|
||
. |
||
أصول التعامل مع غير المسلمين: خامساً: المسلمون في ديار الكفر: الصفحة السابقة (الصفحة الرئيسة) |
||
|
||
خامسًا: المسلمون في ديار الكفر: 1- حكم الإقامة في بلاد الكفّار: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام يختلف حكمها باختلاف حالات المقيمين بديار الكفر: أ. فتكون واجبة، وذلك في حق من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه أو إقامة واجبات دينه في ديار الكفر، لقوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء:97]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا بريء من مسلم بين مشركين لا تراءى ناراهما))[1]، ومعناه لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت، ولأن القيام بواجبات دينه واجب، والهجرة من ضرورة الواجبات وتتمتها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ب. وتسقط عمن يعجز عنها إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف كالنساء والولدان وشبههم، فالعاجز لا هجرة عليه لقوله تعالى: {إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً % فَأُوْلَـئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:98-99]. ج. وتستحب في حق من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامة واجباته في دار الكفر، فهذا تستحب في حقه ليتمكن من جهادهم، ولتكثير المسلمين ومعونتهم، والتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ومشاهدة المنكر بينهم، ولا تجب عليه لإمكانه إقامة واجبات دينه بدون الهجرة. وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة قبل فتحها مع إسلامه[2]. فإن قيل: ما ضابط إظهار الدين؟ فالجواب: ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: "إظهاره دينَه ليس مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا وغير ذلك، إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلال"[3]. ويرى بعض العلماء أنه قد يستحب للمسلم أن يقيم في دار الكفر وذلك إذا كان يرجو ظهور الإسلام بإقامته أو إذا ترتب على بقائه بدار الكفر مصلحة للمسلمين، فقد نقل صاحب مغني المحتاج أن إسلام العباس رضي الله عنه كان قبل بدر وكان يكتمه ويكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين وكان المسلمون يتقوون به بمكة، وكان يحب القدوم على النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه صلى الله عليه وسلم: ((إن مقامك بمكة خير))، ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة[4]. ولا شك أن هذا ليس لكل أحد، وأغلب الناس سريع التأثر بما عليه الكفار، وخاصة في هذا الزمان الذي غلب فيه أهل الكفر، ونحن نرى ولوع كثير من المسلمين بتقليد الكفار واتباعهم وهم في ديار الإسلام فكيف الحال بمن هو مقيم بين أظهرهم، لا شك أن الفتنة أعظم والخطر أكبر، وأحكام الشريعة مبنية على الغالب الكثير لا على ما شذّ وندر. 2- النكاح بأهل الكتاب اليوم في ديارهم: يترتب في الوقت الراهن من الزواج بالكتابية في ديارها وإن لم تكن دار حربٍ مفاسد شتى، من أعظمها أنّ الولد يتبع أمّه في دينها، ولا سلطة للأب المسلم على ذلك. ولأجل ذلك كره من كره من أهل العلم الزواج بالحربيّة؛ لخشية ضياع الولد، قال القرطبيُّ: "وكره مالك تزوج الحربيات لعلة ترك الولد في دار الحرب ولتصرفها في الخمر والخنزير"[5]. وقال ابن مفلح: "وعلل الإمام المنع في دار الحرب من أجل الولد لئلا يستعبد الرجعة على دينهم"[6]. وقد أشار الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتوى المتقدمة في حكم نكاح الكتابية إلى هذه العلّة في كراهية التزوج بالكتابيّة في بلدها في الوقت الحالي[7]. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
[1] أخرجه أبو داود [2645] والترمذي [1604] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع [1461]. [2] انظر: المغني لابن قدامة (13/151). [3] فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1/91-92) [4] مغني المحتاج (4/239) وانظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية للدكتور محمد خير هيكل (1/687-692). [5] الجامع لأحكام القرآن (3/69). [6] المبدع (7/71). [7] انظر: النكاح بأهل الكتاب منهم.
|
||
|
||
. |