موسوعة البحـوث المنــبرية

.

   غض البصر: ثانياً: حكم غضِّ النظر:      الصفحة السابقة      الصفحة التالية       (عناصر البحث)

 

ثانياً: حكم غضِّ النظر:

غضّ البصر واجبٌ، ويحرم إطلاقه، ولكن الله تجاوز عن النظرة الأولى، وهي التي تسمّى نظرة الفجاءة، قال الله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30].

قال ابن جرير: "يكفّوا من نظرهم إلى ما يشتهون من النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه"[1].

قال ابن كثير: "هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عمّا حُرِّم عليهم، فلا ينظروا إلاّ إلى ما أباح لهم من النظر إليه، وأن يغضّوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصدٍ فليصرف بصره عنه سريعًا"[2].

وقال الله تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوٰتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرّجَالِ أَوِ ٱلطّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرٰتِ ٱلنّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

قال ابن كثير: "أيّ: عمّا حرَّم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهنّ، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أ نّه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً. واحتجّ كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي من حديث الزهري عن نبهان مولى أم سلمة أنّه حدثه: أنّ أم سلمة رضي الله عنها حدثته: أنّها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعدما أُمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتجبا منه))، فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوعميان أنتما؟! ألستما تبصرانه؟!))، ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهنّ إلى الأجانب بغير شهوة، كما ثبت في الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة، وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد، وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه، وهو يسترها منهم حتى ملّت ورجعت"[3].

وقال ابن تيمية: "قد أمر الله في كتابه بغضّ البصر، وهو نوعان: غضّ البصر عن العورة، وغضّه عن محلّ الشهوة. فالأول منهما كغضّ الرجل بصره عن عورة غيره، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة))، ويجب على الإنسان أن يستر عورته. وأمّا النوع الثاني: فهو غضّ البصر عن الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية، وهو أشدّ من الأول"[4].

وقال الله تعالى: {إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36].

قال ابن جرير: "فإنّ معناه: إنّ الله سائلٌ هذه الأعضاء عمّا قال صاحبها، من أنّه سمع أو أبصر أو علم، تشهد عليه جوارُحه عند ذلك بالحقّ"[5].


[1] جامع البيان (18/116).

[2] تفسير القرآن العظيم (6/43).

[3] تفسير القرآن العظيم (6/46-47).

[4] مجموع الفتاوى (15/414-436).

[5] جامع البيان (15/87).

 

.