|
|||
. |
|||
المولد النبوي : سابعاً: محلقات الموضوع: الصفحة السابقة |
|||
|
|||
سابعاً: ملحقات الموضوع: · أوّل احتفال عُمِل لمولد للنبيّ صلى الله عليه وسلم: قال المقريزي: "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم تتسع بها أحوال الرعيّة وتكثر نعمهم؛ كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعيادٌ ومواسمُ، وهي موسم رأس السنّة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه...) إلى آخر سرده لتلك الأعياد والمواسم([1]). وقد ذكر ذلك أيضًا القلقشندي في صبح الأعشى([2]). وأكَّد هذه النسبة إلى الفاطميين من المعاصرين العلامة محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية (المتوفى سنة 1354هـ)، بل ذكر أنّ أوّل من أحدثها بالتحديد منهم المعز لدين الله الفاطمي([3]). واتفق العلامة محمد بخيت المطيعي الحنفي مع الأستاذ علي محفوظ على أنَّ الملك المظفر أبا سعيد إنما أحدث المولد النبوي بمدينة إربل في القرن السابع بعد الفاطميين([4]). وهؤلاء الفاطميّون لم يعترف بنسبهم إلى أهل البيت أحد من أهل العلم الثقات، بل ألَّفوا في الطعن والقدح فيهم الكتب والمحاضر، وشهدوا عليهم بالإلحاد والزندقة والإباحيّة. قال الباقلاني: "هم قوم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض"([5]). وكانوا يُحدِثون في هذه الاحتفالات أمورًا شنيعة ذكرها المقريزي في خططه عقّب عليها العلامة محمد بخيت المطيعي بقوله: "وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميّون في المولد النبوي جزمت بأنّه لا يمكن أن يحكم عليه بالحلّ"([6]). فهذا الاحتفال لا شكّ في أنّه محدث بعد القرون الثلاثة، وأنّ الذين أحدثوه هم من أخبث الفرق التي انتسبت إلى الإسلام إن لم تكن أخبثها. قاموا على هذه الاحتفالات بُغية التأثير على العامة المحرومين، ظنًا منهم أنّ هذه الموالد ستؤكد نسبهم المزعوم، فوسعوا على الناس فيها، وصرفوا الأموال الطائلة عليها، فأقبل النّاس على تلك الموائد العظيمة التي كانت تُعَدُّ لهم، وصاروا ينتظرونها كلّ عام بنفس مستشرفة، وهكذا توالت السنوات، وتعارف الناس عليها؛ حتى صارت عقيدة يموت عليها الكبير، وينشأ عليها الصغير، ثم انتهت دولة بني عبيد ولكن الاحتفال بها استمر، وصار لها سلطان على العلماء لجريان عمل الناس عليها. إنَّ الحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يعرفون بالحق، إنّ الحق مرتبط بالدليل، ولا تعلق له بذوات الخلق قلة أو كثرة، وهذا هو المذهب الحق الذي مشى عليه السلف الصالح، فلم يكن الحق عندهم يجري على لسان أحد غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقرّون إلا ما دلّ عليه الدليل. يقول مالك بن أنس وهو يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر"([7])،وأخبر أبو حنيفة أن الحق لا يتعلق به فقال: "حرامٌ على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي؛ فإننا بشرٌ، نقول القول اليوم، ونرجع عنه غدًا"([8]). وقال الشافعي: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"([9])، وقال: "أجمع المسلمون على أنَّ من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد"([10]). وقال أحمد: "لا تقلدني، ولا تقلد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي والثوري، وخذ من حيث أخذوا"([11]). وعليه؛ فما أعظم خيبة من يأتي إلى مجموعِ كلامٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية، الإمام الذي قمع الله به البدع والمحدثات، ويُلفِّق منه كلامًا يوهم به عامة الناس أن ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى يقول بمشروعية المولد ظنًا منه أنّ القائلين ببدعية المولد سيتركون قولهم؛ لقول شيخ الإسلام لكونه معظمًا عندهم. كالذي صنعه صاحب رسالة (حول الاحتفال) حينما عنون فيها لفصل بعنوان: رأي ابن تيمية في المولد، ثم ساق فيه كلامًا لابن تيمية بتر فيه أوَّله وآخره، لأنها قاضية على بطلان دعوته، ونصّ كلام ابن تيمية فيه كما نقله في رسالته "قد يثاب بعض الناس على فعل المولد، وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع. ثم قال: واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرًا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين. هذا وقد ابتلي به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين: أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا في خاصتك وخاصة من يطيعك، واعرف المعروف وأنكر المنكر. الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا رأيت من يعمل هذا، ولا يتركه إلا إلى شرٍّ منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه, ولكن إذا كان البدعة نوع من الخير فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه، ثم قال: فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمته لك؛ إنه يحسن من الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار، ونحو ذلك، فقال: دع، فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة، وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجديد الورق والخط، وليس مقصود أحمد هذا، وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة، وفيه أيضًا مفسدة كره لأجلها" ([12]). ولنا مع هذا النقل الذي نقله عن شيخ الإسلام وقفتان: الأولى: عدم الأمانة في النقل، وهذه تتمثل في نقطتين: 1 ـ إضافة جمل لم يقلها شيخ الإسلام مثل قوله في أول النقل: "قد يثاب بعض الناس على فعل المولد" فهذا الكلام غير موجود في النقل الذي نقله عن شيخ الإسلام. 2 ـ حذفه كلام شيخ الإسلام الذي هو نصٌ في بدعية المولد، فعند قوله في أول النقل: "والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع" بتر الناقل الكلام الذي بعده وهذا نصه: "من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشدَّ محبَّة لرسول الله وتعظيمًا له منّا، وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان"([13]). فهذا الذي حذفه صاحب رسالة (حول الاحتفال) هو رأي شيخ الإسلام في المولد، وأنها بدعة محدثة. الثانية: قول شيخ الإسلام: "فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمته". إنَّ البدعة لو كانت شرًا محضًا لما قبلها الناس، ولما انتشرت إلا عند المبطلين الزنادقة، ولكنها تروج ويقبلها النّاس لما فيها من الحق الذي اختلط بالباطل، فشيخ الإسلام يقول: (أن من يفعل قد يثاب) و(قد) هنا على بابها للتقليل فهو قد يثاب على ما في بدعة المولد من الأمور المشروعة كإطعام الطعام، وعلى ما في قلبه من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وقصد حسن، ولكنه أيضًا آثم بإحداثه هذا الأمر، وهذه المسألة مسألة أنه قد يكون مثابًا آثمًا في آن واحد لانفكاك الجهة لها نظائر، كالمصلي في الأرض المغصوبة. والبدع والمحدثات ليست طريقًا لإظهار الحب والتعظيم، بل الحب والتعظيم كل التعظيم إنما يكون في الاتباع وهو الذي تحقق كماله لدى الصحابة الذين لم يزيدوا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم قدر أنملة، فكانوا أكمل الناس محبة وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم. إن المولد لا يخلو أبدًا من المنكرات، قال السيد محمد رشيد رضا: "فالموالد أسواق الفسوق، فيها ضيام للعواهر، وخانات للخمور، ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات الكاسيات العاريات، ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس، وبعض هذه الموالد يكون في المقابر، ويرى كبار مشايخ الأزهر يتخطون هذا كله لحضور موائد الأغنياء في السرادقات والقباب العظيمة، التي يضربونها وينصبون فيها الموائد المرفوعة، ويوقدون الشموع الكثيرة احتفالاً باسم صاحب المولد، ويهنئ بعضهم بعضًا بهذا العمل الشريف في عرفهم"([14])، وإن خلا من اختلاط الرجال بالنساء، وارتكاب المحرمات، وكثرة الإسراف فإنه لا يخلو من أعظم المنكرات، وهو الشرك بالله، واتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالإخلال بالتبليغ، والشريعة بالقصور والنقص، فإذا قمنا باستعراض سريع للكتب المشهورة العمد نجد أنها لا تخلو أبدًا من الخرافات والاعتقادات الفاسدة والأحاديث الموضوعة الباطلة. خذ مثلاً مولد ابن الديبع الذي قام على طبعه صاحب (حول الاحتفال) جاء فيه كما ينقل الشيخ محمد رشيد رضا: "فسبحانه تعالى من ملك، أوجد نور نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من نوره، قبل أن يخلق آدم من الطين اللازب، وعرض فخره على الأشياء وقال: هذا سيد الأنبياء، وأجل الأصفياء، وأكرم الحبائب". علق الشيخ محمد رشيد قائلاً: "فهذا كذب صريح لم يروه المحدثون"([15])، قال السخاوي منبهًا على ما في تلك الموالد: "أكثر ما بأيدي الوعاظ منه ـ أي مما يقرأ في المولد ـ كذب واختلاق، بل لا يزالون يولدون ما هو أقبح وأسمج مما لا تحل روايته ولا سماعه، بل يجب على من علم بطلانه إنكاره، والأمر بترك قراءته"([16]) ، وقال الشيخ محمد رشيد رضا: "لم نطَّلع على قصة من قصص المولد النبوي الشريف إلا ورأينا فيها كثيرًا من الأخبار الموضوعة"([17]). وفيما يقرأ أيضًا تلك الليلة الشرك الصراح، كقصيدة البوصيري المشتملة على الشرك الأكبر، كقوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذًا بيدي فضـلاً وإلا فقـل يا زلَّة القدم فإنّ من جودك الدنيا وضرَّتها ومن علومك علم اللوح والقلم ويقرأ أيضًا قول البكري: ولذ به في كل ما تــرتجي فإنه المـأمن والمعـقـل ونـاده إن أزمـة أنشبـت أظفارها واستحكم المعضل يا أكرم الخلـق على ربـه وخير من فيهم بـه يسأل قد مسني الكرب وكم مرة فرَّجت كربًا بعضه يعضل عجل بإذهاب الذي أشتكي فإن توقفت فمن ذا أسأل وفي المولد الذي ألَّفه ابن حجر الهيتمي من الشرك قوله: "ولا غاية لاستيعابه - أي خصائصه صلى الله عليه وسلم - وسيرة سيدنا ومولانا وذخرنا وملاذنا وملجئنا وممدنا ومنقذنا ومكملنا وناصحنا"([18])، فإذا كان صلى الله عليه وسلم هو الملاذ والملجأ فأين الله؟! أما المنكرات الأخلاقية والاجتماعية فحدث ولا حرج، ودعوى أنه يمكن إقامة مولد خال منها ليس لها حقيقة. وهو الحق الذي شهد به أصحاب الموالد أنفسهم حيث قال ابن حجر الهيثمي في الموالد التي تفعل في زمانه: "أكثرها مشتمل على خير؛ كصدقة وذكر، وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه، وعلى شر، بل شرور لو لم يكن منها إلاَّ رؤية النساء للرجال الأجانب، وبعضها ليس فيه شر، لكنه قليل ونادر"([19]). ومن طريف ما يذكر من منكرات هذا المولد أن السيوطي ذكر في كتابه الحاوي: أن الملك المظفر مبتدع بدعة المولد([20]) قد أعد سماطًا في أحد الموالد التي يقيمها، وضع عليه خمسة آلاف رأس غنم مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة فرس، ومائة ألف زبديَّة، وثلاثين ألف صحن حلوى، وأنه أقام سماعًا للصوفية من الظهر إلى الفجر، وكان يرقص فيه بنفسه مع الراقصين([21]). قال الشيخ أبو بكر الجزائري: "فكيف تحيا أمة ملوكها دراويش يرقصون في حفلات الباطل؟!وإنا لله وإنا إليه راجعون"([22]). القيام الذي يكون في المولد يسمّى بـ (الفزة) ومرادهم منه القيام بسرعة، وذلك عند ورود ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى الدنيا، ويسمّى عندهم أيضاً بـ (الحضرة)؛ لأنّ كثيرًا منهم يزعم أنّ روح النبي صلى الله عليه وسلم تحضر عندها، ويقولون: (حضر، حضر)، ويتركون النافذة مفتوحة لتدخل روح النبي صلى الله عليه وسلم منها، فجمعوا بين البدعة وبين إساءة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يجعلونه مخالفاً لما أمر الله به في كتابه قال تعالى: {لَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰبِهَا} [البقرة:189]. وهذا القيام قد استحبَّه صاحب رسالة (حول الاحتفال)([23]) مع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته نهى عنه وكرهه من الصحابة، فكيف يقع استحبابه عليه في بدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم. قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضًا))([24]). وقال أنس رضي الله عنه: (ما كان شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم،وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك)([25]). فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كره القيام له، ونهى عنه وأخبر أنه من فعل الأعاجم، فكيف بالقيام عند ذكر ولادته وخروجه إلى الدنيا؟! فهذا أولى بالنهي لجمعه بين البدعة والتشبه بالأعاجم. والقوم لا يقفون عند هذا الحد، بل يزعمون أن هذا القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم لأجل أن روح النبي تحضر في ذلك الوقت، وأنه يصافح المجتمعين في المجلس، وهو اعتقاد ليس عليه كتاب ولا سنة ، ولا أثر عن خير القرون. الأشعار الشركية التي تتلى في المولد: إن الأشعار التي فيها الشرك الصراح؛ لا يرى القوم في روايتِها شيئًا من ذلك؛ لأنّهم يرون أنّ الكاف في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم)) للتمثيل، أي: لا تقولوا فيَّ قول النصارى في عيسى، وقولوا ما سوى ذلك؛ لذلك يقول البوصيري:
والصحيح أن الكافَ في الحديث للتعليل وليست للتشبيه كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} [البقرة:151]، وقوله تعالى: {وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة:191]، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينهى أمته عن إطرائه الموصل إلى الغلو؛ لأجل ما حصل للنصارى، فقالوا: عيسى ابن الله. ويبين ذلك ويوضحه ما حكاه عبد الله بن الشخير، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: ((السيد هو الله تبارك وتعالى)). قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: ((قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان))([26]). فهم يتقربون إلى الله بالشرك، ويمدحون الرسول صلى الله عليه وسلم بما حارب عليه المشركين، فما أشدّ ضلالهم وأبعدهم عن الهُدى. 1. لا يشترط في البدعة ألا يوجد لها بعض الفوائد، بل قد توجد لبعض البدع بعض الفوائد؛ إذ ليست البدع من قبيل الباطل الخالص الذي لا حق فيه، ولا من الشر المحض الذي لا خير فيه. قال ابن تيمية: "لأنّ جميع المبتدعات لا بد أن تشتمل على شرّ راجح على ما فيها من الخير؛ إذ لو كان خيرها راجحًا لما أهملته الشريعة، فنحن نستدل بكونها بدعة على أنّ إثمها أكثر من نفعها، وذلك هو الموجب للنهي، وأقول إنّ إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص لمعارض؛ لاجتهاد أو غيره"([27]). 2. لا يشترط في البدعة أن تفعل على وجه المداومة والتكرار، بل إنّ الشيء قد يفعل مرّة واحدة دون تكرار ويكون بدعة، وذلك كالتقرب إلى الله بفعل المعاصي أو بالعادات. 3. لا يشترط في البدعة أن تفعل مع قصد القربة والتعبد، بل إنّ الشيء ربما كان بدعة دون هذا القصد، فلا يشترط ـ مثلاً ـ قصد التعبد في البدع الحاصلة من جهة الخروج على نظام الدين؛ كالتشبه بالكافرين، ولا في الذرائع المفضية إلى البدعة، إلا أنّ غالب البدع ـ خاصة في باب العبادات ـ تجري من جهة قصد القربة. 4. لا يشترط في البدعة أن يوصف فاعلها بسوء القصد وفساد النية، بل قد يكون المبتدع مريدًا للخير، ومع ذلك فعمله يوصف بأنه بدعة ضلالة، كما ورد ذلك في أثر ابن مسعود رضي الله عنه، قال: (وكم من مريد للخير لن يصيبه)([28]). 5. لا يشترط في البدعة أن تخلو من دلالة الأدلة العامّة عليها، بل قد تدل الأدلة العامة المطلقة عليها من جهة العموم، ولا يكون ذلك دليلاً على مشروعيتها من جهة الخصوص؛ إذ إنّ ما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد، كقوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب: 41]، فإنه لا يقتضي بعمومه مشروعية الأذان للعيدين على وجه الخصوص. · الآثار الناتجة عن بدعة المولد: 1. التعبد لله تعالى بما لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما حكم بأنّه ضلالة. 2. القدح في كمال الشريعة الإسلامية، وردّ قول الله تعالى: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]. 3. الطعن في أمانة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يؤدِ الأمانة، ولم ينصح الأمة. 4. تصيير هذا اليوم عيدًا يحرم فيه الصوم ويُمنع، كما أفتى بذلك ابن عبَّاد وابن عاشر، كما بيَّنه الحطَّاب في مواهب الجليل (2/406). وقال أحمد بن بابا: (قال ابن عباد في رسائله: كنت قدمًا خرجت يوم مولده صلى الله عليه وسلم إلى ساحل البحر، فوجدت هناك السيد الحاج ابن عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلونه، فأراد منّي الآكل، فقلت: إني صائم، فنظر إلى السيد الحاج نظرة منكرة، وقال: هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم، كالعيد، فتأملت مقاله فوجدته حقًا، وكأنه أيقظني من النوم) ([29]) . 5. الطعن في محبة الصحابة رضي الله عنهم له صلى الله عليه وسلم، حيث لم يقيموا له مولداً. 6. التشبه بالنصارى في احتفالهم بعيد ميلاد عيسى عليه السلام، جاء في التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي([30]) في معرض تقريره أن الاحتفال يوافق اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر، فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر". فتعقبه الملا علي قاري في المورد الروي في المولد النبوي بقوله: "مما يرد عليه أنّا أُمِرنا بمخالفة أهل الكتاب"([31]). 7. اعتقاد ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر، وهو ما قرره القسطلاني([32])، فردَّ عليه الملا علي قاري بقوله: "أغرب القسطلاني، وقال: ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة ذكرها، حيث لا يفيد الإطلاق مع أن الأفضلية ليست إلا لكون العبادة فيها أفضل بشهادة النص القرآني، {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3]، ولا تعرف هذه الأفضلية لليلة مولده صلى الله عليه وسلم، لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا عن أحد من علماء الأمة"([33]). 8. الإسراف في المولد النبوي إسرافًا شديدًا جدًا، حتى قال محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية: "وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميُّون ومظفر الدين في المولد النبوي جزمت بأنه لا يمكن أن يحكم عليه بالحل"([34]). 9. ما اشتملت عليه هذه البدعة من المنكرات الأخلاقية، مثل: أ- استعمال الأغاني وآلات الطرب، قال ابن الحاج: "مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله، وعظمها ببدع ومحرمات"([35]). يا عصبة ما ضرَّ أمَّة أحمد وسعى على إفسادها إلاَّ هي طار ومزمارٌ ونغمة شادنٍ أرأيت قـط عبـادةً بملاهي؟! ب- قلة احترام كتاب الله؛ فإنهم يجمعون بينه وبين الأغاني. ج- الافتتان بالمردان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شابًا جميل الصورة نظيف الكسوة حسن الهيئة. د- اختلاط الرجال بالنساء. 10. تصيير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، بسبب وقوعه في هذه الليلة. 11. رواية الأحاديث الموضوعة المنكرة، مما يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))([36])، وقوله: ((من حدَّث عني بحديث يُرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين)) ([37]). 12. اعتقادهم أن في هذا اليوم ساعة لا يوافقها عبدٌ بالدعاء إلا أجيبت دعوته، قياسًا على يوم الجمعة. 13. تلاوة الأشعار في مدح النبي صلى الله عليه وسلم على ما فيها من معانٍ شركية صارخة. 1. المورد في عمل المولد للإمام أبي حفص تاج الدين الفاكهانِي. 2. حكم الاحتفال بالمولد النبوي، والردّ على من أجازه للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. 3. حكم الاحتفال بالمولد النبوي للشيخ عبد العزيز بن باز. 4. الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن العلوي، وبيان أخطائهم في المولد النبوي للشيخ حمود بن عبد الله التويجري. 5. الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف للشيخ أبي بكر الجزائري. 6. القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل للشيخ إسماعيل الأنصاري. 7. الاحتفال بالمولد بين الاتباع والابتداع لمحمد بن شقير البخاري([38]). 8. البدع الحوليَّة لعبد الله بن عبد العزيز التويجري. 9. اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام. 10. الاعتصام للشاطبي. 11. الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ. 12. أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنّة والبدعة من الأحكام لمحمد بخيت المطيعي الحنفي. 13. قواعد معرفة البدعة لمحمد بن حسين الجيزانِي. 14. حوار مع المالكي للشيخ عبد الله بن منيع.
([1]) الخطط (1/490). ([2]) (3/498). ([3]) انظر: أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام لمحمد بخيت (ص44، 45). ([4]) انظر أحسن الكلام (ص 52)، والإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ (ص 126). ([5]) نقلاً عن ابن كثير في البداية والنهاية (11/387). ([6]) أحسن الكلام (ص 52). ([7]) انظر: منهاج السنة النبويّة (3/503). ([8]) تاريخ ابن معين، وانظر: صفة صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم للألباني (ص 46). ([9]) انظر: المجموع (1/136). ([10]) انظر: إعلام الموقعين (1/7). ([11]) انظر: إعلام الموقعين (2/182). ([12]) حول الاحتفال بالمولد المولد النبوي الشريف (ص 19ـ 21)، وأحال على الاقتضاء. ([13]) الاقتضاء (1/294). ([14]) تفسير المنار (2/74-75). ([15]) انظر: فتاوى السيد محمد رشيد رضا (2/464). ([16]) نقلاً عن الملا علي قاري في المورد الروي (ص 32). ([17]) فتاوى السيد محمد رشيد رضا (4/1243). ([18]) مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لابن حجر الهيتمي، (ص 33). ([19]) الفتاوى الحديثية (ص 109). ([20]) أخذها عن حكام بني عبيد. ([21]) انظر: مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (681 ـ 682). ([22]) الإنصاف (ص 362) مطبوعة ضمن مجموعة رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي. ([23]) حول الاحتفال (ص 24-31). ([24]) أخرجه أحمد (21677)، وأبو داود (5230). ([25]) أخرجه أحمد (11936). ([26]) رواه أبو داود (4806)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (4021). ([27]) الاقتضاء (1/290). ([28]) أخرجه الدارمي (1/68 ـ 69). ([29]) الديباج المذهب في أعيان المذهب (ص 71). ([30]) (ص 14). ([31]) (ص 29 ـ 30). ([32]) المواهب اللدنية (1/135، 136). ([33]) المورد الروي (ص 97). ([34]) سبقت الإشارة إليه. ([35]) انظر: القول الفصل (ص 654). ([36]) أخرجه البخاري (107)، ومسلم (2). ([37]) أخرجه مسلم في المقدمة (ص 9). ([38]) هذه الرسائل السبعة طبعت مجموعة في مجلدين بدار العاصمة. |
|||
|
|||
. |