فضل طلب العلم

عبد العظيم بن بدوي الخلفي

1079

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

ملخص المادة العلمية

- فضل العلم على المال - أن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله - الأدلة على فضل العلم

عن عقبة بن عامر الجهني قال: خرج علينا رسول الله ونحن بالصفة فقال: ((أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم))؟ فقلنا يا رسول الله كلنا يحب ذلك. قال: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)).

هذا حديث عظيم جدا، أراد به النبي الترغيب في الغدو إلى طلب العلم، فضرب لهم هذا المثل تقريبا للفهم :

((أيكم يحب أن يغدو)) أي يذهب في الغدو وهو أول النهار.

((إلى بطحان)) اسم موقع بقرب المدينة.

((أو العقيق)) وهو واد بالمدينة، ((فيأتي منه بناقتين كوماوين)) الكوماء: الناقة العظيمة السنام، وهي من خيار مال العرب.

((في غير إثم ولا قطيعة رحم)) يعني يأخذ هاتين الناقتين حلالا طيبا من غير أن يرتكب ما يوجب الإثم ولا أن يقطع رحما. فقالوا: ((كلنا يحب ذلك يا رسول الله)).

فقال : ((أفلا يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل)).

وهكذا أراد أن يبين لهم أن الغدو في طلب العلم خير من الغدو في جمع مال كثير حلال طيب، وإنما ذكر هذا على سبيل التمثيل والتقريب، وإلا فمعلوم أن آية واحدة من كتاب الله خير من الدنيا وما فيها، كما قال تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [الكهف:46].

وقال علي : العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالنفقة، وقال الزبير بن أبي بكر: كتب إلي أبي بالعراق: عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالا، وإن استغنيت كان لك جمالا.

وقد دل على ذلك كتاب ربنا، قال تعالى: ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين [النمل:15].

فخصّ العلم بالذكر مع أنه آتاهما مالا وملكا. وذكر أنهما قالا: الحمد لله، لاعتقادهما أنهما بالعلم فًضّلا على كثير من عباد الله المؤمنين. وهذه الآية كقوله تعالى لنبينا محمد : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [النساء:113].

فحقّ على كل مسلم أن يسعى في طلب العلم قدر استطاعته، وأن يرحل في طلبه ويركب الصعاب، فإن الله تعالى قد أمر بذلك فقال: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [التوبة:122].

فحث سبحانه جماعة المسلمين على أن يخرج بعضهم في طلب العلم حتى إذا رجعوا علّموا المقيمين. وسمّى سبحانه الخروج في طلب العلم نفيرا كالخروج في طلب العدو، فدل على أن السفر لطلب العلم جهاد كالسفر لقتال الأعداء.

ولذا قال أبو الدرداء : من رأى الغدو والرواح في طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص عقله ورأيه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أفضل الجهاد من بنى مسجدا فعلّم فيه القرآن والفقه والسنة.

وقال معاذ بن جبل : تعلموا العلم فان تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد. ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد؟ تأتي مسجدا فتقرئ فيه القرآن، وتعلّم فيه الفقه.

ويؤيد تلك الآثار قول النبي : ((من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلّمه أو يعلّمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله)).

وقال : ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)). ومعلوم أن الجهاد باللسان إنما هو بإقامة الحجة عليهم، ودعائهم إلى الله تعالى، ونحو ذلك. كما قال تعالى لنبيه : فلا تطع الكافرين وجاهدهم به أي بما نزل إليك من الحق جهادا كبير [الفرقان:52].

أي لا يخالطه فتور، بأن تلزمهم بالحجج والآيات، وتدعوهم إلى النظر في سائر الآيات، لتزلزل عقائدهم.

وجدير بالذكر أن العلم إنما يفضّل على الجهاد ما لم يتعين الجهاد، فإذا تعين لم يجز القعود عنه بحجة التعلم أو التعليم.

فيا أيها الشاب تعلّم، فإن طلب العلم  فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة، ولو لم يكن في طلب العلم إلا أن تنفي عن نفسك وصف الجهل لكفى. فكيف والله تعالى قد وعد أن يرفع الذين أوتوا العلم درجات، ونفى التسوية بين أهل العلم وغيرهم كما نفاها بين الأعمى والبصير، والظلمات والنور، والظل والحرور، وكما نفاها بين الطيب والخبيث، وأهل الجنةوأهل النار. قال تعالى: وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات [فاطر:19-22].

وقال تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث [المائدة:100].

وقال تعالى: لايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة [الحشر:20].

وكذلك قال: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر:9].

بل إن الله تعالى جعل الناس رجلين: عالما وأعمى، فقال تعالى: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى [الرعد:19].

والمراد بالأعمى الجاهل الذي لم يتعلم ما أنزل الله على رسوله من الهدى ودين الحق، فهو أعمى، لأن العلم نور، والجهل ظلمة، فالجاهل يتخبط في ظلمات الجهل كالأعمى لا يهتدي سبيلا. ولذلك قيل: العالم يعرف الجاهل، والجاهل لا يعرف العالم.

والآيات في فضل العلم وشرفه وشرف أهله كثيرة، منها قوله تعالى: وقرآنا فرقناه لتقرأه علىالناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوابه أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا [الإسراء:106-109].

فأمر الله تعالى النبي أن يكتفي بإيمان أهل العلم عن إيمان من سواهم.

وقوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيزالحكيم [آل عمران:18].

فاستشهد سبحانه بأهل العلم على أنه لا إله إلا الله.

وأمر نبيه أن يستشهد بهم على أن محمدا رسول الله فقال تعالى: ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب [الرعد:43].

وأخبرسبحانه أن العلماء سيشهدون للأنبياء على أممهم يوم القيامة، فقال تعالى: وكذلك جعلناهم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة:143].

والخطاب وإن كان للأمة إلا أنه من العام المخصوص، لأن الجاهل شهادته مردودة، ولذا قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، باب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وما أمرالنبي بلزوم الجماعة وهم أهل العلم. ثم روى بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : ((يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب. فتسأل أمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير. فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته.

فيجاء بكم فتشهدون، ثم قرأ رسول الله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا - قال: عدلا - لتكونوا شهداءعلى الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )).

وحسبك في فضل العلم أن الله لم يأمر نبيه أن يسأله المزيد من أي شيء سوى العلم، فقال له: وقل رب زدني علما [طه:114].

ولذا كان يقول بعد الانصراف من صلاة الصبح: ((اللهم إني أسألك علما نافعا، وعملا متقبلا، ورزقا طيبا)).

والأحاديث في فضل العلم كثيرة، منها:

قوله : ((من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بمايصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).

وسلوك الطريق لالتماس العلم يدخل فيه سلوك الطريق الحقيقي وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، ويدخل فيه سلوك الطرق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم، مثل حفظه ومدارسته ومذاكرته، ومطالعته وكتابته والتفهم له ونحو ذلك من الطرق المعنوية التي يتوصل بها إلى العلم.

وقوله : ((سهّل الله له طريقا الى الجنة)) قد يراد بذلك أن الله يسهل له العلم الذي طلبه وييسره عليه فإن العلم يوصّل إلى الجنة، وهذا كقوله تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر [القمر:17].

قال بعض السلف: فهل من طالب علم فيعان عليه.

وقد يراد أن الله ييسر لطالب العلم الانتفاع به والعمل بمقتضاء فيكون سببا لهدايته ولدخول الجنة.

وقد ييسر الله لطالب العلم علوما أخر فينتفع بها وتكون موصلة الىالجنة، كما قيل: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم. وكما قيل: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. وقد دل على ذلك قوله تعالى: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى [مريم:76].

وقوله تعالى: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [محمد:17].

ومعنى وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم العطف عليه ورحمته، كما قال تعالى في حق الوالدين: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة [الإسراء:24].

أي: تواضع.

ويحتمل أن يكون المراد أن الملائكة إذا رأت طالب علم يطلبه من وجهه ابتغاء مرضاة الله فرشت له أجنحتها في رحلته وحملته عليها فيسلم من الإعياء والتعب، وتقرب عليه الطريق البعيدة فلا يصيبه ما يصيب المسافر من أنواع الضرر. ولعل هذا هو السر في أن موسى عليه السلام لما خرج في طلب الخضر ليتعلم منه لم يعي حتى جاوز مكانه فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا [الكهف:62].

فيا أيها الشاب: كن عالما أو متعلما، أو متبّعا أو محبا، ولا تكن الخامس فتهلك. كان هذا فضل العلم عامة، أما القرآن خاصة فالاشتغال به تعلما وتعليما من خير العمل، ولذا قال : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).

وقال : ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)).

وقال : ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)).

وقال : ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو)).

وقال : ((يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)).

فعليكم بالقرآن شباب الإسلام، تغنّوا به، وقوموا به آناء الليل وآناء النهار، فإن القرآن هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، والصراط المستقيم، عصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتبعه.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية اضف إلى رف الخطب

إلى أعلى