ولقد عمي قوم أو تعاموا عن الحق حيث ظنوا أو عموا أن شرائع الله تعالى إنما جاءت لإصلاح العبادات والأخلاق دون المعاملات فاتبعوا أهواءهم في معاملاتهم فشرعوا القوانين وتصرفوا كما يشاءون فشاركوا الله تعالى في شرعه وعتوا عن أمره في شريعته: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين . أفلا يرجع هؤلاء إلى رشدهم ويتبعون سبيل ربهم ويلتزمون بشريعته ويقفون عند حدوده ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يكونون كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون أو كالذين قالوا: سمعنا وعصينا.

أيها الناس إن شريعة الله نظمت للناس طرق معاملاتهم فيها بينهم كما نظمت طرق أخلاقهم ومعاملاتهم مع ربهم فالواجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يدين لله بالطاعة في عباداته وأخلاقه ومعاملاته ولا يكون كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، يدين لله في عباداته وأخلاقه ويتبع هواه في معاملاته فإنه مسؤول عن ذلك كله، وكم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله من وعد لمن استقام في معاملاته على أمر الله ووعيد على من تعدى فيها حدود الله.

أيها الناس لقد جرم الله تعالى الربا في كتابه وفي سنة رسوله وأجمع على ذلك علماء المسلمين في كل عصر وفي كل مصر لم يختلف منهم في تحريمه اثنان قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [البقرة:278-279]. وأي جرم في المعاملة أبلغ من معاملة يكون فيها الإنسان معلنا بحرب الله رسوله . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء)) رواه مسلم. ولقد بين رسول الله ما يكون فيه الربا وكيف يكون ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت أن النبي قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)). وله من حديث أبي سعيد أن النبي قال: ((فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)).

فبين رسول الله في هذا الحديث أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا بشرطين، الأول: أن يكونا سواء في الوزن لا يزيد أحدهما على الآخر، والثاني: أن يكون ذلك يدا بيد بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصاحبه ما بادله به قبل أن يتفرقا فإن زاد أحدهما على الآخر فهو ربا والعقد باطل، وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين فالعقد باطل، وهو من الربا أيضا، وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضة أو البر بالبر أو الشعير بالشعير أو التمر بالتمر أو الملح بالملح فلا بد من هذين الشرطين: التساوي والقبض من الطرفين فلو باع صاعا من بر بصاع منه وزيادة فهو ربا ولو كانت القيمة واحدة، وعلى هذا فإذا كان عند امرأتين حلي وأحبت إحداهما أن تبادل الأخرى فلا يجوز إلا أن يوزن حلي كل واحدة منهما فيكونا سواء وأن تتقابضا قبل التفرق، وأجاز بعض العلماء التبادل مع زيادة أحدهما على الآخر إذا كان مع الناقص شيء يقابل الزيادة أما إذا بيع الذهب بالفضة فإنه لا يشترط التساوي وإنما تشترط التقابض قبل التفرق بحيث يقبض البائع الثمن كاملا ويقبض المشتري ما اشتراه كاملا، فلو باع شخص سوارين من ذهب بمائتي ريال وكل واحد يساوي مائة فأعطاه المشتري مائة ريال وأخذ السوارين وقال آتي لك بعد قليل ببقية الثمن فهذا حرام عليهما ولا يصح البيع إلا في سوار واحد فقط أما السوار الثاني فبيعه باطل لأن ما يقابله من الثمن لم يقبض.

ولقد بلغني أن الصواغ وتجار الحلي يبيعون الحلي بالدراهم ولا يقبضون الثمن من المشتري وهذا حرام عليهم وحرام على المشتري وهو من الربا الملعون فاعله على لسان محمد وفي ظني أن بعضهم لا يدري على حكم هذا المسألة وإلا فلا أظن أن مؤمنا بالله واليوم الآخر يعلم أن هذا ربا ثم يتعامل به لا سيما وأن في التقابض سلامة من الربا ومصلحة للطرفين فالبائع ينتفع بنقد الثمن ويسلم من مماطلة المشتري أو نسيانه أو إعساره المشتري يفك ذمته بتسليم الثمن وخلو ذمته من الطلب. وقد يفتي بعض المتعاملين بهذا نفسه فيقول: أنا لم أبع ذهبا بفضة وإنما بعت ذهبا بقرطاس فنقول هذه الفتوى غلط فإن هذه الأوراق جعلت نقدا وعملة بين الناس بمقتضى قرار الحكومة فلها حكم ما جعلت بدلا عنه فإذا جعلت بدلا عن الريالات الفضية كان لها حكم الفضة وكل أحد يعلم بأن هذه الأوراق النقدية ليس لها قيمة باعتبار كونها ورقا فالأسواق مملوءة من قصاصات الورق التي بقدر ورقة النقد وليس لها قيمة أصلا بل هي ملقاة في الزبل للإتلاف والإحراق . فاتقوا الله عباد الله وسيروا في عباداتكم ومعاملاتكم وجميع تصرفاتكم على شريعة الله ولا تتبعوا أهواءكم فإن الله يقول: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [القصص:50].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً