|
||
. |
||
حكم الحج وفضله: ثانياً: مشروعيته: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
ثانياً: مشروعيته: دل الكتاب والسنة والإجماع على وجوب الحج مرة واحدة في العمر. دليل الكتاب: قال الله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [آل عمران:97]. قال ابن جرير رحمه الله: "يعني بذلك جل ثناؤه: وفرض واجب لله على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام الحجُ إليه"([1])، وقال في تفسير قوله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ}: "يعني: ومن جحد ما ألزمه الله من فرض حج بيته، فأنكره وكفر به، فإن الله غني عنه وعن حجه وعمله، وعن سائر خلقه من الجن والإنس"([2]). وقال ابن العربي: "قال علماؤنا: هذا من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب، إذا قال العربي: لفلان علي كذا فقد وكده وأوجبه، قال علماؤنا: فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب، تأكيداً لحقه، وتعظيماً لحرمته، وتقوية لفرضه"([3]). وقال القرطبي رحمه الله: "فذكر الله الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب تأكيداً لحقه وتعظيماً لحرمته، ولا خلاف في فريضته، وهو أحد قواعد الإسلام، وليس يجب إلا مرة في العمر"([4]). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وحرفُ (على) للإيجاب، لا سيما إذا ذكر المستحق فقيل: لفلان على فلان، وقد أتبعه بقوله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ} ليبين أن من لم يعتقد وجوبه فهو كافر، وأنه وضع البيت وأوجب حجه {لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ} [الحج:28]، لا لحاجة إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه؛ لأن الله غني عن العالمين"([5]). وقال ابن كثير رحمه الله: "هذه آية وجوب الحج"([6]). وقال الشوكاني رحمه الله: "فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيداً لحقه، وتعظيماً لحرمته، وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل"([7]). وقال في تفسير قوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ}: "قيل: إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيداً لوجوبه وتشديداً على تاركه، وقيل: المعنى: ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجباً، وقيل: إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر. وفي قوله: {فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ} من الأدلة على مقت تارك الحج مع الاستطاعة وخذلانه وبعده من الله سبحانه ما يتعاظمه سامعه ويرجف له قلبه، فإن الله سبحانه إنما شرع لعباده هذه الشرائع لنفعهم ومصلحتهم، وهو تعالى شأنه وتقدس سلطانه غني لا تعود إليه طاعات عباده بأسرها بنفع"([8]). وقال ابن سعدي رحمه الله: "أوجب الله حجه على المكلفين المستطيعين إليه سبيلاً... ومن كفر فلم يلتزم حج بيته، فهو خارج عن الدين {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ}"([9]). وأما دليل السنة: فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على ذلك منها: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))([10]). 2- وفي حديث جبريل المشهور وفيه: ما الإسلام؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)) الحديث([11]). 3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت. حتى قالها ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم))([12]). وأما دليل الإجماع: فقال ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا أن على المرء في عمره حجة واحدة"([13]). وممن نقله كذلك ابن عبد البر([14])، وابن قدامة([15])، وابن تيمية([16])، وابن كثير([17])، وغيرهم رحمهم الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكل من لم يَر حج البيت واجباً عليه مع الاستطاعة فهو كافر باتفاق المسلمين"([18]).
([1]) جامع البيان (7/37). ([2]) جامع البيان (7/47). ([3]) أحكام القرآن (1/285). ([4]) الجامع لأحكام القرآن (4/142). ([5]) شرح العمدة (1/76- المناسك). ([6]) تفسير القرآن العظيم (2/66). ([7]) فتح القدير (1/547). ([8]) فتح القدير (1/548). ([9]) تيسير الكريم الرحمن (1/259). ([10]) أخرجه البخاري في: الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم (8) واللفظ له، ومسلم في: الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام (16). ([11]) أخرجه مسلم في: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ([12]) أخرجه مسلم في: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر (1337). ([13]) الإجماع (ص16). ([14]) انظر: التمهيد (21/52). ([15]) انظر: المغني (5/6). ([16]) انظر: شرح العمدة (1/87 – المناسك). ([17]) انظر: تفسير القرآن العظيم (2/66). ([18]) التفسير الكبير لابن تيمية (3/227). |
||
|
||
. |