|
||
. | ||
فروض صحة الصوم: ثانيًا: النية: قائمة محتويات هذا الملف |
||
|
||
2 ـ النية: عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) ([1]) . قال ابن قدامة: ".. لا يصح صومٌ إلا بنية إجماعًا، فرضًا كان أو تطوّعًا؛ لأنه عبادة محضة، فافتقر إلى النية كالصلاة، ثم إن كان فريضة كصيام رمضان في أدائه أو قضائه، والنذر والكفارة اشترط أن ينويه من الليل عند إمامنا، ومالك والشافعي"([2]) . وقال النووي: "لا يصحّ الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يشترط النطق بها بلا خلاف"([3]) . وقال ابن رشد: "أما كون النية شرطًا في صحة الصيام فإنه قول الجمهور"([4]) . 1/ 2 حكم تقديم النية في الصوم: لم يختلف العلماء في جواز تقديم النية في الصوم كما اختلفوا في الوضوء والصلاة. والسبب في ذلك أمران: 1. النصوص الصريحة الدالة على أن محل النية في الصوم هو الليل. 2. أن اشتراط مقارنة النية لأول الصوم فيه مشقة بالغة، وحرج شديد والله يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. ووجه المشقة والحرج أن أول الصوم يأتى في وقت غفلةٍ من الناس، ولعسر مراقبة أول الصوم وهو الفجر. قال الكاساني: "فالأفضل في الصيامات كلها أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه ذلك، أو من الليل لأن النية عند طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة ومن الليل تقارنه تقديرًا..." ([5]) . 2/ 2 حكم تأخير النية في الصوم: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن صوم رمضان يتأدّى بنيةٍ من بعد غروب الشمس إلى منتصف النهار، وقالوا بجواز صومه بنية من النهار، وقال به أبو حنيفة وأصحابه. قال الكاساني: "وإن كان عينًا وهو صوم رمضان وصوم التطوع خارج رمضان والمنذور المعين يجوز"([6])، أي عقد النية بعد طلوع الفجر. وخالف زُفر من الأحناف في المريض والمسافر إذا صاما رمضان. قال: "لا بد لهما من تبييت النية من الليل لأنه في حقهما كالقضاء لعدم تعينه عليهما"([7]) . القول الثاني: أنه لا يصح صوم رمضان إلا بنية من الليل. وقال به مالك وأحمد وإسحاق والشافعي وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف([8]) . أدلة الفريق الأول ومناقشتها: حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء:((أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل))([9]). ولا يتم لهم الاستدلال بالحديث إلا على القول بأن صوم عاشوراء كان واجبًا. قال النووي: "وأجابوا عن استدلال أبي حنيفة بأن صوم عاشوراء كان تطوعًا متأكداً شديد التأكيد ولم يكن واجبًا. وهذا صحيح مذهب الشافعية"([10]). واستدلوا على أن صومه لم يكن واجبًا بحديث معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر))([11]). فقوله: ((ولم يكتب عليكم صيامه))، وقوله: ((من شاء فليصم ومن شاء فليفطر)) ظاهر الدلالة على أنه لم يكن واجبًا قط، بل هو نص في ذلك. والصواب أن صوم عاشوراء كان واجباً، وأن وجوبه نُسخ عندما فرض الله صوم رمضان؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر) ([12]) . قال الحافظ ابن حجر: "ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبًا لثبوت الأمر بصيامه، ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم: (لما فرض رمضان ترك عاشوراء)، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باقٍ، فدل على أن المتروك وجوبه"([13]) . وعلى هذا يتبين أن عاشوراء كان واجبًا ثم نسخ([14]) . ولا يتم للأحناف الاستدلال أيضًا؛ لأن الحديث لا تقوم به حجة؛ لأن المتنازع فيه في صوم الفرض المقدور هل يجوز أن ينويه من النهار بلا عذر؟ أما الذي دل عليه الحديث فهو صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم عليه من الليل، كالذي لم يبلغه أن اليوم أول رمضان إلا بعد أن أصبح، وقد احتج ابن حزم بالحديث على صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم إلا بعد طلوع الفجر([15]). واحتجوا بالقياس ولهم فيه طريقان: 1 ـ قياس الفرض على النفل، فالنفل صح فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينويه من النهار. وردّ عليهم بأنه قياس لا يصح لأننا عهدنا من الشارع أنه يخفف في النوافل ما لا يخفف في الفرائض. 2 ـ قياس النية المتأخرة على المتقدمة من أول الغروب، والجامع بينهما التيسير ورفع الحرج([16]). وهذا يلزمهم القول بإجازة الصوم بنية من النهار قبل الزوال وبعده، لا كما يقولون بأن النية بعد الزوال لا تصح، وذلك لأنّ الحرج قد يوجد بعد الزوال. فقد يبلغ الصبي، ويسلم الكافر، ويفيق المجنون، ويصحو المغمى عليه وهم لا يقولون بذلك. أدلة الفريق الثاني ومناقشتها: 1 ـ حديث حفصة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)) ([17]) . وقد رد الأحناف عليهم بأن الحديث ضعيف. والجواب عليهم من وجهين: أ ـ أن جماعة من الحفاظ حكموا بصحته: كابن خزيمة والحاكم وغيرهما. ب ـ على التسليم لهم بالضعف فإنه قد روي موقوفًا عن ثلاثة من الصحابة بأسانيد صحيحة؛ إذ جاء عن ابن عمر وأخته حفصة وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم([18]) ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة. 2 ـ قال القاضي عبد الوهاب: "ولأنه صوم شرعي فأشبه النذور والقضاء، ولأنها عبادة من شرطها النية، فوجب ألا يتأخر عن بعض زمانها... ولأنها نية ابتدأت بعد مضي جزء من النهار أصله بعد الزوال، ولأن كل ما لا يكون الصائم صائمًا إلا بوجوده فلا يصح الصوم بعد مضي جزء من اليوم... ولأن النية أحد ركني الصيام فاختصت بإحدى جنسي الزمان أصله الإمساك"([19]) . لا يجوز تأخير نية صوم الكفارة وقضاء رمضان، ولا يصح صومهما إلا بنية من الليل عند كافة العلماء. قال النووي: "ولا نعلم أحدًا خالف في ذلك"([20]) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما تبييت النية فإن الصوم الواجب الذي وجب الإمساك فيه من أول النهار لا يصح إلا بنية من الليل، سواء في ذلك ما تعين زمانه كأداء رمضان والنذر المعين، وما لم يتعين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق"([21]) . اختلف أهل العلم في اشتراط تبييت النية لصيام التطوع على قولين: القول الأول: يجوز صوم التطوع بنية من النهار ولا يشترط تبييت النية، وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة على خلاف بينهم في آخر وقت لنية التطوع؛ فعند الحنفية آخر وقت نية صوم التطوع الضحوة الكبرى، أي نصف النهار([22])، وعند الشافعية قبل الزوال([23])، وعند الحنابلة يمتدّ وقتها إلى ما بعد الزوال([24]) . ويشترط عند الجميع لصحة نية النفل في النهار: أن لا يكون فعل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا يجزئه الصوم حينئذ اتفاقًا. القول الثاني: يشترط في نية صوم التطوع التبييت كالفرض، وبه قال المالكية([25]) . أدلة أصحاب القول الأول: احتج من لم يشترط تبييت النية في صوم التطوع: 1 ـ بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: ((يا عائشة، هل عندكم شيء؟)) قالت: فقلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء، قال: ((إني صائم)) ([26]) . 2 ـ أن صيام النفل يخالف الفرض في كونه أخفّ منه، وقد خفف الشارع في ترك القيام واستقبال القبلة في النفل مع القدرة([27]). أدلة أصحاب القول الثاني: واحتج من رأى وجوب تبييت النية في صيام النفل: 1 ـ بحديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له))([28]). وأجاب الجمهور عليه بما قاله ابن قدامة: "وحديثهم نخصّه بحديثنا على أن حديثنا أصح من حديثهم"([29]) . 2 ـ أن النية لا تكفي بعد الفجر لأن حقيقتها: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً. حكم تعيين النية لكل يوم من رمضان: اختلف أهل العلم، هل يشترط للصائم أن ينوي الصيام قبل كل يوم جديد، أم تكفي نية واحدة وتجزئ عن جميع أيام الشهر، على قولين: القول الأول: تجب نية مستقلة لكل يوم من أيام رمضان، وقال به الحنفية([30]) والشافعية([31]). وهو رواية عن الإمام أحمد عليها المذهب عند أتباعه([32]). القول الثاني: تجزئ نية واحدة عن جميع شهر رمضان، وهو قول المالكية([33]) ورواية عند أحمد([34]).
أدلة أصحاب القول الأول: قال ابن قدامة: "دلنا: أنه صوم واجب فوجب أن ينوي كل يوم من ليله، كالقضاء، ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها فأشبهت القضاء، وبهذا فارقت اليوم الأول، وعلى قياس رمضان إذا نذر صوم شهر بعينه، فيخرج فيه مثل ما ذكرناه في رمضان" ([35])، وقد اختار هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء([36]). أدلة أصحاب القول الثاني: استدل من رأى الاجتزاء بنية واحدة عن جميع الشهر بعدة أمور منها: - أن صوم الشهر عبادة واحدة. - ما ثبت في الحديث: ((ولكل امرئ ما نوى))، وهذا نوى صيام الشهر فله ما نوى. - قياسه على الحج، فالحج طوافه وسعيه والوقوف بعرفة ..، تجزئ فيه نية واحدة عن جميعه. قال ابن عثيمين: "وهذا هو الأصح، لأن المسلمين جميعاً لو سألتهم لقال كل واحد منهم أنا نويت الصوم أول الشهر إلى آخره، فإذا لم تتحقق النية حقيقة فهي محققة حكماً، لأن الأصل عدم القطع، ولهذا قلنا: إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فلا بد من تجديد النية، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس"([37]). ([1]) رواه أبو داود: كتاب الصوم، باب: النية في الصيام رقم (2454) واللفظ له، والنسائي (4/196) كتاب: الصيام، باب: ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة. وصححه الألباني كما في: صحيح أبي داود (2/465). ([2]) المغني (4/333). ([3]) روضة الطالبين (2/350). ([4]) بداية المجتهد (1/359). ([5]) بدائع الصنائع (2/85). وانظر حاشية ابن عابدين (2/92). ([6]) بدائع الصنائع (2/85). ([7]) انظر: فتح القدير (2/48) الباب في شرح مختصر القدوري (1/163). ([8]) انظر: المعونة (1/457)، الإنصاف (7/395)، والمجموع (6/300). ([9]) رواه البخاري واللفظ له (2/59) كتاب الصوم باب صيام يوم عاشوراء رقم (2007)، ومسلم (2/798) كتاب الصيام، باب من أكل في عاشوراء رقم (1135). ([10]) المجموع (6/301) بتصرف يسير. ([11]) أخرجه البخاري في الصوم، باب: صيام يوم عاشوراء (2003) ومسلم في الصيام، باب: صوم يوم عاشـوراء (1129). ([12]) رواه البخاري كتاب: الصوم، باب: صيام يوم عاشوراء رقم (2001)، ومسلم كتاب: الصيام باب: صوم يوم عاشوراء رقم (1125). ([13]) فتح الباري (4/247). وانظر: زاد المعاد (2/68 ـ 77). ([14]) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص 69 ـ 72). ([15]) انظر: النيات في العبادات للأشقر (1/174). ([16]) فتح القدير (2/48). وانظر: النيات في العبادات (1/177 ـ 178). ([17]) رواه النسائي، كتاب: الصيام باب: ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة (2334)، والدارمي كتاب: الصوم باب: من لم يجمع الصيام من الليل (1698)، ورواه بلفظ ((من لم يجمع...)) الإمام أحمد (6/287)، والترمذي كتاب: الصوم، باب: ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل (730)، وأبو داود كتاب: الصوم، باب: النية في الصيام (2454). قال ابن حجر في: فتح الباري (4/142): "واختلف في رفعه ووقفه ورجح الترمذي والنسائي الموقوف بعد أن أطنب النسائي في تخريج طرقه، وحكى الترمذي في: العلل عن البخاري ترجيح وقفه. وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة فصححوا الحديث المذكور: منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم". ([18]) انظر: المحلى (6/161)، والتلخيص الحبير (2/188). ([19]) المعونة (1/457 ـ 458). ([20]) المجموع (6/337). ([21]) شرح العمدة (1/176- الصيام). ([22]) حاشية ابن عابدين (2/85). ([23]) مغني المحتاج (1/424). ([24]) كشاف القناع (2/317). ([25]) حاشية الدسوقي (1/530). ([26]) رواه مسلم في: الصيام، باب: فضل الصيام في سبيل الله (1154). ([27]) شرح العمدة (1/176- الصيام). ([28]) تقدم تخريجه. ([29]) المغني (4/342). ([30]) حاشية ابن عابدين (2/400). ([31]) المجموع للنووي (6/303). ([32]) شرح منتهى الإرادات للبهوتي (1/478). ([33]) التفريع لابن الجلاب (1/303). ([34]) الكافي لابن قدامة (1/393). ([35]) المغني (4/337). ([36]) فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (10/246). ([37]) الشرح الممتع (6/369-370). |
||
. |