|
||
. |
||
مفاسد المنافسات الرياضية : ثانياً: رياضة كرة القدم: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
ثانيا: رياضة كرة القدم: أركان هذه اللعبة التي لا تتم إلا بها أربعة: المتنافسان وهما الفريقان المكونُ كلُّ واحدٍ منهما من أحد عشر لاعبا، والمكان وهو الميدان المستطيل، والأداة وهي الكرة، والحكام الثلاثة واحد في الوسط واثنان على جانبي الملعب. يتنافس الفريقان من أجل تسجيل أكبر قدر ممكن من الأهداف في مرمى الخصم، والفائز ـ في عرفهم ـ من يصيب أهدافاً أكثر. وتجري المباراة في شوطين يدوم كل واحد منهما خمسا وأربعين دقيقة، ويفصل بينهما استراحةٌ لمدة خمس عشرة دقيقة، هذا بالنسبة للكبار، أما درجة الشباب فأربعون دقيقة والأشبال خمس وثلاثون دقيقة. يرجع تاريخ ألعاب الكرة من حيث هي مبارياتٌ أو منافسات يشترك فيها فريقان أو طرفان يحاول كل منهما ركل الكرة أو دفعها أو حتى تحويلها في الاتجاه المضاد، إلى احتفالاتٍ كانت تجري في مصر وبعض الدول القديمة الأخرى. ففي الصين ـ مثلاً ـ يحكي أحد الكتاب الصينيين عن مباراة لكرة القدم أقيمت عام 3000 قبل الميلاد، وذكروا أنهم في عام 5000 قبل الميلاد كانوا يلعبونها بكرات محشوة بالشعر. وعرفها الإغريق باسم (هاربستم)، ثم مارسها الرومان عبر الإمبراطورية الشاسعة التي امتدت على جميع أنحاء العالم المعروف آنذاك، وعن طريق روما انتقلت اللعبة إلى بلاد الإنجليز فسحرت الشعب الإنجليزي. وفي أواخر القرن الثاني عشر الميلادي كانت مباريات كرة القدم تُجرى يوم (الثلاثاء المقدس)، وبعد عدة أعوام أصبح يوم الثلاثاء مهرجاناً لكرة القدم في إنجلترا تعطل فيه الدوائر الحكومية في إجازة يجتمع فيها المواطنون لمشاهدة البداية الرسمية للمباراة، حيث يقوم عمدة لندن بركل الكرة إيذاناً ببداية المقابلة. ومن المدن التي اشتهرت بكرة الثلاثاء هذه، مدينة (شيستر) ويقال: إن احتفال الكرة كان يتم في هذا اليوم بالذات احتفالاً بمثيله عام 217م عندما تصدى الإنجليز بمدينة (شيستر) لطرد فيالق الرومان خارج مدينتهم. وبالمناسبة فإن هناك قصة أخرى يقصد بها رواتها إرجاع أصل الكرة إلى الجزر البريطانية، تقول القصة: إن الدانماركيين احتلوا إنجلترا من عام 1016م إلى 1042م، وإن الإنجليز كافحوا لإجلائهم عن أراضيهم، وفي المعركة الحاسمة قطع الإنجليز رأس القائد الدانماركي وداسوه بأقدامهم كما لو كانت كرة، وصارت هذه الفعلة تقليداً قومياً يدل على الثأر والانتقام، ثم تحول الأمر مع الأيام إلى لعبة كرة القدم، ولهذا يميل بعض المؤرخين إلى اعتبار المدة من 1050م إلى 1075م هي فجر ظهور اللعبة([1]). وفي منتصف القرن التاسع عشر تفرعت اللعبة، قسم يريد استخدام اليد وقسم آخر لا يريد، فأدى ذلك إلى ظهور لعبتين إحداهما كرة القدم السائدة اليوم، والثانية لعبة (الروجبي)، فاعتمدت المدن الإنجليزية أمثال: كمبردج وشفيلد ولندن وغيرها وضع قوانين لعبة كرة القدم([2]). واليوم هناك أكثر من 130 دولة أعضاء في الاتحاد العالمي لفرق كرة القدم الذي تأسس في 21 أيّار عام 1904م بمدينة باريس تحت اسم (فيفا)([3])، وبرعايته وإشرافه أنشئت في 13 تموز عام 1930م مبارياتُ كأس العالم لكرة القدم، وذلك في (مونتفيديو) بالأوروغواي، وتجري هذه المنافسة مرة في كل أربع سنوات، وهناك بطولات أخرى تقام مثل بطولة (الكأس الأوروبية) التي تضاهي بطولة (كأس العالم)، وأنشئت هذه البطولة عام 1958م. الأصل في الأشياء الإباحة، بل لا يبعد أن تكون من المستحبات إذا مارسها المسلم ليقوِّي بها بدنه، ويتخذها وسيلة لتكسبه النشاط والقوة، وقد رغب الشرع في تعاطي الأسباب المقوية للبدن لأجل الجهاد في سبيل الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير))([4])، قال ابن تيمية رحمه الله: "ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال بحيث يستعان بها على الكر والفر، والدخول والخروج ونحوه في الجهاد، وغرضه الاستعانة على الجهاد الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو حسن، وإن كان في ذلك مضرة بالخيل والرجال فإنه ينهى عنه"([5]). 4ـ حكم بذل العوض في هذه الرياضة: بذل العوض في المسابقة على الخيل والإبل والإصابة بالسهام جائز في الجملة باتفاق([6])، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا سبَق إلا في خف أو حافر أو نصل))([7]). وأما البذل في المسابقة على غير ذلك فمنه ما اتفق العلماء على عدم جوازه، كإخراج السبَق في نفار الديوك ونطاح الكباش وكإخراجه في الصناعات المباحة قال ابن القيم: "لا يُعلم قائل بجوازه"([8])، ومنه ما اختُلف فيه كالرهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام وأدلته وبراهينه وعلى حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة وعلى الإصابة في المسائل وعلى العدْوِ والسباحة والمصارعة والمشابكة بالأيدي والغلبة بالرمح والسيف وشيل الأثقال والمسابقة بالسهام على بعد المسافة والمسابقة على البغال والحمير والبقر والفيلة وغير ذلك. وإنما جاز بل شُرع في الخف والحافر والنصل لأن جنس هذه الأمور الثلاثة يُعَدُّ للجهاد في سبيل الله تعالى بخلاف الأجناس الأخرى فإنها لم تعَدّ له. وقد قسَّم ابن القيم المغالبات ثلاثةَ أقسام، وبيّن حكم كل قسم: النوع الأول من المغالبات: ما فيه مصلحة راجحة، وهو متضمن لما يحبه الله ورسوله، معين عليه، مفضٍ إليه، كالمسابقة على الخيل والإبل والنضال. فهذا القسم محبوب مرضي لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشرعه الله تعالى لعباده، وشرع لهم الأسباب التي تعين عليه وترشد إليه. وهذه المغالبات تُطلب من جهة العمل، ومن جهة أكل المال بهذا العمل الذي يحبه الله ورسوله، ومن الجهتين معا. وبذل العوض فيها جائز تحريضا للنفوس عليها، فإن النفس يصير لها داعيان: داعي الغلبة وداعي الكسب. وأكل المال بها أكلٌ بحق، ليس أكلا بباطل، وليست من القمار والميسر في شيء. والمقصود أن كل مغالبة يستعان بها على الجهاد في سبيل الله تعالى تجوز بالعوض. النوع الثاني من المغالبات: ما ليس فيه مضرة راجحة ولا هو أيضا متضمن لمصلحة راجحة يأمر الله بها ورسوله، كالمصارعة والعدو والسباحة وشيل الأثقال. فهذا القسم ليس بمحبوب لله تعالى ولا مسخوط له، فلا يحرم ولا يؤمر به. وقد رخَّص فيه الشارع بلا عوض إذ ليس فيه مفسدة راجحة، وللنفوس فيه استراحة وإجمام، وقد يكون مع القصد الحسن عملا صالحا، لكن يحرم أكل المال به، ليس لأن العمل فيه مفسدة في نفسه، بل لأن تجويز أكل المال به ذريعة إلى اشتغال النفوس به، واتخاذه مكسبا، لاسيما وهو من اللعب واللهو الخفيف على النفوس. النوع الثالث من المغالبات: ما فيه مفسدة راجحة على منفعته، كالنرد والشطرنج. فهذا القسم مبغوض مسخوط لله ورسوله، موصل إلى ما يكرهه الله ورسوله. وهو حرام، وأكل المال به ميسر وقمار كيف كان وهذا باتفاق المسلمين، أما إن خلا من العوض فالجماهير على تحريمه، ولم يقل أحد من العلماء بأنه مباح مستوي الطرفين([9]). إذا تقرَّر هذا عُلِم أن بذل العوض في لعبة كرة القدم غير جائز، وأن أكل المال بها أكلٌ للمال بالباطل، لأنها من اللعِب الذي لا يستعانُ به على الحرب، ولا يُعِدّ للجهاد في سبيل الله تعالى، هذا إذا كانت هذه اللعبة نقية خالية من المفاسد، فكيف بها على ما هي عليه اليوم من الاشتمال على المنكرات القبيحة، والتأدية إلى مفاسد عظيمة من كسرٍ لحاجز الولاء والبراء، وتكثير لسواد الأعداء، وركون إلى الدنيا والخلود إليها؟! بل ما اهتم الأعداء بهذه المنافسات الرياضية ووضعوا لها الميزانيات الخيالية وصرفوا فيها الأوقات والجهود وتكبدوا من أجلها الخسائر والأضرار إلا لأنها تخدِّر الأمة الإسلامية وتصرفها عن الجهاد في سبيل الله تعالى، فإذا كان الفقهاء يقولون: لا يجوز بذل العوض فيما لا يُعِدُّ للجهاد، فما القول في بذل العوض فيما يَصُدُّ عن الجهاد؟!
([1]) انظر: مجلة "الفيصل" السعودية، العدد التاسع، السنة الأولى، ربيع الأول 1398هـ فبراير / مارس 1978م. ([2]) انظر: موسوعة الألعاب الرياضية لجميل ناصيف (ص 342-343). ([3]) موسوعة الألعاب الرياضية لجميل ناصيف (ص 342-343)، وانظر أيضاً: فن كرة القدم لروحي جميل (ص5-6). ([4]) أخرجه مسلم في القدر (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([5]) مختصر الفتاوى المصرية (ص251). ([6]) انظر: الفروسية (ص160). ([7]) أخرجه ابن حبان (4670)، وابن عدي في الكامل (5/1869-1870)، وعزاه ابن حجر في التلخيص (4/163) لابن أبي عاصم في الجهاد، وعزاه الهيثمي (5/263) للطبراني في الأوسط، وقال: "ورجاله رجال الصحيح"، وتعقبه الألباني في الإرواء (5/335) فقال: "كذا قال! وأظنه قد وهم...". والحديث فيه مقال، انظر: الفروسية لابن القيم (ص288). ([8]) انظر: الفروسية (ص111، 206). ([9]) انظر: الفروسية (ص169-172، 206، 301-302، 309). |
||
|
||
. |