|
||
. |
||
التوبة والاستغفار: الفصل السابع: أمور تعين على التوبة: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
الفصل السابع: أمور تعين على التوبة: 1- الإخلاص لله والإقبال عليه عز وجل: فالإخلاص لله عز وجل من أنفع الأدوية، فإذا أخلص لله عز وجل وصدق في طلب التوبة أعانه الله عليها ويسره لها وأمده بألطاف لا تخطر بالبال، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصد توبته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك ولا ألذ ولا أمتع ولا أطيب، والإنسان لا يترك محبوباً إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه، أو خوفاً من مكروه، فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر، قال تعالى في حق يوسف: {كَذٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوء وَٱلْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24]، فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله؛ ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له تغلبه نفسه على اتباع هواها، فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوي في قلبه، انقهر له هواه بلا علاج"[1]. قال الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ}. قال ابن الجوزي: "وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة، ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً؛ لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب عزيزاً؛ لأنه قَهَر"[2]. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)). وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)[3]. قال ابن رجب الحنبلي: "وهذا الحديث أصل في قِصَر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً فيطمئن فيها. ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر، يهيئ جهازه للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم"[4]. لأنه نور يستضاء به، والعلم يشغل صاحبه بكل خير ويُشغله عن كل شر، فإذا فقد العلم فقدت البصيرة. ومن العلم في هذا السياق العلم بعاقبة المعاصي وقبحها ورذالتها، ودناءتها، ومن العلم أيضاً أن يعلم بفضل التوبة والرجوع إلى الله عز وجل. 5- مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار: لأن مصاحبة الأخيار تحيي القلب وتشرح الصدر، وتنير الفكر، وتعين على الطاعة، والأشرار على عكسهم، ولهذا جاء في حديث الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً أنه لما أتى إلى الرجل العالم وسأله: هل له من توبة؟ قال له: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء[5]. 6- استحضار أضرار الذنوب والمعاصي في الدنيا والآخرة: فإن للذنوب والمعاصي أضراراً عظيمة وعقوبات متنوعة سواء في الدنيا أو في الآخرة على مستوى الأفراد أو الجماعات، فَتَذكُّر هذه العقوبات والمثلات يدعو الإنسان للتوبة قبل حلول العذاب. قال الله تعالى: {ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال جل شأنه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. ومن أعظم ما يُسأل الله عز وجل أن يوفقه للتوبة النصوح، وأن يتقبل توبته[6].
[1] مجموع فتاوي ابن تيمية (10/187- 188). [2] صيد الخاطر (115). [3] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب (6416). [4] جامع العلوم والحكم (2/377). [5] أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الغار (347)، ومسلم في كتاب التوبة باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (2766). [6] انظر: التوبة وظيفة العمر (223). |
||
|
||
. |