|
||
. | ||
النفاق: سابعاً: موقف المسلم من المنافقين: الصفحة السابقة الصفحة التاليـة (الصفحة الرئيسة) |
||
|
||
سابعًا: موقف المسلم من المنافقين: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب:1]. قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} بطاعته، وأداء فرائضه وواجب حقوقه عليك، والانتهاء عن محارمه وانتهاك حدوده، {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} الذين يقولون لك: اطرد عنك أتباعك من ضعفاء المؤمنين بك حتى نجالسك، {وَالْمُنَافِقِينَ} الذين يظهرون لك الإيمان بالله والنصيحة لك، وهم لا يألونك وأصحابك ودينك خبالا، فلا تقبل منهم رأيا، ولا تستشرهم مستنصحا بهم، فإنهم لك أعداء، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} يقول: إن الله ذو علم بما تضمره نفوسهم، وما الذي يقصدون في إظهارهم لك النصيحة، مع الذي ينطوون لك عليه، حكيم في تدبير أمرك وأمر أصحابك ودينك، وغير ذلك من تدبير جميع خلقه"[1]. 2- الإعراض عنهم وزجرهم ووعظهم: قال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:138]. وقال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} [النساء:63]. قال الطبري: "يعني جل ثناؤه بقوله: {أُولَئِكَ} هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك ـ يا محمد ـ صفتهم، {يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} في احتكامهم إلى الطاغوت، وتركهم الاحتكام إليك، وصدودهم عنك، من النفاق والزيغ، وإن حلفوا بالله ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} يقول: فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحل بهم، وعقوبته أن تنزل بدارهم، وحذرهم من مكروه ما هم عليه من الشك في أمر الله وأمر رسوله، {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} يقول: مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده"[2]. 3- عدم المجادلة أو الدفاع عنهم: قال الله تعالى: {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107]. قال الطبري: "يعنى بذلك جل ثناؤه: {وَلا تُجَادِلْ} يا محمد فتخاصم {عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} يعني: يخونون أنفسهم، يجعلونها خونة بخيانتهم ما خانوا مِن أموال مَن خانوه ماله وهم بنو أبيرق، يقول: لا تخاصم عنهم من يطالبهم بحقوقهم، وما خانوه فيه من أموالهم، {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} يقول: إن الله لا يحب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره، مما حرمه الله عليه"[3]. 4- النهي عن موالاتهم والركون إليهم: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118]. قال الطبري: "يعني بذلك تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم من عند ربهم، {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} يقول: لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم من دونكم، يقول: من دون أهل دينكم وملتكم، يعني من غير المؤمنين. وذكر[4] أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النفاق منهم، ويصافونهم المودة بالأسباب التي كانت بينهم في جاهليتهم قبل الإسلام، فنهاهم الله عن ذلك، وأن يستنصحوهم في شيء من أمورهم"[5]. وقال ابن كثير: "يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة أي: يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي: يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم"[6]. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]. قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} بالسيف والسلاح، {وَالْمُنَافِقِينَ} واختلف أهل التأويل في صفة الجهاد الذي أمر الله نبيه به في المنافقين، فقال بعضهم: أمره بجهادهم باليد واللسان وبكل ما أطاق جهادهم به، وبه قال ابن مسعود رضي الله عنه. وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللسان، وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما. وقال آخرون: بل أمره بإقامة الحدود عليهم، وبه قال الحسن وقتادة رحمهما الله. وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود من أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره به من جهاد المشركين. فإن قال قائل: فكيف تركهم صلى الله عليه وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم؟! قيل: إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمةَ الكفر، ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك([7])، وأما من إذا اطُّلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأُخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال: إني مسلم فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان معتقدا غير ذلك، وتوكّل هو جل ثناؤه بسرائرهم، ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقرّهم بين أظهر الصحابة، ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله؛ لأن أحدهم كان إذا اطّلع عليه أنه قد قال قولا كفَر فيه بالله، ثم أُخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يأخذه إلا بما أظهر له من قوله عند حضوره إياه، وعزمه على إمضاء الحكم فيه، دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك، ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لأحد الأخذ به في الحكم، وتولى الأخذ به هو دون خلقه. وقوله: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} يقول تعالى ذكره: واشدد عليهم بالجهاد والقتال والإرعاب"([8]). عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا للمنافق سيد؛ فإنه إن يك سيدًا فقد أسخطتم ربكم عز وجل))([9]). قال الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:84]. عن عبد الله قال: لما توفي عبد الله بن أُبيّ جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصَك أكفنه فيه وصلِّ عليه واستغفِر له، فأعطاه قميصه وقال: ((إذا فرغت منه فآذنَّا))، فلمّا فرغ آذنه به، فجاء ليصلّي عليه، فجذبه عمر، فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلّي على المنافقين؟! فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَّغْفِرَ اللهُ لَهُمْ}، فنزلت: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ ع
[1] جامع البيان (21/117). [2] جامع البيان (5/156). [3] جامع البيان (5/271). [4] ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة. [5] جامع البيان (4/60-61). [6] تفسير القرآن العظيم (1/399). [7] أي: لم يرجع عن كلمة الكفر، بل أصر عليها. [8] جامع البيان (10/183-184). [9] أخرجه أحمد (5/346)، والبخاري في الأدب المفرد (760)، وأبو داود في الأدب، باب: لا يقال المملوك ربي وربتي (4977) واللفظ له، والنسائي في عمل اليوم والليلة (244)، والبيهقي في الكبرى (6/70)، وصحح المنذري إسناده في الترغيب (3/359)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (371). |
||
. |