لحوم العلماء مسمومة

ناصر بن سليمان العُمر

2070

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

1- سبب الحديث في هذا الموضوع. 2- فضل العلماء وبيان منزلتهم. 3- خطورة إطلاق اللسان. 4- تحريم أذى المؤمنين. 5- أسباب الوقوع في العلماء والدعاة. 6- آثار الطعن في العلماء. 7- الطعن في رجال هيئة الأمر بالمعروف. 8- المنهج الصحيح في معالجة هذه الظاهرة.

 

أما بعد:

أيها الأخوة المؤمنون: الصحوة اليوم، هذه الصحوة المباركة بحاجة إلى ترشيد وتوجيه حتى لا تأتى من داخلها، فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

إن لم تجد هذه الصحوة من يوجهها ويرشدها فإنني أخشى عليها من نفسها قبل خشيتي عليها من أعدائها.

ومن هنا جئت لأتحدث لكم وأتحدث معكم عن هذا الموضوع.

وأحب أن أنبه أن لهذا الموضوع قصة لابد أن تروى:

فقد بلغني في العام الماضي أن هناك بعض الطيبين ينتسبون إلى هذه الصحوة يلتقون في مناسبات مختلفة ويكون جل حديثهم عن العلماء، يقيمون العلماء ويقومون العلماء ويذمون ويمدحون، وهم شباب أحسن ما نقول فيهم أنهم من طلاب العلم لا من العلماء.

فتأثرت في هذا الموضوع فقمت وبدأت أجمع وأقرأ في كتب السلف:

هل كان شبابهم وعلماؤهم يفعلون مثل ما نفعل؟؟

ثم قمت وألقيت هذا الموضوع في إحدى الجامعات، ولكنني اعتذرت عن إخراجه لأنه لم يستوِ على سوقه بعد.

ومرت فترة وأوذي أحد الدعاة إلى الله، بل أحد العلماء وطعن في عرضه وكانت تلك الطعنة موجهة إلى كل عالم وإلى كل طالب علم، فآلمتنا وأحزنتنا وأقضت مضاجعنا.

وطلب مني بعض الأخوة الذين استمعوا إلى هذه المحاضرة أن أقوم بإخراجها فاعتذرت لأنني قلت: إنها لم تكتمل بعد.

وجاءت الأحداث الأخيرة، جاءت الأحداث المريرة، جاءت الفتن التي كقطع الليل المظلم التي نعيش فيها هذه الأيام، فماذا حدث؟

حدث ما يريده الأعداء، واستبيحت لحوم العلماء، ولم يقتصر الحديث عن العلماء على طلاب العلم أو على الدعاة، بل فتح الباب لمن هب ودب حتى تطاول العامة وتطاول المنافقون والعلمانيون على علمائنا.

وقلّ أن تدخل إلى مجلس أو منزل إلا وتسمع فيه حديثاً عن عالم من العلماء وإلى اليوم.

فقلت: إن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

فجئت إليكم أيها الأحبة مذكراً وناصحاً ومبيناً ومحذراً من عاقبة الحديث في لحوم العلماء. وموضحا قدر الإمكان المنهج الصحيح لمعالجة هذه القضية وفق منهج أهل السنة والجماعة.

والموضوع طويل وعناصره كثيرة، ولكنني سأحاول الاختصار قدر الإمكان ولعلي أكتفي من القلادة بما أحاط بالعنق.

فلحوم العلماء مسمومة ورحم الله ابن عساكر حيث يقول: (أعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستارهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب).

فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

ألخص أسباب الحديث عن هذا الموضع بما يلي:

أولاً: أن مكانة العلماء في الإسلام مكانة عظيمة، فيجب تعظيمهم وإجلالهم.

ثانياً: تساهل كثير من الناس في هذا الجانب.

ثالثاً: وقوع طلاب العلم في علمائهم من حيث لا يشعرون.

رابعاً: عدم فهم كثير من الدعاة للمنهج الصحيح في هذه القضية.

خامسا وأخيراً، وهو مهم جداً الهجمة الشرسة المنظمة من المنافقين والعلمانيين على علمائنا تبعاً لأسيادهم من اليهود والنصارى.

من أجل ذلك جئت أتحدث معكم أيها الأخوة، وأبين بعض هذه الأسباب فأقول:

النقطة الأولى مكانة العلماء وفضلهم يقول جل وعلا: قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [الزمر:9].

ويقول سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء [فاطر:28].

ويقول جل وعلا: أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

وأولو الأمر كما قال العلماء هم العلماء، وقال بعض المفسرين أولو الأمر الأمراء والعلماء.

ويقول جل وعلا: يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11].

وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)).

قال ابن المنير كما ذكر ابن حجر: "من لم يفقه الله في الدين فلم يرد به خيراً".

وروى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة القدر، العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهم، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر)).

وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والدارمي.

ومن عقيدة أهل السنة والجماعة كما قال الإمام الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: "أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة".

من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يدينون الله ويتقربون إلى الله جل وعلا باحترام العلماء الهداة.

قال الحسن: "كانوا يقولون موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار".

وقال الإمام الأوزاعي: "الناس عندنا أهل العلم، ومن سواهم فلا شيء".

وقال سفيان الثوري: "لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة".

لو أن فقيهاً كان على رأس جبل وحده لكان هو الجماعة.

الناس من جهة التمثال أكفـاء        أبوهــمُ آدم والأم حـواء

فإن يكن لهم في أصلهم نسب            يفاخرون به فالطين والمـاء

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهمُ على الهدى لم استهـدى أدلا

وقدر كل امرأ ما كان يحسنه             والجاهلون لأهل العلم أعداء

أما تعظيم العلماء ووجوب تقديرهم واحترامهم، فاسمعوا إلى قوله تعالى: ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ [الحج:30].

ويقول جل وعلا: ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ [الحج:32].

والشعيرة كما قال العلماء كل ما أذن وأشعر الله بفضله وتعظيمه، إذاً العلماء قد أذن الله وأشعر الله بفضلهم وتعظيمهم: يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11].

فتعظيمهم واجب: ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ [الحج:30]. ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ [الحج:32].

قال أحد العلماء: "أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم".

وفي صحيح البخاري عن أي هريرة رضي الله عنه، قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)).

أيها الأخوة: كلنا ندرك أن من أكل الربا فقد آذنه الله بالحرب: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279].

إن لم ينته آكل الربا عن أكله الربا فليأذن بحرب من الله ورسوله، كلنا يدرك  هذه القضية.

ولكن هل نحن ندرك أيضاً أن من آذى أولياء الله فقد حارب الله جل وعلا: ((قال الله عز وجل: من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)).

روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي رحمهم الله أنهما قالا: "إن لم تكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي".

قال الشافعي: "الفقهاء العاملون".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله عز وجل).

إذاً أيها المؤمن، أخي الكريم هل ندرك مكانة العلماء؟

لعلنا من خلال النصوص التي ذكرتها وتحدثت عنها تبين لنا بعض ما يجب علينا في حق علمائنا، ولعلها مناسبة طيبة أن أنبه إلى خطورة اللسان لأننا تساهلنا في ألسنتنا.

فاذكر أولاً فضل اللسان، اذكر أيها الأخوة امتنان الله عليكم بهذه الألسنة هذه الجارحة اليسيرة.

يقول جل وعلا عن موسى عليه السلام: وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى يَفْقَهُواْ قَوْلِي [طه:27-28]. ويقول: وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى [الشعراء:13].

ويقول عن أخيه هارون: هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً [القصص:34].

ويقول سبحانه وتعالى ممتنا على عبده: أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9].

ومن أجل أن أوضح قيمة هذا اللسان، والفضل له، لنأخذ مثلاً واحداً: الذي نزعت منه هذه النعمة أو الأبكم، إذا أراد أن يعبر عن ما في نفسه، تتحرك يداه وشفتاه وعيناه ورأسه وجزء من جسمه ولا يستطيع أن يعبر عن ما في نفسه، وتبقى في نفسه حسرة.

وأنت أيها المؤمن بكلمات يسيرة معدودة تعبر عن ما في نفسك، أليست هذه نعمة؟

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9].

والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.

إذاً هل نحن نحافظ على هذا اللسان، أو نطلقه في علمائنا وفي عوام الناس.

استمعوا إلى خطورة ذلك: يقول جل وعلا: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوٰهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]. فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ [الأحزاب:19].

ولذلك جاء الأمر بحفظه والتحذير من تركه: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70]. مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]. وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

وفي الحديث الذي رواه الترمذي: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة)).

عموم الناس وكثير من الناس وأخص الطيبين منهم لا يقع في ما بين فخذيه، أي يضمن ما بين فخذيه، وهذه نعمة من الله جل وعلا. أي يضمن الفرج وما حوله.

ولكن هل نحن نضمن ما بين لحيينا؟ هل يمر علينا يوم بدون أن نتحدث في عرض مسلم أو في عرض عالم؟

((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة)).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)).

ويقول صلى الله عليه وسلم استمعوا إلى هذا الحديث: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)).

يصاب الفتى من عثرة في لسانه             وليس يصاب المرء من عثرة الرجل

فعثرته في القـول تذهب رأسه                      وعثرتـه بالرجل تبـرأ علـى مهل

احفـظ لسـانك أيها الإنسـان              لا يـلـدغـنـك  إنـه ثعـبــان

كم في المقابر من قتيل لسانـه                       كانت تهـاب لقـاءه الشـجـعـان

الصمت زين والسكوت سلامة                فـإذا نطقـت فـلا تكـن مكثـارا

فإذا ندمت على سكوتك مـرة                     فلـتندمـن علـى الكـلام مـرارا

قال حاتم الأصم: لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلامك لاحترزت منه، وكلامك يعرض على الله جل وعلا فلا تحترز.

هنا يتبادر سؤال:

هل لحوم العلماء فقط  هي المسمومة؟

هل لحوم بقية الناس مباحة؟

يقول جل وعلا: وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً [الأحزاب:58].

ويقول صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله)) [رواه مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا..ألا هل بلغت)) [متفق عليه].

فالغيبة أيها الأخوة محرمة، وغيبة العلماء من أشد أنواع الغيبة، يقول جل وعلا: وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: افرأيت إن كان في أخي ما أقول. قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)) [مسلم].

هذا إذا كان فيه ما يقول وهو من عموم الناس، كيف بالحديث عن العلماء بالحق وبالباطل؟

وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما عرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أطفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)).

كيف بالذي يقع في لحوم العلماء؟

واسمعوا إلى هذه الكلمة من ابن القيم رحمه الله، والله إنها كلمة تكتب بماء الذهب، لماذا؟

لأنها تنطبق على كثير من الناس الطيبين وكثير من طلاب العلم، اسمع إلى هذا الكلام القيم من ابن القيم قال: "وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول".

وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، لو رأى أن شاباً أو إنساناً نظر إلى امرأة لقال له: حرام ولزجره، ولكن لسانه يفري في لحوم الناس عموماً والعلماء خصوصاً، ولا يبالي بما يقول.

بعد هذه المقدمات أيها الإخوة، وهي جزء من الموضوع، ندخل في صلب الموضوع في الحديث عن  لحوم العلماء.

النقطة الثانية ما هي الأسباب التي تجعل الناس يتحدثون عن في لحوم العلماء؟

استمعوا إلى هذه الأسباب:

السبب الأول الغَيرَة والغِيرة:

الغَيرَة محمودة، فهي من الغيرَة على دين الله جل وعلا، ولكن قد يكون الباعث للحديث غيرَة، ولكنها ينجر شيئاً فشيئاً حتى يقع هذا الذي غار على دين الله في لحوم العلماء من حيث لا يشعر.

وهناك مزيد بيان لهذه القضية.

أما الغِيرَة فهي مذمومة، وهي قرينة الحسد، قال سعيد بن جبير رحمه الله: "استمعوا لعلم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايراً من التيوس في زرابها".

كلام العلماء بعضهم في بعض من الأقران، يقول الإمام سعيد بن جبير انهم  أشد تغايرا من التيوس في زرابها. ألستم ترون التيوس كيف ينطح بعضها بعضاً ويؤذي بعضها بعضاً.

فيقول: خذوا من كلام العلماء واستفيدوا من علمهم ولا تصدقوا كلام بعض على بعض من الأقران.

ولذلك قال الذهبي: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لاسيما إذا كان لحسد أو مذهب أو هوى، والحسد يعمي ويصم، ومنه التنافس للحصول على جاه أو مال، فقد يطغى بعضهم على بعض، ويطعن بعضهم في بعض، من أجل القرب من سلطان أو الحصول على جاه أو مال".

أيها الأخوة، الحسد، الغيرة، التنافس من أسباب الحديث في لحوم العلماء.

السبب الثاني الهوى: 

 قال الله جل وعلا: وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ [ص:26]. وقال: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [القصص:50]. وقال شيخ الإسلام: "صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه".

وكان السلف يقولون: "احذروا من الناس صنفين، صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه".

الهوى خطير وبعض الذين يتكلمون في لحوم العلماء لم يتجردوا لله جل وعلا، بل دفعهم الهوى لهذا الأمر.

السبب الثالث التقليد: إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف:23].

وأبين أن التقليد ليس مذموما بعمومه، وقد فصل العلماء في قضية التقليد ولكنني أحذر من التقليد الذي يؤدي إلى الحديث في لحوم العلماء.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ألا لا يقلدنا أحدكم دينه رجلاً، إن آمنَ آمن، وإن كفرَ كفر، فإنه لا أسوة في الشر).

وقال أبو حنيفة: "لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي  حتى يعلم من أين قلت".

وقال أحمد: "من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال".

التقليد يؤدي أيها الأخوة إلى الحديث في لحوم العلماء، تقليد لفلان.

أحيانا تستمع إلى بعض الناس يتكلم في عرض عالم، تقول له: هل استمعت إلى هذا العالم؟

قال: لا والله. من قال لك؟ قال: فلان. فهذا تقليد.

وأخطر منه السبب الرابع وهو التعصب:

ولي وقفة مع موضوع التعصب لحساسيته وعلاقته بهذا الموضوع.

قال أبو حامد الغزالي: "وهذه عادة ضعفاء العقول يعرفون الحق بالرجال، لا الرجال بالحق".

ومن أشد أنوع التعصب الحزبية. الحزبية لمذهب أو جماعة أو قبيلة أو بلد.

ومن خلال سبري لأقوال الذين يتحدثون في لحوم العلماء خاصة من الدعاة وطلاب العلم، من أبرز الأسباب التعصب وسبب التعصب هو الحزبية.

هذه الحزبية الضيقة، هذه الحزبية التي فرقت المسلمين إلى شيع وأحزاب، فأقول إن الحزبية أيها الأخوة أودت بالكثير للحديث في لحوم العلماء.

وهل أنا إلا من غزية إن غوت                  غويت إن ترشد غزيت أرشد

إذا ضل من يتعصب له ضل معهم، وإن اهتدوا اهتدى معهم.

إن قال هؤلاء في عالم كلاماً أخذ به، وإن رفعوا الحجاب عنه رفع معهم.

أحبتي الكرام تأملوا في خطورة هذه القضية، سمعت أن بعض طلاب العلم يتكلمون في بعض العلماء، في الأيام القريبة الماضية، وفجأة تغير موقف هؤلاء الطلاب، فسألت: فقالوا: إنهم سمعوا إن فلاناً من العلماء يثني على هذا العالم فأثنوا عليه.

ما الذي تغير ؟ لماذا كنتم تقدحون به منذ أيام والآن أصبحتم تمدحونه.

اسمحوا لي أن أقول بكل مرارة أن بعض طلاب العلم وبعض الدعاة قد سلموا عقولهم لغيرهم.

قلدوا في دينهم الرجال كما قال الإمام أحمد.

قلدوا في دينهم الرجال، إن اخطأوا  أخطأوا معهم وإن أصابوا أصَابوا معهم.

التعصب لمذهب أو جماعة أو بلد أو قبيلة خطير جدا،من الملاحظ أن هناك من ينتصر لعلماء بلده ويقدح في العلماء الآخرين.

لا.. أيها الأحباب كيف نقدح في لحوم العلماء حتى لو كانوا من بلاد أخرى فبلاد المسلمين بلاد واحدة.

هذا التعصب والفتنة التي نعيش فيها هذه الأيام أفرزت أموراً خطيرة يجب أن يقف أمامها الدعاة وطلاب العلم، كل أهل بلد تعصبوا لعلمائهم: أهل الشرق تعصبوا لعلماء الشرق، وأهل الغرب تعصبوا لعلماء الغرب، وأهل الوسط تعصبوا لعلماء الوسط.

ليس هذا هو المنهج الصحيح، نحن لا نعرف الحق بالرجال، وإنما نعرف الرجال بالحق، نأخذ بالحق مهما كان قائله.

أيها الإخوة هذه مسألة خطيرة، التعصب، الحزبية الضيقة هي التي أودت بنا إلى كثير من المهالك، فالله اللهَ أيها الأخوة انتبهوا لهذا السبب، فهو سبب خطير.

السبب الخامس: التعالم: حيث يتكلم في عرض العالم ليفند قوله تقوية لقوله الضعيف، وما أكثر المتعالمين في عصرنا.

التعالم سبب من أسباب الحديث في لحوم العلماء.

السبب السادس: النفاق وكره الحق: سبب من أسباب الحديث في لحوم العلماء: فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10].

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءامِنُواْ كَمَا ءامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ ٱلسُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَاء وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ [البقرة:13]. وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ [البقرة:14].

فالمنافقون والعلمانيون في عصرنا من أسباب الحديث في لحوم العلماء، والمؤسف أنني استمعت في مجلس من المجالس إلى أحد هؤلاء المنافقين من القوميين والحداثيين وأمثالهم يتحدث في لحوم العلماء، فقلده بعض الطيبين من حيث لا يدري، ووافقه على ما يقول حتى رُد عليه في مجلسه.

الآن العلمانيون يتحدثون في علمائنا كلاماً ننـزه أسماعكم عن سماعه، فالنفاق وكره الحق من الأسباب الرئيسة في الحديث عن لحوم العلماء.

السبب السابع تمرير مخططات الأعداء كالعلمنة ونحوها: أدرك العلمانيون أخزاهم الله أنه لا يمكن أن تقوم لهم قائمة والعلماء لهم هيئة وشأن، فماذا يفعلون؟

بدأوا في النيل من العلماء، بدأوا في تحطيم صورة العلماء، بدأوا في الغمز واللمز. من أجل ماذا؟ من أجل تمرير مخططات الأعداء، لا أقول لكم هذا من فراغ.

 لقد استمعت إلى بعض هؤلاء فيما نقل لي عن طريق الثقاة، قالوا في العلماء كلاماً والله لا يقبله عاقل فضلاً عن طالب علم، لا يقبله عامي من عوام المسلمين في علمائهم. ماذا يريد هؤلاء؟ يريدون أن يحطموا صورة العلماء.

ولي وقفة بعد قليل مع هذه القضية مبيناً وموضحاً ومنبهاً.

النقطة الثالثة الآثار المترتبة على الحديث في العلماء؟

إذا تحدثنا في علمائنا وأكلنا لحوم العلماء وأصبح الديدن في مجالسنا أن نتحدث في علمائنا ماذا يحدث؟ انظروا ماذا يحدث:

أولاً: إن جرح العالم سيكون سبباً في رد ما يقوله من الحق.

جرح العالم ليس جرحاً شخصياً، أنت عندما تجرح رجلاً من عموم الناس فإنك تقدح في عرضه فقط، أما جرح العالم فليس جرح شخصياً إنما يكون سبباً لرد ما يقوله من الحق.

ولذلك انتبه المشركون إلى هذه القضية فماذا فعلوا؟

ما طعنوا في الإسلام أولاً…لا، ركزوا في الطعن على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، على الشخص الطاهر، لماذا ؟ لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم إذا استطاعوا أن يشوهوا صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس فلن يقبل ما يقوله من الحق، ولكنهم باءوا بالخسران والحمد لله.

سؤال يا أحباب: لماذا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الأمين، كان هو الصادق، هو الحكم، هو الثقة، ما الذي تغير؟

عندما جاء بهذا الدين أصبح  الساحر، الكاهن، الكذاب، المجنون.

إذا هم لا يقصدون شخص محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، هم يقصدون شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا ؟ لأنهم يعلمون أنهم إذا استطاعوا أن يؤثروا في أذهان الناس عن شخصية الرسول فلن يقبل ما معه، ولكنهم باءوا وخسروا.

هذا هو أسلوب المنافقين الآن، هذا هو أسلوب العلمانيين الآن.

فلذلك جرح العالم ليس جرحاً شخصياً.

ثانيا: أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه وهو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم.

لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، فجرح العالم جرح لأرث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قول بن عباس أن من آذى فقيهاً فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله جل وعلا.

إذاً من يجرح في العالم يجرح العلم الذي معه، ومن جرح هذا العلم جرح إرث الرسول صلى الله عليه وسلم، إذاً هو يطعن الإسلام من حيث لا يشعر.

ثالثا: أن جرح العلماء سيؤدي إلى إبعاد طلاب العلم عن علماء الأمة وسلفها.

رابعا: أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة، وذهاب لهيبتهم وريحهم.

وهذا ما يسر أعداء الله ويفرحهم، يقول أحد الزعماء الهالكين في دولة عربية بعد أن سلط إعلامه على العلماء واستهتر بالعلماء واستهزأ بالعلماء، ماذا قال في النهاية؟ قال: (عالم.. شيخ.. أعطه فرختين يفتي لك بالفتوى التي تريد). أخزاه الله.

سقطت قيمة العلماء في نظر العامة، والله إن خطورة هذا الأمر شأن عظيم.

ذهبت إلى بعض الدول الإسلامية وسألت عن العلماء فما وجدت علماء، أصبح العامة لا ينظرون للعلماء، لا يأبهون بالعلماء، لماذا؟

لأن العلمنة سلطت أقلامها عليهم، ومن هنا استمعوا إلى الأثر الخطير الذي قلت لكم أنني سأقف معه.

رابعاً: تمرير مخططات الأعداء.

من الآثار العظيمة والخطيرة في توجيه السهام إلى العلماء تمرير مخططات الأعداء.. كيف؟

ليس من داعي للنظريات يا أحباب، اسمعوا إلى قضايا واقعية.

الحديث في رجال الحسبة الآن - وَهم من طلاب العلمّ - كثُر، أصبحت أعراض رجال الحسبة مستباحة، ولم يقتصر هذا الأمر على عموم الناس وعلى المنافقين والعلمانيين، بل وقع فيه بعض طلاب العلم من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

تجلس في بعض المجالس فتسمع أخطأت الهيئات، أخطأ رجال الهيئات، فعل رجال الهيئات.

سبحان الله! ما يخطئ إلا رجال الهيئات!

لماذا لا نتكلم عن أخطاء غيرهم؟

اطلعت بالأمس على فتوى لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:

مجموعة من طلاب العلم اشتكوا أحد المسؤولين، ومن خلال الفتوى أو الرسالة التي قرأتها لشيخنا محمد بن إبراهيم يبدوا أنهم زادوا في الشكوى. أتعلمون ماذا حدث؟ أهينوا وسجنوا، هذا في زمن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.

فكتب الشيخ رسالة ينبه إلى خطورة التعرض لطلاب العلم.

ولكني أسألكم هل رأيتم أحداً سجن عندما تكلم في أعراض رجال الحسبة ورجال الهيئات؟

جاءني بعض شباب الهيئات يقولون، تطاول الرجال والنساء علينا ولا نجد من يحمينا، فنحن المتهمون دائماً…ما المقصود؟

المقصود هو القضاء على الهيئات وتحطيم الهيئات.

حتى أصبحنا مع كل أسف نسمع من بعض طلاب العلم، وليسو طلاب علم ولكن المحسوبين على الدعاة أو المحسوبين على طلاب العلم أو المحسوبين على الشباب الصالحين يطالبون ويتكلمون في أعراض الهيئات وأنها تتجاوز وأنها..وأنها.

غيرهم ما يتجاوز! غيرهم ملائكة! غيرهم رسل! من يستطيع يتحدث في غيرهم؟ يقطع لسانه.

أما الهيئات، أما رجال الحسبة فهم المتهمون، رجل الحسبة متهم حتى يثبت براءته. هذا لغرض يا أحباب، لا نكون أغبياء، لن نكون مغفلين.

القضاة، اسمع الحديث عن لحوم القضاة، طلاب علم وعلماء.

القاضي الفلاني فيه كذا، القاضي الفلاني فعل كذا، القاضي الفلاني اشترى أرض، القاضي الفلاني اشترى سيارة، القاضي الفلاني يؤخر المعاملة.

سبحان الله يا إخوان!

 ما يخطئ إلا القضاة، لماذا نتحدث عن أخص ما في بيوت قضاتنا؟

 ما دخلنا عن ما في بيوتهم؟ لكن قضايا مقصودة لتحطيم القضاء الشرعي.

سبحان الله! ماذا يقصد بهذا الكلام؟ أتدرون ماذا كانت النتيجة؟

قال بعضهم: نحن لسنا بحاجة إلى القضاة وتعقيدات القضاة والمحاكم، القانون الفرنسي أرحم لنا من هؤلاء.

ويا أحباب حتى لا تتصوروا أني أتكلم من فراغ، هناك من يطالب بالقانون الفرنسي، وكاد أن يتحقق لهم الأمر.

أذكر لكم مثالاً، نظام المرافعات الذي ألغي، والحمد لله أنه ألغي، ويشكر من كان سبباً في إلغائه، نشكر كل من كان سبباً في إلغاء هذا النظام. 

أتدرون ما هو نظام المرافعات الذي كان على وشك التطبيق؟ مأخوذ من النظام المصري حرفاً بحرف، والنظام المصري مأخوذ من النظام الفرنسي.

لا تتصوروا أن الأمر صعب.. ولكن الحمد لله تدارك العلماء الأمر واستجاب المسؤولون لهذا الأمر، ونسأل الله أن يستجيبوا لبقية الأشياء الأخرى التي تخالف شريعتنا. نسأل الله ونقول لهم، هذا ما يجب على العلماء أن يوضحوا.

أما الحديث عن الدعاة فحدث ولا حرج، الحديث عن الدعاة، عن المتطرفين، عن.. عن.. خذ الألقاب التي جاءتنا لم نعرفها أبداً.

إذاً باختصار من آثر الكلام في لحوم العلماء وطلاب العلم فهو يعمل في تمرير مخططات الأعداء، فانتبهوا لهذا الأمر.

النقطة الرابعة المنهج الصحيح في معالجة هذه القضية:

أحبتي الكرام سيسأل بعضكم ويقول: هل أنت تريد منا أن نقدس العلماء؟

ماذا نفعل أمام أخطاء العلماء؟ أليس العلماء يخطئون؟ نعم أنا قلت: إنهم يخطئون.

طّيب.. ما دمت تقول أنهم يخطئون ماذا نفعل؟

إذا استمعوا إلى المنهج الصحيح في معالجة هذه القضية، باختصار كيف نجمع بين احترام علمائنا وتقديرهم ومكانتهم وبين بيان الحق؟

وأقسم هذا الموضوع إلى ثلاث نقاط:

1/ أول ما يجب في هذه القضية على العلماء أن يحموا أنفسهم.

كيف يحمي العلماء أنفسهم؟ كل واحد يكون معه جنديين أو ثلاثة!!؟

كيف يحمي العلماء أنفسهم؟

((على رسلكما إنه صفية)).

 رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى نفسه، مع من؟ أمام الصحابة، حتى استغربوا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

((على رسلكما إنها صفية))، فدافع عن عرضه صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة. ((رحم الله امرأ دفع الغيبة عن نفسه)).

كيف يحمي العلماء أنفسهم؟

إذا المسؤولية الأولى على العلماء أنفسهم أن يحموا أنفسهم.. كيف ؟ يحمون أنفسهم بما يلي:

* أن يكون العالم قدوة في علمه وعمله. أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:44].

* على العالم أن يتثبت في الفتوى ويستكمل شروطها.

إذا طُلبت منه فتوى ينظر لماذا هذه الفتوى، ما هي آثار هذه الفتوى، ماذا يراد بهذه الفتوى.

على العالم أن يتثبت، ويستكمل شروط الفتوى، وذلك بفقه الأصول وفقه الفروع وفقه الواقع.

وإلا فلا يلومن إلا نفسه، إن تعرض له الناس.

ونحن لا نبرأ الناس من كلامهم في العلماء، لكنه كان سبباً في الحديث في العلماء، عليه أن يتثبت ولا يتعجل، لا يكتفي بأنه قيل له: كذا وكذا ثم يفتي، لا.

عليه أن يتأكد، يسأل ويتثبت عن ماذا يراد بهذه الفتوى؟

 هل يراد بها استغلال أو غيره. عليه أن يتثبت في الفتوى.

* أن يحذر العالم من الاستدراج، والغفلة والتدليس.

فهناك من يستدرج العلماء، هناك من يستغفل العلماء، هناك من يلبّس على العلماء، فعلى العلماء أن يكونوا كما قال عمر وهو من أئمة العلماء رضي الله عنه: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)، يقول: أنا ما أخادع ولكن لا أحد يخدعني، رضي الله عنه.

نعم لا يُخدع العالم، فينتبهوا إلى أن هناك من يريد أن يدلس عليهم، من يريد أن يهون لهم الأمور، من يقول: لا… المراد بهذه الفتوى فقط كذا مسألة بسيطة. ثم تستغل الفتوى لغرض في النفس.

* على العالم أن يكون جريئاً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم.

نحن نطالب ونطلب من علمائنا أن تكون لهم جرأة كأسلافنا رضي الله عنهم. كجرأة أبي سعيد الخدري عندما وقف أمام مروان بن الحكم عندما أراد أن يقدم الخطبة على الصلاة، فقال له

(يا مروان الصلاة قبل الخطبة يوم العيد، فسحبه من ثوبه قال مروان قد ترك ما هنالك).

فأنكر عليه علانية ولم يقل نكتب له ورقة ونصيحة سرية بيننا وبينه بعد. لا.

أمام الناس، الصلاة قبل الخطبة يا مروان.

كالعز بن عبد السلام سلطان العلماء، وقد ذكرت في محاضرة سابقة قصة سلطان العلماء، وأعيدها مرة أخرى لتعرفوا كيف يكون العلماء، وكيف يحمي العلماء أنفسهم.

كان الملك السلطان الصالح أيوب ملكاً ووالياً لدمشق وللشام عموماً، وبسبب خلاف بينه وبين أبناء عمه تنازل للنصارى عن بعض الحصون.

ماذا فعل العز بن عبد السلام في هذه القضية عندما تنازل الملك الصالح للنصارى عن بعض الحصون؟ 

قام على المنبر وخطب في جامع بني أمية ولم يدعو للملك الصالح إنما قال: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز  في أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ونزل من على المنبر".

مجرد الدعاء للسلطان لم يدعو له.. ما يستحق.

ثم جاء الناس يستفتونه أن النصارى بدأوا يشترون السلاح من دمشق، فهل نعطيهم السلاح؟

قال ما يجوز أن تبيعوا عليهم السلاح.

ماذا فعل السلطان سجنه، ونحن نستغرب أحياناً يا إخوان أن يسجن عالم، طبيعي أن يسجن عالم.

سجن الإمام أحمد بن حنبل، سجن العز بن عبد السلام، وسجن ابن تيمية.

الـم  أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2].

فلما سجنه، توقع أنه يعتذر وأن يطلب أن يسامحه، ولم يعتذر العز ابن عبد السلام.

فأرسل السلطان إليه أحد أعوانه وما أكثرهم، وقال له: يا شيخ سوف أشفع لك عند السلطان أن يخرجك، فقط نريد منك شيئاً واحداً أن تذهب معي إلى السلطان لتعتذر له وتقّبل رأسه.

طلب بسيط…ماذا قال العز بن عبد السلام؟

قال: دعك عني.. والله لو طلب مني السلطان أن يقبل يدي ما سمحت له أن يقبل يدي.

عافاني الله مما ابتلاكم به يا قوم.. أنتم في واد وأنا في واد.

رفض.. توقيع، تعهد بسيط فتخرج وتعاد إلى الخطبة.

لا.. العالم لا يمكن أن يكون ذليلاً في يوم من الأيام، لا يمكن أن يكون العالم ذليلاً أمام فاسق، أو أمام ظالم يطلب منه هذا الشيء.

الآن عندنا سلطانيين، السلطان الحقيقي العز بن عبد السلام، والسلطان الرسمي الملك الصالح أيوب.

السلطان ذهب لمقابلة النصارى، فخاف أن يخرج سلطان العلماء بالقوة.

فما كان من الملك الصالح إلا أن أخذ العز بن عبد السلام معه وسجنه في خيمة، وجلس الملك الصالح أيوب مع النصارى، وبينما هو جالس معهم بدأ العز بن عبد السلام يقرأ القرآن.

فسمعه الملك الصالح، أتدرون ماذا قال؟

قال الملك الصالح النصارى تستمعون إلى الذي يقرأ.

قالوا نعم نستمع، قال تعرفون من هو؟ قالوا: لا، لا نعرفه.

قال هذا من أكبر قساوستنا وسجنته، جاء بلغتهم مع أكبر أسف ولم يقل أكبر علمائنا.

أتدرون لماذا سجنته؟ قالوا: لا.

قال إنه أفتى بعدم جواز بيع السلاح إليكم، فسجنته من أجلكم.

يا للحسرة، ماذا قال النصارى؟

قالوا: والله لو كان هذا قسيساً لنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها.

هذا الرجل الذي يقف هذا الموقف الشجاع أمام أعدائه والله يستحق من يغسل رجليه ويشرب المرق.

فخجل السلطان وأطرق وأمر بإطلاق العز بن عبد السلام.

العالم يجب أن يكون صاحب مواقف شجاعة يا إخوان.

الخضر الحسين شيخ الأزهر، عندما كانت للأزهر مكانة وقوة. عندما تولى محمد نجيب الثورة في مصر، قام وقال: سنساوي الرجل بالمرأة. فما الذي حدث؟ ما الذي حدث؟

اتصل به الخضر حسين وقال له: أسمع إما أن ترجع عن قولك وإلا سوف أنزل غدا وأنا لابس كفني ومعي جميع الأزهريين إلى الشوارع فإما الحياة وإما الموت.

فجاءه محمد نجيب وجاءته الوزارة يقولون: يا شيخنا، يا إمامنا نحن نعتذر لك الآن، والكلام كان خطأ.

قال: لا.. لا تعتذروا لي بل اعتذروا أمام العامة.

قالوا: صعب أن نعتذر أمام العامة. قال: لا يوجد خيار، إما أن تعتذر أنت يا محمد نجيب أمام الناس وإلا سأنزل للشارع وأنا لابس كفني.

فخرج من الغد محمد نجيب وقال الصحافة كذبت علي، أنا لم أقل شيئاً.

هكذا يكون العالم.. إذاً السلطان الحقيقي هو العالم.

بهذا نحمي أنفسنا أيها الأخوة وهو الأسلوب الأول لحماية أعراض العلماء.

2/  ما هو الواجب علينا تجاه علمائنا؟

الواجب علينا اتجاه علمائنا ما يلي:

* أن نحفظ للعلماء مكانتهم ودورهم في قيادة الأمة وأن نتأدب معهم.

انظروا إلى آداب طالب العلم كما قال السلف: يقول العراقي: "لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء".

وقال بن الشافعي: "ما سمعت أي ناظر أحداً قط فرفع صوته".

وقال يحيى بن معين: "الذي يحدث في البلد، وفيها من أولى منه بالتحديث فهو أحمق".

وقال الصعلوكي: "من قال لشيخه لم؟ على سبيل الاستهزاء لم يفلح أبداً.

وتأدب ابن عباس مع عمر رضي الله عنهما حيث مكث سنة يريد أن يسأله عن مسألة من مسائل العلم فلم يفعل.

وقال طاووس بن كيسان: "من السنة أن يوقر العالم".

وقال الزهري: "كان سلمةَ يماري ابن عباس فحرم بذلك علماً كثيراً".

وقال البخاري: "ما رأيت أحداً أوقر للمحدثين من يحيى بن معين".

وقال المغيرة: "كنا نهاب إبراهيم كما نهاب الأمير".

وقال عطاء بن أبي رباح: "إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأني لم أسمعه أبداً وقد سمعته قبل أن يولد".

قال الشافعي: "ما ناظرت أحداً قط إلا وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه".

وذكر أحد العلماء.. يا شباب استمعوا إلى هذه القصة: "ذُكر أحد العلماء عند الإمام أحمد بن حنبل وكان متكئاً من علة أي مريض فاستوى جالساً وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ".

وقال الجزري: "ما خاصم ورع قط".

الأدب مع العلماء.

* أن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصمه الله وهم الأنبياء والملائكة.

 ما من أحد معصوم يا إخوان، ليس من أحد إلا يخطئ.

قال الإمام سفيان الثوري: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد".

وقال الإمام أحمد: "ومن يعرى من الخطأ والتصحيح".

وقال الترمذي: "لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم".

وقال ابن حبان: "وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحة عدالته بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك تُرك حديث الزهري، وجريج، والزهري، وشعبة لأنهم أهل حفظ وإتقان ولم يكونوا معصومين حتى  لا يهموا في رواياتهم).

إذا لماذا نحن يا إخوان نتلمس أخطاء العلماء؟ لماذا..؟ ما أحد يسلم من الخطأ.

* أن الخلاف منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة. نعم الخلاف منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة سيبقى الخلاف وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119].

فطبيعي وجود قضية الخلاف يا إخوان.

* أن نفوت الفرصة على الأعداء وأن ننتبه إلى مقاصدهم وأغراضهم وندافع عن علمائنا.

* أن نحمل قول على المحمل الحسن، ولا نسيء الظن فيهم حتى ولو لم نأخذ بأقوالهم.

وأريد أن أوضح يا إخوان أننا لسنا ملزمين بأخذ كل أقول العلماء.. لا.

يا أحباب هناك فرق كبير بين أن نأخذ بقول عالم وبفتوى العالم، وبين التجريح في شخصه.

نحن لسنا ملزمين أن نأخذ بفتوى العالم إذا كان هناك دليل يخالفها، الشافعي وغير الشافعي يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي".

لسنا ملزمين، ولكن هل يعني أنه إذا لم نأخذ بقوله أن نجرحه ونتكلم في عرضه؟ لا.

قال عمر رضي الله عنه:

(لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوء وأنت تجد لها في الخير محملاً).

* أن ننتبه إلى أخطائنا وعيوبنا، وننشغل بها عن عيوب الناس عامة وأخطاء العلماء خاصة.

يا واعظ الناس قد أصبحت متهما             إذ عبت منهم أمـوراً أنت تأتيها

وأعظم الإثم بعد الشـرك نعلمه                    في كل نفس عماها عن مساويها

عرفتها بعيوب الناس تبصـرها             منهم ولا تبصر العيب الذي فيها

أقول لمن يتحدث في أعراض العلماء وينسى نفسه:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها   فلم يضـرها وأوهـى قرنـه الوعـل

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه             أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل، قد يقصر العالم، ولكن هل يعني أنه إذا قصر نترك علمه وعمله.

أعمل بعلمي وإن قصرت في عملي       ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري

تقصيري علي، وهذا ما يجب علينا تجاه علمائنا.

3/ وهي مهمة جداً كيف نبين الحق دون أن نقع في علمائنا؟

وهذا بيت القصيد، إذا أخطأ العالم فكيف نستطيع أن نبين خطأ العالم دون أن نقع في عرضه؟

لأنه اختلط الأمر على الناس، فإما السكوت حتى على الخطأ، أو النيل من العلماء.

فاللبس الموجود الآن أنه إذا قام أحد العلماء أو أحد طلاب العلم وبين الحق بدليله قالوا:

 قف أنت تحدثت بأعراض العلماء، أنت تنتقص العلماء، أنت تحدث فتنة بين العلماء.

والجانب الآخر أنه كلما تحدث العلماء بكلمة بدأ الطعن فيهم، العلماء فيهم، والعلماء فيهم، والعلماء فيهم.. لا يا إخوان.

إذا ما هو المنهج الذي نجمع فيه بين بيان الحق وعدم الالتزام بالفتوى إلا إذا كانت وفق الدليل دون أن نقع في أعراض علمائنا؟

يتحقق ذلك وفق النقاط التالية:

* التثبت من صحة ما ينسب إلى العلماء، فقد تشاع أقول لأغراض لا تخفى.

ليس كل ما ينسب إلى العلماء صحيح، أولاً يجب أن نتثبت هل ما قاله العالم صحيح أو غير صحيح، وكم استمعنا لأقوال نسبت إلى كبار علمائنا، ولما ذهبنا إليهم قالوا: والله كذب ما قلنا من شيء.

تجد بعض الناس في المجلس: الشيخ فلان قال، الله يهديه، وفيه وفيهِ وفيه.

ماذا قال؟ قال: كذا، تذهب وتسأل العلم يقول: والله ما قلت من شيء.

فأولاً يجب التثبت هل العالم قال أو ما قال.

* هناك فرق عظيم جداً بين رد الأقوال ومناقشتها والصدع بالحق، والطعن في العلماء.

فرق كبير جداً، فرق بين عدم الأخذ بالقول وعدم الأخذ بالفتوى والرد على الفتوى وبين الطعن في العلماء، فرق كبير جداً.

يجوز لنا أن نبين الحق.

 يجوز لنا أن لا نأخذ بالفتوى إن لم توافق الدليل.

 ولكن لا يجوز لنا الطعن في العلماء.

* أن يقصد المتحدث بكلامه وجه الله جل وعلا.

الإخلاص يا إخوان، أن يقصد وجه الله جل وعلا والدار الآخرة، وأن يحذر من الأغراض العارضة كالهوى والتشفي وحب الظهور. إذا اضطر أحدنا لقول كلمة الحق ومواجهة العلماء فليتق الله جل وعلا: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا [الكهف:110].

أن يخلص لله حتى يقبل منه، وينتبه أنه أحياناً قد يكون رده فعلاً لله، لكن يداخله بعد ذلك شيء من الدنيا كحب الظهور، فيقول في نفسه: فرصة أن يقال: فلان يرد على العلماء، يأتيه الشيطان، فليحذر من هذه الأعراض.

التشفي، بعض الناس إذا سمع أن أحد العلماء أخطأ سارع بنشر هذا الخطأ.

فلننتبه للأخطاء العارضة، فعلى من يتولى الرد على العلماء أو على أقوال العلماء بعبارة أدق أن يكون مخلصاً لله جل وعلا.

* الإنصاف والعدل.

يا إخوان اعدلوا مع علمائكم، يجب الإنصاف مع العلماء، ابن تيمية رحمه الله يقول: "أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض".

يعني الآن إما نأخذ كل ما قاله العلم أو نرد كل ما قاله؟؟؟ إما أنه أسود أو أبيض.

أين الإنصاف؟ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8].

ويتضمن ذلك الثناء على العالم بما هو أهل له. أيضاً عدم التجاوز في بيان الخطأ الذي وقع فيه.

إذا وقع أحد العلماء في خطأ وأردت أن تبين خطأ العالم، ليست فرصة أن تتناول عرضه في كل شيء، وترجع تبحث عن تاريخه كله.

لا تتجاوز النقطة التي أردت، وإذا أراد أحد أن يسحبك إلى هذا، فقل: اتق الله. لا تتجاوز، عدم التجاوز في بيان الحق، لأن الإنسان إذا انطلقَ انطلق.

العدل والإنصاف والثناء عليه بما هو أهل له.

* أن نسلك مسلك رجال الحديث في تقويم الرجال.

إذا أردنا أن نقوم العلماء، أن نتحدث في العلماء أن نسلك مسلك أهل الحديث، ومسلك أهل الحديث فسره العلماء، وأدلكم على رسالة جميلة مختصرة صغيرة في حجمها، كبيرة في قيمتها تبين لكم هذا المنهج لأن الوقت الآن لا يتسع لشرحه، وهي رسالة بعنوان:

منهج أهل السنة والجماعة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم/ للشيخ أحمد الصويان.

هذه الرسالة مطبوعة حديثة وموجودة في المكتبات وتعالج منهج أهل السنة والجماعة في تقويم العلماء ومؤلفاتهم.

إذاً علينا أن نسلك منهج أهل الحديث.

* أن نعلم أن الخطأ على نوعين.

خطأ في الفروع وخطأ في الأصول، أما مسائل الفروع فهي مسائل اجتهادية يجوز فيها الخلاف ولا تبرر الحديث في لحوم العلماء، ونبين خطأ العالم في هذه المسألة دون التعرض لشخصه.

دون أن تعرض لشخصه، إنما نقول: أخطأ. خالفه الصواب، ولكن لا نتعرض لشخصه، وهذا في المسائل الاجتهادية في الفروع.

أما مسائل الأصول وهي العقيدة، فيبين القول الصحيح ويحذر من أهل البدع في الجملة، وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته دون إفراط ولا تفريط.

يقول شيخ الإسلام كما أسلفنا: "أهل السنة أعدل مع المبتدعة من المبتدعة بعضهم مع بعض".

الله أكبر، أهل السنة أعدل مع المبتدعة أعدل من المبتدعة بعضهم مع بعض، لأن المبتدعة يقفون في لحوم بعضهم البعض، أما أهل السنة فلا، ينصفون حتى مع الكفار.

إذاً كيف بمن أخطأ، إذا كان الخطأ في بدعة فيحذر من البدعة، ويحذر من المبتدعة، ويحذر من الداعي إلى بدعته، ويبين خطورة هذا الأمر، لكن إياك أن تتعرض لشخصه.

استمعت منذ فترة إلى قصة مؤلمة ومحزنة، أحد الدعاة إلى الله المجاهدين في أفغانستان اتهمه بعض الناس في أخطاء في العقيدة، ويا ليتهم اقتصروا على بيان أخطائه في العقيدة.

والله يا إخوان بدأوا يذكرون قصص له في داخل بيته عن بنته وعن زوجته وعن أولاده.

أيجوز هذا يا إخوان؟ ألا نتق الله جل وعلا. وهذا موجود في شريط..

يا أخي إذا كنت صادقاً تريد أن تبين أن هذا العالم أو أن هذا المجاهد وهو عالم مجاهد رحمه الله وقع في أخطاء، نحن لا نحجر عليك أن تبين الخطأ، لكن ما دخل ابنته وزوجته وأولاده؟

لماذا التعرض للعلماء بهذا الشكل؟ لماذا؟ لماذا؟

لا نقول لا تقولوا: كلمة الحق، قولوا: كلمة الحق، بل نحن نقول: لا تسكتوا عن كلمة الحق، لكن لا يجوز أن يكون بهذا الأسلوب يا إخوان.

التعرض لأشخاصهم والطعن فيهم، أسرارهم البيتية والله نشرت.

أيجوز هذا؟ هل هذا من منهج أهل السنة؟ هل هذا من منهج السلف؟

إذا هذا هو المنهج.

* أخيراً إذا أمكن الاتصال بمن وقع منه الخطأ.

لعله أن يرجع عن خطئه سواء كان في الفروع أو الأصول، أقول إذا أمكن، لعله أن يرجع.

أليس قصدك الحق؟ ألست تريد بيان الحق؟

يا أخي دعه هو يرجع، أحسن لك وأحسن للحق، دعه يخرج على الملأ ويقول: يا إخوان أنا تراجعت عن قولي، هذا أفضل من أن ترد عليه.

لأنك إذا رددت عليه قد يقتنع نصف الناس، ولكن إذا رجع هو سيقتنع كل الناس الذين أخذوا بفتواه، لكن بعض الناس يقول: لا.. بسرعة سأرد عليه قبل أن يرجع.

إذا أخطأ عالم وجدت من يقول بسرعة: أرد عليه قبل أن يرجع، نعم ما يجوز هذا.

إذا أمكن الاتصال فيه ومناصحته وتخويفه بالله، يرجع هو إلى الحق.

ألست تريد الحق؟ دعه يرجع.

هذا ما نريده، وقد تناظر اثنان من العلماء في مسألة من المسائل، كل واحد قال قولاً وخطأه الآخر، فاجتمعوا يتناظرون وقالوا ليس هناك داع أن نذهب نتخطى أما العامة، تعالوا نتناظر.

ما الذي حدث؟ عندما انتهت المناظرة كل واحد أخذ بقول الثاني، ورجعوا بقولين آخرين يحتاجون إلى مناظرة ثانية لأنهم يردون الحق، فلما بين الأول أدلته قال الآخر: كلامك صحيح، ولما بين الثاني أدلته قال الأول كلامك صحيح، فرجعوا بقولين، لأن رائدهم الحق.

ألا نسلك هذا المنهج؟

النقطة الخامسة أمور لابد من بيانها:

1/ أننا لا ندعو إلى تقديس الأشخاص والتغاضي عن الأخطاء أو السكوت عن الحق.

والخلط في ذلك، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.

لا أدعو في محاضرتي إلى تقديس العلماء، لا أدعو إلى أنه لا يجوز أبداً أن نتحدث عن العلماء في أخطائهم، من فهم هذا فقد أخطأ.

لكن بينت لكم المنهج والفرق بين الحديث عن العلماء وأعراض العلماء وبين بيان كلمة الحق بالأسلوب الذي بينت.

2/ مسألة مهمة جداً حدثت في الأيام الماضية، ما هي؟

دعوى الإجماع، وهذه جاءتني أسئلة كثيرة حولها:

فلان يخالف الإجماع، إجماع العلماء.

من هو فلان، يخالف إجماع العلماء، هذا يحدث فتنة.

يا إخوان الإجماع ليس بالأمر البسيط، هناك فرق كبير بين الإجماع والاجتماع.

الإجماع كما بينه العلماء أن يجمع علماء الأمة المعتبرون على مسألة من المسائل ولو خالف واحد لم ينعقد الإجماع.

يجتمع خمسمائة، ستمائة ونقول: هذا إجماع الأئمة، من قال أن هذا إجماع الأمة؟

فرق بين الإجماع والاجتماع، ولذلك انتبهوا، ارجعوا إلى أصول الفقه، ونقرأ ما في أصول الفقه حتى لا نأخذ الأمور خطأ.

الإجماع له شروط، الإجماع له ضوابط، الإجماع ليس إجماع علماء بلد فقط بل هو إجماع علماء الأمة جميعاً، وإذا خالف واحد من العلماء المعتبرين في شرق الأرض أو مغربها لم ينعقد الإجماع.

ولذلك قال بعض العلماء أن الإجماع لم ينعقد بعد الصحابة، لأنه صعب جداً أن ينعقد الإجماع.

واحد أرسل لي ورقة يقول لي: إن فلاناً خالف إجماع الأمة، مع أن العلماء أجمعوا وزيادة.

طيّب.. بارك الله فيك نحن نعرف إجماع العلماء فما هي الزيادة؟ أنا والله ما قرأت لا في كتب الفقه ولا أصول الفقه الزيادة.

نعم كذا كتبها أن العلماء أجمعوا وزيادة على المسألة الفلانية وخالف فلان وفلان.

طيّب.. فقهنا إجماع العلماء فأين الزيادة ؟ الزيادة كالنقص.

فيجب أن تفهم هذه الضوابط، ومن هذه الضوابط أن إجماع علماء بلد ليس إجماع. ثم ناحية أخرى أن العبرة ليست بالكثرة أو القلة، العبرة بالحق.

3/ أن بعض العلماء قد يفتون بفتوى لها أسبابها، فيأتي آخرون ويخالفون هذه الفتوى.

ثم يبدأ الطعن في المخالف ويتهم بتهم باطلة كالفتنة وحب الخلاف وحب الظهور وقلة العلم وهلم جرا، فعلينا أن ننتبه أنه قد يقوم العلماء ويفتون بفتوى.

 يأتي بعض طلاب العلم ويخالفون هذه الفتوى، فيبدأ الطعن في هذا العالم المخالف، يبدأ الطعن بالمخالفين، من أنت حتى تخالف؟ أنت تحب الفتنة، أنتَ أنت.

ولذا علينا أن ننتبه إلى ما يلي:

- أنه كل يأخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به.

أن المخالفيِن علماء يجب احترامهم وتقديرهم، والمخالَفين علماء أيضاً.

لماذا حرام الحديث عن هؤلاء وحلال الحديث في هؤلاء؟

لا يجوز الحديث لا في أعراض هؤلاء ولا في أعراض هؤلاء، لا المخالفِين ولا المخاَلَفين.

- أننا نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال.

- أن نتثبت من صحة الفتوى  واكتمال شروطها عند الموافقين والمخالفين، المهم من صحة الفتوى، أما من أين جاءت فلا يهم. المهم هل الفتوى التي صدرت من هذا العالم أو ذاك مكتملة الشروط أم لا.

- أن مسائل الاجتهاد يجوز فيها الخلاف، فلماذا يا إخوان تضيق أنفسنا بالخلاف؟ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا.

عندما أرسلهم الرسول إلى بني قريظة اختلفوا.

اختلفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ما أدى بهم ذلك إلى الفتنة وإلى طعن بعضهم في بعض.

- النقطة الأخيرة في هذه المسألة أن مجرد المخالفة ليس خطأ.

ولا عبرة للصغر  والكبر هنا إذا توافرت الشروط، ما يأتينا واحد يقول هذا عالم صغير خالف العالم الكبير،لا.. لا، هذا ما فيه عبرة.

العلماء قديماً وحديثاً، الصغير يخالف الكبير، وقد يكون الحق مع الصغير في سنه، السن لا قيمة له هنا، فالعبرة بتوافر شروط الفتوى وأسباب الفتوى.

الشيخ عبد العزيز في حياة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهم الله أفتى بفتوى خالف بها الشيخ محمد، وما قال له الشيخ محمد: من أنت حتى تخالفني.

وما قال له الناس: من أنت حتى تخالف الشيخ محمد، أو تخالف العلماء.

مع أن الراجح هو قول الشيخ عبد العزيز رحمه الله. بن تيمية خالف علماء بلده، وثبت أن الحق معه رحمه الله.

لا عبرة بالصغير والكبير في هذه المسائل، العبرة بمن معه الدليل صغر أو كبر.

النقطة السادسة: لماذا تبرز أخطاء العلماء أكثر من غيرهم:

السبب بسيط جداً أن الثوب الأبيض الناصع لو وجد فيه نقطة سوداء تبين من مسافة بعيدة.

العلماء كالثوب الأبيض أي نقطة سواد تبين فيهم، فلا نستغرب أن تبرز أخطاءهم.

أما غيرهم فكالثوب الأسود لو تضع عليه فحماً أو شحماً ما بان.

ولذلك ونحن في الصيف، الواحد منا يستبدل ثوبه كل يومين أو ثلاثة، ثوب أبيض، بينما في الشتاء قد يجلس الثوب أسبوعين أو ثلاثة مع أن الوسائل التي قد تغير الثوب في الشتاء أكثر من الصيف.

ولكن الثوب الأسود لا يبين فيه شيء.

فالعلماء كالثوب الأبيض تبرز أخطاءهم ولو كانت صغيرة جداً.

فعلى العلماء أن ينتبهوا إلى هذه النقطة كما ننتبه لثيابنا، فكل واحد قبل أن يخرج يتفقد ثوبه، بل ولا يكتفي بل يسأل أهله النظر إلى ثوبه من الخلف هل به شيء.

يتفقد أعماله، وعلى الآخرين أيضاً أن لا يضخموا هذه القضايا، أما غيرهم فلا يبين فيه شيء مهم كبر، فحم أو سواد أو زيت لا يبين فيهم شيء.

النقطة السابعة: نحذر من المدح بما يشبه الذم:

يأتي يمدح الشيخ فلان فيقول:

الشيخ فلان ما شاء الله، فيه وفيه…. لكن، ثم حط بعد لكن!!

يقدم له مدحاً ربما لمدة خمس دقائق ومن ثم كلمتين فقط يدخلهما، وهذا هو قصده.

فأنبه إلى خطورة هؤلاء، وأن يخوفوا بالله جل وعلا.

الذم بما يشبه المدح كما تكلم البلاغيون.

النقطة الثامنة أن من أساء الأدب مع العلماء سيلقى جزاءه عاجلاً أو آجلاً:

وقال الإمام الذهبي في ترجمة ابن حزم: "وصنف كتبا كثيراً وناظر عليها وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب بل فجج العبارة، وسب وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها ونفروا منها، أحرقت في وقته".

وما نراه من الواقع المشاهد أن من يسب العلماء يسقط من أعين العامة والخاصة.

ويقول الحافظ ابن رجب: "والواقع يشهد بذلك، فإن من سبر أخبار الناس وتواريخ العالم وقف على أخبار من مكر بأخيه فعاد مكره عليه، وكان ذلك سبباً لنجاته وسلامته أي الممكور فيه".

النقطة التاسعة وهي وقفة أوجهها للعلماء وطلاب الذين يبتلون بهذه البلوى:

فأقول عليهم بالصبر وأن يتقوا الله جل وعلا.

وليعلموا أنهم ليسو أفضل من الأنبياء والرسل.

ورسولنا صلى الله عليه وسلم ما سلم من الكلام في عرضه، بل حتى في داخل بيته صلى الله عليه وسلم في قضية الإفك وغيرها, فلهم أسوة وقدوة برسولنا صلى الله عليه وسلم، وليعلموا أن العاقبة للمتقين.

فهذا يوسف يقول الله عز وجل عنه: قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِى قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ [يوسف:90].

وعن موسى  يقول الله عز وجل: قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱلارْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:118].

ويقول سبحانه وتعالى: وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43].

وصدق من قال:

ولست بناجـي من مقالـة طاعن             ولو كنت في غار على جبل وعر

ومن الذي ينجو من الناس سالمـاً             ولو غاب عنهم بين خافيتي نسـر

النقطة العاشرة والأخيرة أقول للمتحدثين في العلماء:

اتقوا الله، توبوا إلى الله، أنيبوا وأثنوا على العلماء بمقدار غيبتكم لهم، وأقول لهم العاقبة للمتقين وأنتم الخاسرون:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها   فلم يضـرها وأوهـى قرنـه الوعـل

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه             أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

والعالم عالي.

فأقول: اتقوا الله واحفظوا لعلمائكم كرامتهم وقيمتهم،

وانتبهوا للمنهج الذي بينته في الحديث عن أخطاء العلماء.

أسال الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى