أيها المسلمون، إن ديننا الإسلامي الحنيف يصون كرامة الإنسان من العدوان، فالإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه، لذلك فقد أعطى الإسلام لولي الأمر الحق في أن يعفو عن الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين إن رأى المصلحة في ذلك: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً، أو يأخذ منهم الفداء إذا احتاج المسلمون ذلك.
ومما يدل على سماحة المسلمين مع أسراهم ما ذكرته كتب السيرة والتاريخ من عفو صلاح الدين الأيوبي رحمه الله عن أولئك الذين قتلوا رجال ونساء وأطفال المسلمين في بيت المقدس. هذا الموقف من القائد صلاح الدين الأيوبي ليس جديدًا، فقد تعلم ذلك من رسوله ونبيه محمد الذي خاطب أهل مكة بعد فتحها، وهم الذين طردوه وأصحابه وعذبوهم وأخذوا أموالهم، فقال لهم النبي : ((ما تظنون أني فاعل بكم؟)) قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال قولته المشهورة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)). هذا هو رسولنا محمد ، لم يقتل، ولم يعتقل، ولم ينف، لم يهدم بيتًا، لم يصادر أرضًا، لم يقطع طريقًا، لم يمنع ماء، كما تفعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ شعبنا الفلسطيني المرابط وأبنائه الأبطال من الأسرى والمعتقلين.
كما علم النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن من سيطر على أسير وأعطاه عهد الأمان على حياته فلا يجوز له أن يهدر عهد الأمان معه بعد ذلك، لما ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((من آمن رجلاً على نفسه فقتله فأنا بريء من القاتل)).
وبلغت سماحة الإسلام مع الأسرى أن منع التفريق بين الوالدة وولدها في الأسر، ((من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة))، بل وطالب الإسلام أتباعه أن يكونوا مؤدبين مع الأسرى: ((لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي))، فكأنهم أفراد من أسرة ذلك المالك والأسير.
أيها المسلمون، لقد قرَّر الإسلام بسماحته أنه يجب على المسلمين إطعام الأسير وعدم تجويعه، وأن يكون الطعام مماثلاً في الجودة والكَمِّيَّة لطعام المسلمين، كما أوصى النبي أصحابه بحُسن معاملة الأسرى فقال : ((اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا))، كما نهى النبي عن تعذيب وامتهان الأسرى، فقد رأى أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم: ((لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا)).
أيها المسلمون، لقد ضرب أسرانا البواسل أروع الأمثلة في حبهم لوطنهم وعقيدتهم رغم القيد وظلم السجان، فهم يعيشون آلام وآمال شعبهم، حيث جسدوا حقيقة الشعب الفلسطيني بوحدتهم داخل السجون، واتفاقهم على وثيقة الأسرى للوحدة، لذلك نقول لأبناء شعبنا الفلسطيني وقادة الفصائل الأكارم: إن خير تكريم للأسرى هو تلبية نداءاتهم والاستجابة لاستغاثاتهم، بضرورة الوحدة وتنفيذ وثيقتهم التي تم الاتفاق عليها.
وأقول لأسرانا البواسل: نحن في انتظار حريتكم إن شاء الله، لتساهموا في بناء هذا الوطن الغالي، كما ساهمتم في الذود عنه، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت بإذن الله، ويسألونك: متى هو؟ قل: عسى أن يكون قريبًا.
وفي الختام نقول لكم: يا أسرانا البواسل، ويا قادتنا العظام، أنتم في قلوب كل الفلسطينيين، وسنحافظ على وصيتكم وعهدكم، ولن يخذلكم شعبكم إن شاء الله، وسيحافظ على وحدته وحرمة دمه؛ لأن فلسطين التي ضحيتم من أجلها ستبقى أكبر من الجميع، ولن يهدأ لنا بال، ولن يكون هناك استقرار إلا بخروج آخر أسير منكم، كي تتنفسوا نسائم الحرية، وكي تساهموا في بناء وطننا الغالي الذي ضحيتم جميعًا من أجله.
هذا هو أبسط حق لكم في رقاب أشقائكم وشعبكم الفلسطيني، حيث سيعمل الجميع على إطلاق سراحكم إن شاء الله.
الرحمة لشهدائنا، والحرية لأسرانا، والشفاء لجرحانا، ودعوة من القلب بأن يجمع الله شملنا ويوحد كلمتنا ويؤلف بين قلوبنا، وأن يزيل الغل من صدورنا، اللهم آمين يا رب العالمين.
نسأل الله أن يحرر أسرانا ويحفظ شعبنا وأمتنا ومقدساتنا من كل سوء...
|