الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام الصيام

.

  الاعتكاف: خامسًا: فضله:                                                                                                      قائمة محتويات هذا الملف  

 

خامسًا: حكمُه:

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حكمه للرجال:

الاعتكاف سنة ما لم يوجبه الإنسان على نفسه بالنذر، وقد حكي إجماعاً ([1]).

ولأدلة مشروعيته المتقدمة([2]).

وعن الإمام مالك كراهةُ الاعتكاف، أخذها ابن رشد([3]) من قول الإمام مالك:
"ما رأيت صحابياً اعتكف، وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم حتى قُبِضَ، وهم أشد الناس، فلم أزل أفكّر حتى أخذ بنفسي أنه لشدّته، نهارُه وليلُه سواء كالوصال المنهي
عنه".

وقال أيضاً: "ما بلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا ابن المسيب، ولا أحد من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن، وذلك – والله أعلم – لشدة الاعتكاف"([4]).

وعلل بعض المالكية ما ظهر عن الإمام مالك من كراهية الاعتكاف؛ أنه من الرهبانية المنهي عنها([5]).

وأخذ منه بعض المالكية استحباب الاعتكاف دون سنيته([6]).

ولا يسلم ما ذكره الإمام مالك رحمه الله؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم اعتكفوا معه في حياته صلى الله عليه وسلم؛ لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط... فكلم الناس فدنوا منه، فقال: ((إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)) فاعتكف الناس معه...([7]).

وأيضاً: اعتكف أزواجه رضي الله عنهن من بعده صلى الله عليه وسلم ([8]).

قال الحافظ ابن حجر: "لعله – أي: مالكاً – أراد صفة مخصوصة، وإلا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف"([9]) كعلي بن أبي طالب ([10])، ويعلى بن أمية ([11]) رضي الله عنهما.

قال الزهري: "عجباً من الناس كيف تركوا الاعتكاف؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض"([12]).

وقال الإمام أحمد: "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أنه مسنون"([13]).

المطلب الثاني: حكمه للمرأة:

ذهب جماهير أهل العلم([14]) إلى أن الاعتكاف سنة في حق النساء كما هو سنة في حق الرجال.

ومما استدلوا به: عموم أدلة مشروعية الاعتكاف ([15])، فهي تشمل الرجل والمرأة الشابة.

وحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه إذنه صلى الله عليه وسلم لعائشه وحفصة رضي الله عنهما أن يعتكفا معه([16])، وكانتا شابتين.


 


([1]) انظر: الإجماع لابن المنذر (ص: 53 )، وشرح العمدة لشيخ الإسلام (2/711 ـ الصيام).

([2]) انظر: (ص: 3 – 4 ).

([3]) مقدمات ابن رشد مع المدونة (1/201 ).

([4]) انظر: الاستذكار (10/304 ).

([5]) انظر: إكمال إكمال المعلم للأبي (3/281 ).

([6]) انظر: بداية المجتهد (1/312 ).

([7]) تقدم تخريجه في (ص:3 ).

([8]) تقدم تخريجه في (ص:5).

([9]) فتح الباري (4/272 ).

([10]) انظر: عارضة الأحوذي (4/3 ).

([11]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4/2346 )، وابن أبي شيبة في المصنف (3/89 )، وصححه ابن حزم في المحلى (5/179 ).

([12]) انظر: المبسوط (3/114 )، عمدة القاري (12/140 ).

([13]) مسائل أحمد لأبي داود (ص: 97 ).

([14]) انظر: المبسوط (3/119 )، المدونة مع مقدمات ابن رشد (1/200 )، مغني المحتاج (1/451 )، المبدع (3/65)، المحلى (5/179 ).

([15]) تقدمت الإشارة إليه.

([16]) أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال (2041 )، ومسلم في الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (1173 ).

 
.