أما بعد: قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، وقال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وقال: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد)).
الشام الأرض المباركة، والأرض المقدسة، أرض الأنبياء، وأرض المحشر والمنشر، خير منازل المسلمين يوم الملحمة، ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق. الشام صفوة الله من أرضه، وفيها صفوته من خلقه وعباده، فيها المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، إليها مسرى رسول الله ، ومنها عُرج به إلى السماء. قال الله تعالى: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ، قال المفسرون: "هي أرض الشام"، فهي الأرض المباركة، وقال تعالى حاكيا قول موسى عليه السلام: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ، فهي الأرض المقدسة.
وقال في الحديث الصحيح: ((يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، يا طوبى للشام))، قالوا: يا رسول الله، وبم ذلك؟! قال: (تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام))، وعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله : ((ستجدون أجنادا: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن))، قال عبد الله: فقمت فقلت: خِر لي يا رسول الله، فقال: ((عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غُدُره، فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله))، وقال : ((إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام))، وعن أبي أمامة أن رسول الله قال: ((صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، ولتدخلن الجنة من أمتي ثلةٌ لا حساب عليهم ولا عذاب))، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا))، قالوا: وفي نجدنا؟ قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا))، قالوا: وفي نجدنا؟ قال: ((هناك الزلازل والفتن، وفيها -أو قال: منها- يخرج قرن الشيطان))، وفي رواية صحيحة بدل نجدنا ((عراقنا))، وأهل العلم المتقدمون والمتأخرون يقولون: المراد بنجد العراق.
هذه بلاد الشام، هذه منزلتها ومنزلة أهلها عند الله وفي دين الله، وقد ابتليت هذه الأرض المباركة بطائفة باطنية ضالة كافرة، تسلطت على أهلها بالإفساد والتضليل، وبالقتل والتعذيب، وبالظلم والتفقير، وبالإقصاء والتمييز. طائفة تعاونت مع المستعمرين الفرنسيين، تماما كما تعاونت من قبل مع الصليبيين والتتار لحرب أهل الإسلام، فمنحهم الفرنسيون الحكم الذاتي في جبالهم، ودربوهم وجندوهم معهم، وغيروا اسمهم للعلويين، بدل النصيريين، تمويها ودعاية لهم، وتمهيدا لتمكينهم وتسويدهم. طائفة يدها مع الروافض المجوس، لتقارب الملتين، وتشابه الطائفتين، مكنت لهم لنشر الرفض في الشام، وهم عون لهم في العراق لا لحرب الأمريكان ولكن لحرب أهل السنة والأنبار، وعون لهم في لبنان، لا لحرب اليهود ولكن لحرب أهل السنة وطرابلس. يتشدقون بالعروبة، وهم مع الفرس الروافض ضد العروبة، ويصيحون ضد الصهاينة وهم من باع لهم الجولان بأبخس الأثمان.
طائفة النصيرية قلة بجبال النصيريين حول اللاذقية، وبعد أن تمكنوا انتشروا في المدن السورية، وقلة غربي الأناضول، وقلة في فارس ولبنان، طائفة باطنية ظهرت في القرن الثالث الهجري، منشقة عن فرقة الروافض الإمامية، فمؤسسها محمد بن نصير البصري، زعم أنه الباب للإمام الغائب، ثم ادعى لنفسه الألوهية والرسالة، فأنكرته الإمامية فانشق عنها، عقيدة شبيهة بالإمامية، مع زيادة في الكفر والضلال، زعموا وجود جزء إلهي في علي ، فهم يؤلوهونه، وقاتله الخارجي ابن ملجم يحبونه ويترحمون عليه، لأنه خلص اللاهوت من الناسوت، خلص الجزء الإلهي من الجزء الجسدي الجثماني، وهم يحلون المحارم، ويحلون اللواط، ولهم ليلة يختلط فيها الحابل بالنابل، الرجال يقعون كالبهائم على النساء مختلطين، ويعظمون الخمرة ويشربونها، ويصلون صلاة لا سجود فيها، ولا يحجون للبيت ولا يتطهرون، وزكاتهم خمس أموالهم لمشايخهم وساداتهم، ويبغضون الصحابة لا سيما الثلاثة الخلفاء، ويكفرونهم إلا نفرا قليلا، ويقولون بتناسخ الأرواح، فأرواحهم تترقى حتى تكون مع النجوم في السماء، وأرواح غيرهم تصير إلى الحيوان. وللآيات البينات عندهم ظاهر وباطن، وهم أهل الباطن والحقائق بزعمهم، ويروون عن جعفر الصادق وهم عليه كاذبون: "من عرف الباطن سقط عنه الظاهر"، ولهم أعياد كأعياد النصارى والمجوس، ودينهم سرٌ من أسرارهم، لا يجوز إفشاؤه لسواهم، ولا يعلمونه إلا للخاصة منهم.
هذه الطائفة النصيرية اتفق علماء المسلمين على كفرهم وضلالهم، فلا تجوز مناكحتهم، ولا تباح ذبائحهم، ولا يصلى على موتاهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين، مثل التتار والفرنج وغيرهم، وهم دائما مع كل عدو للمسلمين".
وصدق؛ ففي تاريخ ابن كثير قصص خياناتهم، فكانوا مع الصليبيين، فسهلوا لهم نزول السواحل الشامية، ومعهم يدلونهم الطريق ومواضع الضعف في الحصون، وكانوا كذلك مع التتار حين عثوا فسادا وقتلا في البلاد. وفي العصر الحديث هم كما كانوا، فعقيدتهم الغل والعداوة لأهل السنة والجماعة، ومع كل عدو لهم، فكانوا مع المستعمر الفرنسي، كتبوا له يستجدونه البقاء في الشام حين هم بالجلاء، والوثيقة معروفة مشهورة، وهم اليوم مع الفرس الروافض، وجيوشهم في لبنان سِلمًا لليهود الصهاينة، وحربا لأهل السنة والجماعة.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا بما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|