|
||
. |
||
مفاسد المنافسات الرياضية: رابعاً: الترجيح: الصفحة السابقة |
||
|
||
رابعا: خاتمة البحث: بعد استعراض بعض مفاسد هذه المنافسات بالصورة التي هي عليها الآن، وما لم يُذكر منها كثير، وكلُّ مفسدة منها أمٌّ لسلسلة من المفاسد المتنوعة المختلفة، لا يسع طالب الحق بعد هذا إلا الإقرار بحرمتها ودعوة الناس للعزوف عنها والترفُّع عن الاشتغال بها. قال ابن القيم رحمه الله: "إذا تأملت أحوال هذه المغالبات رأيتها في ذلك كالخمر قليلُها يدعو إلى كثيرها، وكثيرُها يصدُّ عن ما يحبه الله ورسوله، ويوقع فيما يبغضه الله ورسوله، فلو لم يكن في تحريمها نصٌّ لكانت أصولُ الشريعة وقواعدها وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح وعدم الفرق بين المتماثلين توجب تحريم ذلك والنهي عنه"([2])، هذا في زمانه فكيف لو رأى رحمه الله منافسات هذا الزمان؟!! وينبغي أن لن نكون أقل غيرة على ديننا من غيرة ملوك الإنجليز على مصالحهم عندما حرموا ذلك على شعبهم، لِما كانت تتسم به من خشونة ووحشية، مع ما تثيره من ضجيج وعراك ينتهي أحياناً إلى مراكز الشرطة. وهكذا حرمها كل من الملوك: إدوارد الثاني عام 1314م، وإدوارد الثالث عام 1365م، وريتشارد الثاني، وهنري الرابع، والملكة إليزابيت الأولى. وجاء في المرسوم الذي أصدره الملك إدوارد الثاني عام 1314م: "لما كان ضجيج وأصوات كثيرة تملأ البلاد بسبب التشاجر والتدافع خلف كرات كبيرة، ولما كانت شرور كثيرة تحدث بسبب هذا، ولما كان الله يحرم كل هذه الشرور... لذلك فإني آمر وأمنع بأمر الملك الاشتراكَ في مثل هذه الألعاب مستقبلاً، ومن يخالف ذلك تكون عقوبته السجن"([3]). ورحم الله العلامة العربي بن عبد الله بن أبي يحيى المساري حيث يقول في منظومته المسماة سراج طلاب العلوم: ولعبُ الكرة ليس مذهبي إذ فيه للقتال أقوى سببِ يدنِّس المروءة الحصـينة ويطرد الوقـار والسكينة فما رأيتُ فيه شيئاً يحمدُ فترك فعله لــديّ أحمـدُ لا غرو أن الحكم بالحرمة على لعبة كرة القدم في واقعها اليوم هو الأوفق لمقتضيات الشرع الحازمة ومقاصده السمحة العادلة، إلا أن الواقع لا يمنع من مزاولة هذه اللعبة بمنأى عن هذه الانحرافات والمخالفات، شريطة اعتمادها وسيلة من وسائل التدريب البدني الذي لا يجادل أحد في انعكاساته الإيجابية على جسم اللاعب، وإن كانت بدرجة أقل من الرياضات العسكرية التي دعت إليها السنة النبوية، وندبت المسلمين لمزاولتها. وبجانب هذا المقصد البدني في وسعنا أن نستثمر هذه الرياضة لتحقيق مقاصد أخرى لا تقل أهمية عن سابقها: أولاً: صرفُ الشباب عن ملاهٍ أخرى أكثر ضرراً وفتكاً بأخلاقهم وأوقاتهم. ثانياً: تمتين العلاقات بين الشباب المسلم وحصول التعارف بينهم، ومن ثم الانطلاق لربط هذا الشباب ببرامج تربوية ودعوية هادفة. ثالثاً: إشباع غريزة المنافسة والمغالبة، والتي غالباً ما تدفع الشباب لإشباعها بوسائل تافهة، وفي كثير من الأحيان محرمة وخطيرة، كما هو الشأن في منافسات القمار والحظ. فهذه اقتراحات تراعى فيها ظروف وطبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة المسلمة، ومتى استعادت الأمة وعيها ورشدها، وفكرت في العودة إلى منهج ربها، وأدركت ضرورة التسلح بالإسلام نظاماً شاملاً لمناحي الحياة ومجالاتها، آنذاك يتعين في حق المربين ورعاة الأمر في الأمة توجيه وتأطير قطاع الشباب بمناهج تربوية ورياضية سامية في مستوى تطلعات أمة أنيط بكاهلها مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا العالم استجابة لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} [آل عمران:110]. 3ـ استطراد: حكم منضدة لاعبي كرة القدم. سئلت الجنة الدائمة لإفتاء عن حكم هذه اللعبة التي ظهرت في الأسواق ويلعبها الأطفال والشبان، وهي مركبة من منضدة فيها تماثيل لاعبي كرة القدم، ويوضع فيها كرة صغيرة تحرك بالأيدي، فمن غلب يدفع أجرة اللعبة إلى صاحبها، والغالب لا يدفع شيئاً. فهل يجوز هذا وأمثاله في الشريعة؟ فأجابت: "إذا كان حال هذه اللعبة ما ذكرت من وجود تماثيل بالمنضدة التي يُلعب عليها، ودفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة لصاحبها، فهي محرمة لأمور: أولاً: أن الاشتغال بهذه اللعبة من اللهو الذي يقطع اللاعب بها فراغَه ويضيع عليه الكثير من مصالح دينه ودنياه، وقد يصير اللعب بها عادة له وذريعة إلى ما هو أشد من ذلك من أنواع المقامرة، وكل ما كان كذلك فهو باطل محرم شرعاً. ثانياً: صنع التماثيل والصور واقتناؤها من كبائر الذنوب للأحاديث الصحيحة التي توعد الله تعالى وتوعد رسوله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بالنار والعذاب الأليم. ثالثاً: دفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة محرم لأنه إسراف وإضاعة للمال بإنفاقه في لعب ولهو، وإيجار اللعبة عقد باطل، وكسب صاحبها منها سحت وأكل للمال بالباطل، فكان ذلك من الكبائر والقمار المحرم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اهـ. 4ـ رسالة إلى المتعصبين والمهوسين بالكرة: وفيما يلي رسالة نصحٍ وجهها بعضهم إلى إلى هؤلاء المتعصبين والمهوسين، وهذا نصها: "كرة القدم عند بعض الناس، وما أدراك ما كرة القدم؟ إنها الهوَس المتسلط على عقول الأجيال في العصر الحديث. من أجلها تقام المعارك، وتنشب الحروب، وتموت الضحايا. ولجلالها تُطلَّق الزوجات، وتُقطع أواصر القرابات، ويطعن الأخ بالسكين أخاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويوم أن تقام مباراة بين فريقين لامعين، فكأن الحرب الضروس قد أُعلنت، ورفعت لها الرايات، وانبرت لها الإذاعات، وهُيّئت لها الشاشات، وأعدّ المشجعون لها الأحجار والسكاكين، والطبول والمزامير، والأناشيد الجماعية والهتافات القويّة. وما أن تنجلي المعركة الحامية عن هزيمة أحد الفريقين حتى ينتقل ميدان المعركة من ساحة الملعب، ليكون ميدانها في البيوت والمدارس، والدواوين ومكاتب الموظفين والمقاهي، وفي المجتمع الصغير والمجتمع الكبير، وتسفر المعركة أخيراً عن سقوط ضحايا من الجانبين. وما أن تهدأ حِدَّتها وتنجلي غمرتها حتى تبدأ معركة أخرى؛ مباراة ثانية. وهلمّ جرّا. وإذا رفعتَ صوت المنطق لتناقش أحدَ هؤلاء المصابين بالهوس الكروي، قال لك بملء شدقيه: "إنني رياضي"!!. هذه قصتنا مع كرة القدم، وهذا وجه اللعبة المزيَّف كما يراه شبابنا. وأما الوجه الحقيقي لهذه اللعبة، فإننا إذا فهمنا مقاصد الإسلام ومنهجه في بناء المجتمعات نجد كرة القدم من الألعاب التي يزكيها الإسلام وتزكيها تعاليمه، فهي مدرسة تعلّم دروساً في التجميع لا في التشتيت، وفي الوحدة لا في التفرّق، وفي الودِّ لا في التباغض والعداوة. اللعبة التي تؤكِّد أن الأهداف لا يمكن أن تحقق إلا بالروح الجماعية، وأن الفرد بنفسه كثيرٌ بإخوانه. وإني أسأل هذا الذي يرفعُ راية التعصب الأعمى، ولا يفهم من الرياضة إلا اسمها، أسأله هذا السؤال: هل يستطيع اللاعب الأناني أن يحقق هدفاً وحده مهما كانت كفاءته؟ كلا؛ لأن الكرة ستتعثر على قدمه، وسيستولي عليها الفريق الآخر. والفريق الذي يحقق الأهداف النظيفة هو الفريق الذي يلتزم بروح الجماعة. هل وعينا الدرس من مدرسة الكرة التي نتعصب لها؟! هل يعلم الحكام والمشجِّعون المسلمون أن روح التفرقة والأثرة والاستبداد بالرأي تقود في النهاية إلى الهزيمة المنكرة على مسرح البطولة في كل الميادين؟! للأسف، نحنُ لم نع الدرس، قلبنا الغاية إلى وسيلة، والوسيلة إلى غايةٍ، وآمنا بالشكل وكفرنا بالمضمون، واعتنينا بالمظهر وألقينا الجوهر وراء ظهورنا. ما معنى أن أعبد نادياً وأتعصب له؟ معنى ذلك أنني ضحل التفكير، ضيق الأفق، أناني الطبع، مستبدٌّ برأيي، لا أفهم شيئاً عن الروح الرياضية، ولا أجد من أنواع الرياضة إلا التصفيق الأرعن والهتاف المحموم. إننا لا نحجر عليك في أن تشجع الرياضة، ولكن هناك فرقٌ كبيرٌ بين التشجيع والتعصب، ولغة الحجارة والطوب ولغة الروح الرياضية التي تعلِّمنا أن نبتسم عند الهزيمة، ونتواضع عند النصر، وتعلمنا أن الأيام دولٌ. فيومٌ علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسرّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لنا المثل الأعلى في الروح الرياضية، فليتنا نعي الدروس والعبر. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت العضباء ناقةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم لا تُسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها، وكأن ذلك شقَّ على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المربي العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهزُ الفرصة ليعلمهم الروح الرياضية، ويعطيهم درساً في أن الجلوس على القمة في الدنيا لا يدوم لأحد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن حقاً على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه))([5]). هل عقلتم يا رياضيون؟ أسأل الله لي وللمتعصبين العفو والعافية والشفاء من كل داء"([6]).
([1]) انظر: قضايا اللهو والترفيه لمادون رشيد (ص334) وما بعدها، بتصرف. ([2]) الفروسية (ص309). ([3]) مجلة (الفصيل) العدد التاسع، السنة الأولى، ربيع الأول 1398هـ فبراير / مارس 1978م. ([4]) انظر: قضايا اللهو والترفيه (ص335). ([5]) أخرجه البخاري في الجهاد (2872). ([6]) مشكلات الشباب الجنسية والعاطفية تحت أضواء الشريعة الإسلامية لعبد الرحمن واصل (ص248 ـ250). |
||
|
||
. |