أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله تفرّج الكربات وتستجلب البركات وتستنصر ربَّ البريات، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
معاشر المؤمنين، لم تكد تمرّ علينا الذكرى المؤلمة التي كانت طعنة في قلب الأمّة الإسلامية، ذكرى إحراق المسجد الأقصى على يد يهودي صهيوني عام 1969 ميلادية، حين التهمت النار أجزاء هامة منه كمنبر صلاح الدين الأيوبي محرر الأقصى من الصليبيين، في اعتداء آثم لا زالت ذكراه تؤلم قلوب المسلمين، حتى دنس الصهاينة أرض المسجد الأقصى قبل أيام لإقامة صلواتهم الباطلة كما يزعمون، في سلسلة اعتداءات آثمة متكررة تستهدف تهويد المكان المقدس وبناء هيكلهم المزعوم.
إنها النار التي لا زالت تلتهم الأقصى والقدس والمقدسيين حتى الآن، إنها نار الكيد الصهيوني لتدنيس المسجد وتهويد القدس، فلا زالت حرب الاقتحامات والمصادرة لأملاك المقدسيين والتهويد والاغتصاب العنصري مستمرة، ولا زال المقدسيون يعانون، ولا زال الأقصى يعاني من محاولات عزله عن أهله ومنع المسلمين من الصلاة فيه. إنه المسجد الأقصى ـ عباد الله ـ أولى القبلتين ومسرى رسول الله ومعراجه إلى السموات العلا، وموضع إمامته للصلاة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
استهداف الأقصى ـ عباد الله ـ لم يمنع المسلمين من الدفاع عنه، فقد شهدت ساحاته والساحات المحيطة بالقدس مواجهات قدم فيها المقدسيون المرابطون خيرة أبنائهم دفاعًا عن القدس والأقصى، رأيناهم شبابا وشيبا، رجالا ونساء، يتصدون لهجمات الصهاينة بأسلحتهم وهم عزّل إلا من الإيمان والفداء والشجاعة.
معاشر المؤمنين، إن الأقصى في خطر محدق، انهيارات أرضية نتيجة للحفريات أسفل الأقصى، وتشققات في ساحات الأقصى ناتجة عن عمليات الحفر المجنونة تحت بلاط الأقصى، يقول أحد خبراء الآثار الفلسطينيين: أفقنا يومًا ولم نجد قطرة ماء في أحد آبار المسجد الأقصى، فنزلنا في البئر لنعرف السبب، فوجدنا عددًا من الصهاينة اليهود يقومون بأعمال حفريات داخل البئر وقد وصلوا له من الأسفل.
لقد أصبح أسفل المسجد الأقصى منطقة فارغة مختلة القواعد، نتج عنها انهيارات وتشققات في أرضيته بشكل مستمر، فماذا لو تم العبث بأساسات المسجد من الذين يقومون بالحفريات وافتعلوا انفجارًا أو هزة ما؟! كما يخطط الصهاينة لبناء جسر لحمل شاحنات تدخل من باب المغاربة إلى باحة المسجد، فما الذي ستحمله تلك الشاحنات التي يخطط لإدخالها للأقصى؟!
لقد تم بالأمس القريب ـ عباد الله ـ إحباط مخطط لتغيير أقفال ومفاتيح أحد أبواب المسجد الأقصى من قبل مجموعة من الصهاينة الذين يعملون على اقتحام المسجد بشكل مستمر، إنهم يسعون ـ عباد الله ـ لتقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، توطئة لتخصيص موقع لهيكلهم المزعوم، وقد تم الإعلان عن تدريبات للقوات الخاصة الصهيونية لتسلّق جدران المسجد الأقصى واقتحامه، كما أنهم وضعوا مؤخرا مجسما لهيكلهم المزعوم في باحات المسجد الأقصى في تحدّ للعرب وللمسلمين جميعًا، وتأكيدًا على مخططهم لهدمه وبناء الهيكل، كل هذا الكيد والمكر يشير إلى أن المسجد الأقصى على أبواب خطر كبير، خطر داهم، يهدد كيانه وبنيانه، فما الذي أعده المسلمون لمواجهة هذا المكر الصهيوني تجاه قبلتهم الأولى مسرى رسول الله ؟!
نسأل الله جل وعلا أن يحمي بيته ويحفظ دينه، وأن يعين الأمة على أداء واجبها والقيام بدورها لحماية الأقصى وتحريره من دنس اليهود.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|