|
||
. |
||
التوبة والاستغفار: الفصل التاسع: أخطاء في باب التوبة: الصفحة السابقة |
||
|
||
الفصل التاسع: أخطاء في باب التوبة: فمن الناس من يدرك خطأه ويعلم حرمة ما يقع فيه، ولكنه يؤجل التوبة ويسوّف فيها وهذا خطأ عظيم؛ لأن التوبة واجبة على الفور، بل إن تأخير التوبة ذنب يجب أن يستغفر منه. قال الغزالي: "أما وجوبها على الفور فلا يستراب فيه، إذ معرفة كون المعاصي مهلكات من نفس الإيمان، وهو واجب على الفور"[1]. وقال ابن القيم: "المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة"[2]. 2- الغفلة عن التوبة مما لا يعلمه العبد من ذنوبه: وهذا من الأخطاء التي تقع في باب التوبة وقلّ من يتفطن لها، قال ابن القيم: "ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم، فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكناً من العلم، فإنه عاصٍ بترك العلم والعمل، فالمعصية في حقه أشد"[3]. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل))، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: ((أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم))[4]. 3- ترك التوبة مخافة الرجوع للذنب: يجب على المسلم أن يتوب إلى الله في كل وقت وحين فلربما أدركه الموت وهو لم ينقض توبته، كما عليه أن يحسن الظن بربه ويعلم أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني))[5]. 4- ترك التوبة خوفاً من لمز الناس: فمن الناس من تحدثه نفسه بالتوبة ولزوم الاستقامة، ولكنه يخشى لمز الناس وعيبهم إياه ووصمهم له بالتشدد والوسوسة، وهذا خطأ فادح؛ إذ كيف يقدم خوف الناس على خوف رب الناس، وكيف يؤثر الخلق على الحق، فالله أحق أن يخشاه. 5- ترك التوبة مخافة سقوط المنزلة وذهاب الجاه والشهرة. 6- التمادي في الذنوب اعتماداً على سعة رحمة الله: يقول المولى جل ذكره {نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ w وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلألِيمُ} [الحجر:49، 50]. يقول أبو حامد الغزالي في شأن من يذنب وينتظر العفو عنه اتكالاً على فضل الله تعالى قال: "هو كمن ينفق جميع أمواله ويترك نفسه وعياله فقراء منتظراً من فضل الله أن يرزقه العثور على كنز في أرض خربة، فإن إمكان العفو عن الذنب مثل هذا الامكان، وهو مثل من يتوقع النهب في الظلمة في بلده وترك ذخائر أمواله في حصن داره وقدر على دفنها فلم يفعل"[6]. وقال ابن القيم: "وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء. وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب"[7]. 7- الاغترار بإمهال الله للمسيئين: قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102][8]. قال ابن الجوزي: "فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل، وكذلك كل مذنب ذنباً، وهو معنى قوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]، وربما رأى العاصي سلامة بدنه فظن أن لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة"[9]. وقال ابن الجوزي أيضاً: "الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي، فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبة، وربما جاءت مستعجلة"[10]. يقول المولى سبحانه: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ}، وقال جل ذكره: {قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر:53]. جاء في صحيح مسلم عند جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث: ((إن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك))[11]. الذين يهجرون الذنوب هجراً مؤقتاً يتحينون الفرص لمعاودة الذنب. وهذا الغرور قد يصاحب بعض التائبين وكأن توبته قد قبلت وذنوبه قد محيت فيدفعه هذا الغرور إلى أن يقع في بعض الذنوب الأخرى. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] إحياء علوم الدين (4/7). [2] مدارج السالكين (1/283). [3] مدارج السالكين (1/283). [4] رواه البخاري في الأدب المفرد باب فضل الدعاء (1/250). وصححه الألباني في صحيح الجامع (3731). [5] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه (7405) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب الحث على ذكر الله (2675). [6] إحياء علوم الدين (4/58). [7] الجواب الكافي (67-68). [8] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله وكذلك اخذ ربك إذا أخذ القد (4686)، مسلم في البر والصلة (2583)، من حديث أبي موسى الأشعري. [9] صيد الخاطر (104). [10] صيد الخاطر (500). [11] أخرجه مسلم في كتاب الصلة والاداب باب: النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله (2621). |
||
|
||
. |