الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  الولاء والبراء: سابعاً: البراءة من الكفّار والمنافقين ومعاداتهم:              الصفحة السابقة                     (الصفحة الرئيسة)

 

سابعاً: البراءة من الكفّار والمنافقين ومعاداتهم:

أ- وجوب البراءة من الكفار والمنافقين ومعاداتهم:

قال الشيخ حمد بن علي بن عتيق: "أما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك وأكّد إيجابه، وحرّم موالاتهم وشدّد فيها، حتى إنّه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبيَن من هذا الحكم بعد وجوب التّوحيد وتحريم ضده"[1].

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: "يجب أن تعلم أولاً أن الله افترض على المؤمنين عداوة الكفار والمنافقين وجفاة الأعراب الذين يُعْرَفون بالنفاق ولا يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر بجهادهم والإغلاظ عليهم بالقول والعمل"[2].

ب ـ الفرق بين إظهار البراءة من الكفار والمنافقين وبين وجود ذلك في القلب:

قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن: "أصل البراءة المقاطعة بالقلب واللسان والبدن، وقلب المؤمن لا يخلو من عداوة الكافر، وإنما النزاع في إظهار العداوة، فإنها قد تخفى لسبب شرعي، وهو الإكراه مع الاطمئنان، وقد تخفى العداوة من مستضعَف معذور، عذَرَه القرآن، وقد تخفى لغرض دنيويّ، وهو الغالب على أكثر الخالق، هذا إن لم يظهر منه موافقة"[3].

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "مسألة إظهار العداوة غير مسألة وجود العداوة.

فالأول: يعذَر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى: {إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً}.

والثاني: لا بدّ منه، لأنّه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حبّ الله ورسوله تلازم كلي، لا ينفكّ عنه المؤمن، فمن عصى الله بترك إظهار العداوة فهو عاص الله"[4].

وقال الشيخ حمد بن عتيق: "لا بدّ مِن أن تكون العداوة والبغضاء باديتين، أي: ظاهرتين بيّنتين.

واعلم أنّه وإن كانت البغضاء متعلّقة بالقلب فإنها لا تنفع حتى تظهر آثارها وتبين علامتها، ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحينئذٍ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين"[5].

ج ـ من صور البراءة من الكفار والمنافقين[6]:

1- ترك اتباع أهوائهم:

قال الله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ ٱلَّذِي جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة:120].

قال شيخ الإسلام: "فانظر كيف قال في الخبر: {مِلَّتَهُمْ} وقال في النهي: {أَهْوَاءهُم} لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقاً، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير"[7].

وقال الشيخ حمد: "فإذا كان اتباع أهواء جميع الكفار وسلوك ما يحبونه منهياً عنه وممنوعاً منه فهذا هو المطلوب، وما ذاك إلا خوفاً من اتباعهم في أصل دينهم الباطل"[8].

2- معصيتهم فيما أمروا به:

قال حمد بن عتيق: "إنّ الله تعالى نهى عن طاعة الكافرين وأخبر أنّ المسلمين إن أطاعوهم ردّوهم عن الإيمان إلى الكفر والخسارة، فقال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ} [آل عمران:149]، وقال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ كَـٰفِرِينَ} [آل عمران:100]، وقال تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]، وقال تعالى: {وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، وقال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116]... وقال تعالى: {ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـٰهاً وٰحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31].

وفسر النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذهم أرباباً بأنها طاعتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام، فإذا كان من أطاع الأحبار ـ وهم العلماء ـ والرهبان ـ وهم العباد ـ في ذلك، فقد اتخذهم أرباباً من دون الله، فمن أطاع الجهّال والفسّاق في تحريم ما أحلّ الله أو تحليل ما حرّم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله، بل ذلك أولى وأحرى"[9].

3- ترك الركون إلى الكفرة الظالمين:

وقد نهى الله عن ذلك فقال: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [هود:113]، فنهى سبحانه وتعالى عن الركون إلى الظلمة، وتوعد على ذلك بمسيس النار وعدم النصر، والشرك هو أعظم أنواع الظلم كما قال تعالى: {إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] فمن ركن إلى أهل الشرك ـ أي: مال إليهم ـ أو رضي بشيء من أعمالهم، فإنه مستحق لأن يعذبه الله بالنار وأن يخذله في الدنيا والآخرة[10].

4- ترك موادة أعداء الله:

قال الله تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22].

قال شيخ الإسلام: "فأخبر سبحانه أنّه لا يوجد مؤمن يوادّ كافراً، فمن وادّ الكفار فليس بمؤمن"[11].

قال الشيخ حمد بن عتيق: "فإذا كان الله تعالى قد نفى الإيمان عمّن وادّ أباه وأخاه وعشيرته إذا كانوا محادّين الله ورسوله، فمن وادّ الكفار الأبعدين عنه فهو أولى بأن لا يكون مؤمناً"[12].

5- ترك التشبه بالكفار في الأفعال الظاهرة:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم))[13].

قال شيخ الإسلام: "إن الله تعالى جبل بني آدم بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميّز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط... فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي...وإن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحسّ والتجربة حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودّة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرَين، وذاك لأنّ الاشتراك في البلد نوع وصف اختصّا به عن بلد الغربة... وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم حتى إنّ ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة، إما على الملك، وإما على الدين... وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء وإن تباعدت ديارهم وممالكهم بينهم مناسبة تورِث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كلّه موجَب الطباع ومقتضاه، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرضٌ خاص.

فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة لهم، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟! فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشدّ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان"[14].

وقال الشيخ حمد بن عتيق: "إذا كانت مشابهة الكفار في الأفعال الظاهرة إنما نهي عنها لأنها وسيلة وسبب يفضي إلى موالاتهم ومحبتهم، فالنهي عن هذه الغاية والمحذور أشدّ، والمنع منه وتحريمه أوكد، وهذا هو المطلوب"[15].

وهناك صور شتى ومظاهر عديدة للبراءة وفيما يلي بعضها باختصار:

1- بغض الشرك والكفر والنفاق وأهله، وإضمار العداوة لهم كما أعلنها إبراهيم عليه الصلاة والسلام فأخبر الله عنه بقوله تعالى: {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف:26-27]، وقال سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤاْ مّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4].

2- هجر بلاد الكفر، وعدم السفر إليهم إلا لضرورة مع القدرة على إظهار شعائر الدين ومع عدم المعارضة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين))[16].

3- أن لا يناصر الكفار، ولا يمدحهم، ولا يعينهم على المسلمين.

4- أن لا يستعين بهم، ولا يتّخذهم بطانة له يحفظون سرّه ويقومون بأهمّ أعماله، كما قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118].

قال القرطبي: "نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء ووُلَجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم"[17].

5- أن لا يشاركهم في أعيادهم وأفراحهم، ولا يهنئهم بها، وقد فسر بعض أهل العلم قوله: {لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] أي: أعياد الكفار.

6- أن لا يستغفر لهم، ولا يترحّم عليهم، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ} [التوبة:113].

7- هجر مجالسهم وعدم صحبتهم.

8- عدم المداهنة والمجاملة والمداراة لهم على حساب الدين.

9- أن لا يعظم الكافر بلفظ أو فعل.

10- عدم التولي العام لهم.

11- أن لا يبدأهم بالسلام لما جاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبدؤوا اليهود بالسلام ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه))[18].

 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،


 


[1] سبيل النجاة والفكاك (ص 31).

[2] أوثق عرى الإيمان (ص 26).

[3] الدرر السنية في الأجوبة النجدية (8/305).

[4] الدرر السنية في الأجوبة النجدية (8/359).

[5] سبيل النجاة والفكاك (ص 44-45).

[6] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم، وسبيل النجاة والفكاك (ص 46).

[7] اقتضاء الصراط المستقيم (1/99).

[8] سبيل النجاة والفكاك (ص 47).

[9] سبيل النجاة والفكاك (ص 48-49).

[10] سبيل النجاة والفكاك (ص 50).

[11] اقتضاء الصراط المستقيم (1/551).

[12] سبيل النجاة والفكاك (ص 50-51).

[13] أخرجه أحمد (2/50، 92)، وأبو داود في اللباس، باب: في لبس الشهرة (4031)، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3401).

[14] اقتضاء الصراط المستقيم (1/547-550).

[15] سبيل النجاة والفكاك (ص 52).

[16] أخرجه أبو داود في الجهاد (2645)، والترمذي في السير (1604)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1474).

[17] الجامع لأحكام القرآن (4/178-179).

[18] مسلم (2167).

 

.