|
||
. |
||
التوبة والاستغفار: الفصل الرابع: فضائل التوبة والاستغفار في السنة النبوية: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
الفصل الرابع: فضائل التوبة والاستغفار في السنة النبوية: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقِل قلبه، وإن عاد زيد فيه، حتى تعلو قلبه، وهو الران[1] الذي ذكر الله: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[المطففين:14]))[2]. قال المباركفوري: "والمعنى: نظّف وصفَّى مرآة قلبه، لأن التوبة بمنزلة المصقلة، تمحو وسخ القلب وسواده حقيقياً أو تمثيلياً"[3]. 2- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))[4]. 3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلّ على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدَلّ على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك الموت في صورة آدمي، فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة))[5]. قال ابن حجر: "وفيه مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس، ويحمل على أن الله إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه... وقال عياض: وفيه أن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب وهو وإن كان شرعاً لمن قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف، لكن ليس هذا من موضع الخلاف، لأن موضع الخلاف إذا لم يرد في شرعنا تقريره وموافقته، أما إذا ورد فهو شرع لنا بلا خلاف"[6]. 4- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده))[7]. 5- عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي[8]، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة))[9]. قال ابن أبي جمرة: "جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالإلهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو، وفي كل ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة، فإن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان في ذلك عون من الله تعالى"[10]. 6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))[11]. قال ابن بطال: "الأنبياء أشد الناس اجتهاداً في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير"[12]. وقال الغزالي: "كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارترقى إلى حال رأى ما قبلها دونها، فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقاً بحسب تعدد الأحوال"[13]. 7- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: ((أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أنه له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفر لك))، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: ((اعمل ما شئت))[14]. قال القرطبي: "يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارناً للسان لينحل به عقد الإصرار ويحصل معه الندم، فهو ترجمة للتوبة"[15].
[1] الران: الطبع والختم. [2] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير باب: ومن صورة المطففين (3334) وقال: هذا حديث حسن صحيح وأخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد باب: ذكر الذنوب (4244). [3] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (9/254). [4] أخرجه مسلم في كتاب التوبة باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب (2759). [5] أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب: حديث الغار (347)، ومسلم في كتاب التوبة باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (2766). [6] فتح الباري (6/518). [7] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب: التوبة (6308). [8] معنى أبوء أي: أعترف. [9] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب فضل الاستغفار (6306). [10] انظر: فتح الباري (11/103). [11] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب: استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة (6307). [12] شرح صحيح البخاري (10/77) بتصرف. [13] إحياء علوم الدين ( ). [14] أخرجه مسلم في كتاب التوبة باب: قبول التوبة من الذنوب و إن تكررت الذنوب (2758). وأبو داود في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله (7507)، [15] المفهم (7/85) بتصرف. |
||
|
||
. |