.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

وقفات مع أحداث غزة المؤلمة

5949

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

صالح بن عسير الشهري

جدة

12/1/1430

جامع أبي بكر الصديق

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- ضعف الأمة وهوانها. 2- ظاهرة فقدان المشاعر وتبلّد الإحساس. 3- زيف الشعارات الغربية. 4- وقفة مع اليهود وأذنابهم. 5- وقفة من المتخاذلين. 6- وقفة مع أهل غزة.

الخطبة الأولى

ثم أما بعد: فيا معاشر المؤمنين، فإن الضعف والهوان قد بلغ بهذه الأمة مبلغا لم تبلغه خلال قرون عديدة وأزمنة مديدة من تأريخها المشرق والمشرّف، ومن يهنِ الله فما له من مكرم، وأصبحت تعيش روحا انهزامية لم تعشها فيما سبق من تأريخها الكبير وجهادها الطويل، وبلغت مع الأسف الشديد من الجبن والذل والخور مبلغا لم تبلغه منذ نشأتها وإشراق فجرها، جعلت أعداءها اليهود على قلة عددهم وكثرة عددها لا يقيمون لها وزنا، ولا يخشون لها بطشا، جاء في سنن أبي داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)).

ولعل أبلغ وصف لحال الأمة وما وصلت إليه من الضعف والهوان وتردي الحال وتسلط الأعداء ما جاء على لسان الشاعر، حيث قال:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم    ولا يستأمرون وهم شهود

وقد سلبت عصاك بنو تَميم     فما تدري بأي عصا تذود

لقد غيبت الأمة عن قضاياها المصيرية وأهدافها الحيوية بشكل لم يسبق له مثيل، لدرجة أن القنابل والصواريخ والرصاص تخترق أجساد الأطفال قبل الرجال، وتراق بسببها في الشوارع والطرقات الدماء، وتهدم البيوت على رؤوس أصحابها الأبرياء، والمساجد على من فيها من المصلين الشهداء، والأمة في سبات عميق، وإعلامها مكبل في قيوده أسير، فالقنوات الفضائية والإذاعات الأرضية ـ إلا القليل منها ـ مشغولة ببث الموسيقى الصاخبة والأغاني الماجنة والأفلام الساقطة، لهو ومجون حتى في أحلك الظروف وأصعب المواقف، وكأن ما يجري في غزة وغيرها من بلاد المسلمين لا يعنيها، ولن يطالها مثله يوما ما.

ولقد بلغ الحال بالأمة أن فقدت حتى مشاعرها، وتخلت عن أحاسيسها، لدرجة أن ما يجري لأهل غزة من القتل والجوع والبرد لا يخفى على أحد، ويشاهده كل من له أدنى نظر، إلا أن الأمة بكل أسف مشغولة بركل الكرة هنا وهناك، والجمهور يتابع من المدرجات وخلف الشاشات، يصفق لهذا اللاعب أو ذاك، حياة كلها لعب في لعب، مشاعر معدومة، وأحاسيس مكلومة، لم تؤثر فيهم حتى مشاهد دماء الأبرياء، ولا دموع الآباء والأمهات على الأبناء، ولا آهات المستضعفين من الرجال والنساء.

يا أمة الإسلام، أين مبدأ الجسد الواحد؟! أين التألم لآلام المضطهدين؟! أين نصرة المظلومين؟! جاء في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي قال: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).

عبر أحد الشعراء عن هذه الأزمة التي تعيشها الأمة؛ أزمة الضعف والهوان، أزمة التغييب والتغريب، أزمة فقد المشاعر، أزمة الانغماس في الملذات والشهوات حتى في أحلك الظروف وأصعبها، عبر عن ذلك فقال:

وشغلُك فِي مسـامرةٍ ولَهوٍ    وَهَمّ عِـداكَ خافقةُ البنودِ

وفي دنيـاك تفتقـد العوالي    و توجد كل راقصةٍ وَعُودِ

أتعقلُ ما دَهَتْك به الرزايـا    وتبصر ما جَنَتْهُ يدُ اليهودِ؟

وتطربُ والدماء هناك سالَت    ورَوَّت كلّ رابيـةٍ وبِيـدِ

يعيـث بأمّتِي قتـلا و أسرًا   ويهتِك عرضَها نَتَنُ القرودِ

بِغزّةَ في العَراءِ تَصيحُ ثَكلَـى   فتُرجَمُ بالقذائفِ والرعودِ

وأشـلاءٌ مبعْثَـرَةٌ لِـقـومٍ   يَزينُ جِباهَهُم أثَرُ السجودِ

وأطفالُ الحصارِ قضَوا سِراعًا    ضحايا كلِّ كاذبة الوعودِِ

مَجازرُ ضجّت الفَلَواتُ منها    وشابَ لَهُنّ ناصيـة الوليدِ

إلامَ نَظَلّ نرتقـب المآسِـي    وننظر للفواجعِ مـن بعيدِ؟

نخَدّر بالسـلامِ وكلّ يـومٍ     نُساقُ إلَى المذابِحِ من جديدِ

ونَحلُمُ في المنامِ بِجيشِ سعدٍ     وسيفٍ سُلّ فِي زمنِ الرشيدِ

ونرقب وثْبَةً لصَلاح تجلـو     دياجير الْمذلّـة والرقـودِ

فإذ بالغادرين بنا أحـاطوا     وَ أزّوا كلَّ شيطانٍ مريـدِ

يا أمة الإسلام والعروبة والإباء، إن الأحداث المتتابعة والأشلاء المتناثرة والجثث المتراكمة التي تجري تفاصيلها على أرض غزة، والتي دخلت أسبوعها الثالث، ووتيرتها في ازدياد، ولا يعلم نهايتها إلا الله جل جلاله، والعالم شرقه وغربه يتفرج على سير تلك الأحداث، ويشجع المجرم على إجرامه، ويؤيده على فعلته، جعلتني أصِل إلى قناعة تامة، أن هذا العالم بهيئاته ومجالسه وأنظمته وقوانينه لا عَدل لديه ولا أمان، ولا مصداقية له ولا سلام، وأنه حينما أنشأ تلك المنظمات والمؤسسات والجمعيات لم يكن الغرض من ذلك إرساء السلام، ولا دفع الظلم عن الأنام، وإن كان هذا ما يدّعيه ويزعمه، لكنها ادعاءات مجردة، تكذبها الأفعال المنفّذة على أرض الواقع، وإنما الغرض المبطن والهدف غير المعلن تكريس هيمنته، وتدعيم سيطرته، وفرض أمر واقع هو يريده؛ لتحقيق مصالحه ونصرة بني جلدته، على حساب الضعفاء ومن خلال جماجم الشهداء، وعلى ضوء ما يجري من التآمر الثلاثي (اليهود، راعية الإرهاب، أطراف عربية عميلة) غير المعلن على أهل غزة فإنني سأقف مع هذه الأحداث ثلاث وقفات:

الوقفة الأولى: مع اليهود وأذنابهم من الخونة والمرتزقة:

فأما اليهود فإنهم أجبن وأرعن من وجد على ظهر هذه البسيطة، لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ [الحشر: 14]، لكنهم لما علموا أن أمة الإسلام قد تخلت عن دورها، وتنازلت عن قيادتها، واستسلمت لأعدائها، استأسد اليهود وهم ليسوا بأسود، وتشجعوا وهم ليسوا بشجعان، بدليل أن أكثر من ثلث شهداء غزة من الأطفال، والثلث الثاني من النساء، وليت هؤلاء قتلوا وجها لوجه، وإنما كان قتلهم نتيجة ما يلقى عليهم من الصواريخ بطائرات الأباتشي، والإف16، ليس هذا فحسب بل إن هذه الحرب البعيدة عن كل القيم الإنسانية والأخلاقية شنت على أهل غزة بعد أن تم حصارهم وتجويعهم ردحا من الزمن، كل ذلك حتى لا يظهروا أي نوع من المقاومة، ويستسلموا من أول ضربة، وهذا لعمري ـ يا معشر يهود ـ يمثل غاية الجبن والذل والعار والشنار.

وأقول لليهود، ولمن أمدّ اليهود وسهل مهمتهم، أقول لهم جميعا: والله ثم والله ثم والله ثقة بالله، وثقة بوعد الله، وثقة بنصر الله، لو أبدتم أهل غزة واحدا واحدا لأخرج الله من أصلابهم من يقاتلكم، وعن غزة يدحركم، ويأخذ بدماء من قتلتم من الأبرياء والعزل.

وأما الخونة والمتآمرون على أهل غزة فإن التاريخ لن يسامحهم، وإن أهل غزة لن ينسوا موقفكم المخزي والفاضح، وإن جثث الأطفال المتفحمة وحمام الدماء المتصببة والأشلاء المتناثرة لن تترككم تنعمون، ولا بكراسيكم تهنؤون وإن طال الزمن.

الوقفة الثانية: مع كل من تخاذل أو أعرض عن نصرة أهل غزة:

أقول لهم: ماذا ستقولون لربكم إذا قدمتم عليه؟! هل سيغني عنكم لهوكم ولعبكم وانشغالكم عن نصرة إخوانكم؟! ألم يدر بخلدكم أنه قد يحل بكم يومًا ما من البلاء والعذاب ما حل بهم أو أشد؟! ألم يتبادر إلى أذهانكم وأنتم تنظرون إلى جثث الأطفال المتفحمة كيف سيكون حالكم لو أن أطفالكم يقتلون أمامكم؟! ألم تستشعروا حجم معاناة أهل غزة وقد وقعوا فريسة لليهود والجوع والبرد، أم أنه قد ماتت مشاعركم وأزيلت أحاسيسكم؟! تصوروا ـ يا من تخاذلتم عن نصرة إخوانكم ـ أن أطفالكم يتضاغون بين أيديكم، ويتضورون من الجوع والعطش وأنتم لا تجدون لقمة تقدّمونها لهم، أو شربة ماء تسقونهم.

ألا فليتق الله كلّ من تخاذل أو أعرض عن نصرة المستضعفين والمظلومين في غزة ولو بأقل القليل، قبل أن يبتليكم الله بمثل ما ابتلاهم به، ويحل بكم ما حل بهم، فإن الجزاء من جنس العمل.

جعلني الله وإياكم ممن نصر دينه وكتابه وسنة نبيه وإخوانه المسلمين في كل مكان.

 

الخطبة الثانية

ثم أما بعد: فيا معاشر المسلمين، الوقفة الثالثة: مع أهل غزة، أهل الإباء والصمود:

أقول لهم: هنيئا لكم هذا الاصطفاء، هنيئا لكم هذا الإباء، هنيئا لكم هذه التضحيات، هنيئا لكم وأنتم تجودون بأرواحكم وأرواح أبنائكم ونسائكم رخيصة في سبيل الله.

يا أهل غزة، الله الله أن يصيبكم الوهن أو يدب إلى نفوسكم الملل، فإنكم بصبركم وجهادكم ستبلغون المنازل العليا من الجنان، وغيركم يتبوأ الدركات السفلى من النيران.

يا أهل غزة، لست حزينا على شهدائكم، فإن ما أعد الله لهم من الأجر والثواب خير وأبقى، وإنما أنا حزين غاية الحزن على من تآمر على قضيتكم، وباع أخوّتكم، وراهن على إبادتكم، كشف الله لكم مؤامرتهم وأبطل كيدهم ومكرهم.

ألا يا جِيرَةَ الأقصى هنيئًـا     لكُم أجرُ المرابِطِ والشهيدِ

لكم منّا السلامُ ففي ثَراكُم     حِكايات البطولةِ والصمودِ

لكُم منّا الدعـاءُ فلا تُبالُوا     بغَدرِ النذلِ أو مكرِ العبيدِ

لَكُم ربٌّ يذيق الظلم بأسًا      ويقصِم كلّ جبّارٍ عنيـدِ

إذا اشتَدّ الظلامُ فليس بُدُّ       من الفجر المعطّر بالورودِ

أبشروا يا أهل غزة فإني أرى النصر يلوح في الأفق، أبشروا يا أهل غزة فإن النصر مع الصبر، أبشروا يا أهل غزة فإن دعواتنا وصلواتنا تحيط بكم، وتحفكم بالليل والنهار، حتى تستردوا كرامتكم، وتستعيدوا أرضكم، وتعيشوا حياة هانئة كريمة، كما يعيشها المتآمرون والمتأمركون، وما ذلك على الله بعزيز.

هذا وصلوا وسلموا على خير البرية...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً