الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام الصيام

.

  الاعتكاف: عاشرًا: أقل الاعتكاف وأكثره:                                                                                    قائمة محتويات هذا الملف  

 

عاشرًا: أقل الاعتكاف وأكثره:

ا- أقله:

اختلف العلماء رحمهم الله في أقل الاعتكاف على أقوال:

القول الأول: أقله يوم.

وهو رواية عن أبي حنيفة ([1])، وبه قال بعض المالكية ([2])، ووجه عند الشافعية ([3]).

واستدلوا: بأنّ من شرط صحة الاعتكاف الصوم، والصوم لا يصح أن يكون أقل من يوم.

ورُدَّ: بأنّ ذلك بعد تسليم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف.

وأيضاً: "فإن العبادة لا تكون مقدرة بشرطها"([4]).

القول الثاني: أن أقله يوم وليلة.

وهو مذهب المالكية([5]).

واستدلوا: "بحديث عمر رضي الله عنه، وفيه تقديره بيوم وليلة، فكان ذلك
أقله"
([6]).

وردّ: بأنه ليس فيه تحديد أقل الاعتكاف، وكل ما فيه تحديد مدة نذر عمر رضي الله عنه.

القول الثالث: أنّ أقله عشرة أيام.

وهو رواية عن مالك([7]).

واستدلوا: بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله([8]).

ورُدَّ بما قاله ابن حزم: "فإن قيل: لم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل من  عشر ليال. قلنا: ولَمْ يمنع من أقل ذلك، وكذلك أيضاً لم يعتكف قط في غير مسجد المدينة، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير مسجده عليه السلام، ولا اعتكف قط إلاّ في رمضان وشوال، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير هذين الشهرين!! والاعتكاف فعل خير فلا يجوز المنع منه إلا بنص وارد بالمنع"([9]).

القول الرابع: أن أقله لحظة.

وهو قول أكثر العلماء([10]).

واستدلوا: بقوله تعالى: {وَلاَ تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَـٰجِدِ}[البقرة:187].

قال أبو محمد بن حزم: " فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وبالعربية خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاعتكاف في لغة العرب الإقامة... فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكافٌ... مما قلّ من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسّنّة عدداً من عدد، ووقتاً من وقت"([11]).

وقال الشوكاني: "لم يأتنا عن الشارع في تقدير مدة الاعتكاف شيء يصلح للتمسك به، واللبثُ في المسجد والبقاء فيه يصدق على اليوم وبعضه، بل وعلى الساعة إذا صحب ذلك نية الاعتكاف"([12]).

ب- أكثـــره:

أما أكثر الاعتكاف فلا حدَّ له([13]) ما لم يتضمن محذوراً شرعياً.

لعموم قوله تعالى: {وَلاَ تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَـٰجِدِ} [البقرة:187].

قال ابن الملقن: " وأجمع العلماء على أن لا حد لأكثره " ([14]).


 

([1]) انظر: الهداية مع فتح القدير (2/391 ).

([2]) انظر: مواهب الجليل (2/454 ).

([3]) انظر: روضة الطالبين (2/391 ).

([4]) أحكام القرآن لابن العربي (1/95 ).

([5]) انظر: المدونة مع مقدمات ابن رشد (1/202 ).

([6]) أحكام القرآن لابن العربي (1/95 ).

     وحديث عمر الذي أشار إليه ابن العربي هو: ما رواه عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر:
( أن عمر نذر أن يعتكف (يوماً بليلته). قال الدارقطني في "العلل" (2/30 ): " فإن كان حفظ ـ أي ـ العمري هذا فقد صحت الأقاويل عن نافع، ويكون قول من قال: (يوماً) بليلته، ومن قال: (ليلة) بيومها".

([7]) انظر: المدونة (1/202 )، الاستذكار (10/313 ).

([8]) سبق تخريجه.

([9]) المحلى (5/180 ).

([10]) انظر: الدر المختار (1/445 )، القوانين الفقهية (ص: 125 )، المهذب (1/190 )، الإنصاف مع الشرح الكبير (7/566 )، المحلى (5/179 ).

([11]) المحلى (5/180 ).

([12]) السيل الجرار (2/136 ).

([13]) انظر: بدائع الصنائع (2/115 )، أحكام القرآن لابن العربي (1/92 )، المجموع (6/490 )، كشاف القناع (2/374 )، المحلى (5/180 ).

([14]) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/430 ).

 
.