أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وأخلصوا له العبادة، مقتدين بنبيكم – - حتى تكون أعمالكم صحيحة مقبولة عند الله تعالى.
عباد الله: لا شك ان زيارة مسجد رسول الله – - سنة ثابتة. لقوله – -: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الاقصى )). وأخبر أن الصلاة في مسجده أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام. فدل ذلك على مشروعية زيارة مسجده – - والسفر من أجل ذلك. طلبا لهذا الفضل العظيم ولكن بعض الزائرين يخطئون في ذلك اخطاء كثيرة.
منها: اعتقاد بعضهم أن زيارة المسجد النبوي الشريف لها علاقة بالحج، أو أنها من مكملاته أو من جملة مناسكه. وهذا خطأ واضح، لأن زيارة المسجد النبوي ليس لها وقت محدد من السنة، ولا ارتباط لها بالحج أصلا. فمن حج ولم يزر المسجد النبوي فحجه تام وصحيح.
ومنها: اعتقاد بعضهم أن زيارة المسجد النبوي واجبة. وهذا اعتقاد غير صحيح. لأن زيارة المسجد النبوي سنة. فلو لم يزره طوال حياته فلا شيء عليه. ومن زاره بنية صالحة حصل على ثواب عظيم، ومن لم يزره فلا اثم عليه.
ومنها: إن بعض الزوار يعد زيارة مسجد الرسول زيارة لقبر الرسول. وهذا خطأ في التسمية قد يكون مصحوبا بخطأ في الاعتقاد، لأن أصل الزيارة التي يسافر من أجلها هي لمسجد الرسول – - بقصد الصلاة فيه، وتدخل زيارة قبر الرسول – - وزيارة غيره من قبور الصحابة وزيارة قبور الشهداء تدخل تبعا لزيارة المسجد.لا أنها تقصد بالسفر أصالة.لأن النبي – - نهى عن السفر الذي يقصد به التعبد في مكان من الأمكنة إلا إلى المساجد الثلاثة. فلا يسافر لأجل زيارة قبور الانبياء والأولياء ولا لأجل الصلاة في مسجد من المساجد غير الثلاثة، وأما الأحاديث التي وردت في الحث على زيارة قبر الرسول – - لمن حج البيت فكلها أحاديث لا يحتج بواحد منها، لأنها إما موضوعة وإما ضعيفة متناهية الضعف كما بين ذلك أئمة الحفاظ، لكن من زار مسجد رسول الله – - استحب له زيارة قبره وزيارة غيره من القبور تبعا لزيارة المسجد. وأخذا من عموم مشروعية زيارة القبور بشرط أن تكون زيارة شرعية يقتصر فيها على السلام على الموتى والدعاء لهم بالرحمة والرضوان. لا الاستغاثة بهم من دون الله وطلب الحوائج منهم فإن هذه زيارة شركية لا شرعية.
ومن الأخطاء التي تحصل ممن يزورون المسجد النبوي الشريف أنهم يظنون أنه لا بد أن يصلوا فيه عددا محددا من الصلوات أما أربعين صلاة ونحو ذلك. وهذا الخطأ، لأنه لم يثبت عن النبي – - تحديد للصلوات التي يصليها الزائر لمسجده، والحديث الوارد بتحديد اربعين صلاة حديث غير ثابت ولا يحتج به، فعلى هذا يصلي ما تيسر له من الصلوات بدون تقيد بعدد.
ومن الاخطاء العظيمة التي يقع فيها بعض من يزورون قبر النبي – - رفع الاصوات عنده بالادعية. يظنون أن للدعاء عند قبره مزية، وأن ذلك مشروع وهذا خطأ عظيم. لأنه لا يشرع الدعاء عند القبور. وإن كان الداعي لا يدعو الا الله. لأن ذلك بدعة ووسيلة إلى الشرك، ولم يكن السلف يدعو عند قبر النبي – - إذا سلموا عليه. وانما كانوا يسلمون ثم ينصرفون. ومن أراد ان يدعوا الله استقبل القبلة ودعا في المسجد لا عند القبر ولا مستقبل القبر. لأن قبلة الدعاء هي الكعبة المشرفة فلينتبه هذا.
ومن الأخطاء العظيمة التي يقع فيها بعض من يزورون مسجد الرسول – - أنهم يذهبون لزيارة أمكنة في المدينة أو مساجد لا تشرع زيارتها. بل زيارتها بدعة محرمة، كزيارة مسجد الغمامة ومسجد القبلتين والمساجد السبعة، وغير ذلك من الأمكنة التي يتوهم العوام والجهال أن زيارتها مشروعة، وهذا من أعظم الاخطاء، لأنه ليس هناك ما تشرع زيارته في المدينة من المساجد غير مسجد الرسول – - ومسجد قباء للصلاة فيهما، أما بقية مساجد المدينة فهي كغيرها من المساجد في الارض لا مزية لها على غيرها ولا تشرع زيارتها، فيجب على المسلمين أن ينتبهوا لذلك ولا يضيعوا أوقاتهم وأموالهم فيما يبعدهم عن الله وعن رحمته، لأن من فعل شيئا من العبادات لم يشرعه الله ولا رسوله فهو مردود عليه. ولم يدل دليل على زيارة المساجد السبعة، ولا مسجد القبلتين، ولا مسجد الغمامة، لا من فعل الرسول – - ولا من أمره، وانما هذا شيء محدث مبتدع.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. وليس لدخول مسجد الرسول – - ذكر مخصوص. وإنما يقول الزائر عند دخوله: بسم الله والصلاة والسلام على رسوله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم من الشيطان الرجيم. اللهم افتح لي أبواب رحمتك. كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، ثم يصلي ركعتين يدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والاخرة. وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل. لقوله : ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )) ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي وقَبْرَي صاحبيه: أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - قائلا: السلام عليك يا أبا بكر ورحمة الله وبركاته. السلام عليك يا عمر ورحمة الله وبركاته. وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – إذا سلم على الرسول – - وصاحبيه لا يزيد على قوله: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا ابتاه. ثم ينصرف. وهذه الزيارة إنما إتشرع في حق الرجال خاصة. أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور. لا قبر النبي – - ولا غيره. لأن النبي – - لعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. وهذا يعم مسجد الرسول وغيره، فالمرأة تكفيها زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه. وليس للزائر إلا أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول – - وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلوات النوافل اغتناما للأجر ما دام في المدينة أيام زيارته إن بقي فيها. وإلا فإنه يكفيه ما تيسر من الصلوات بدون تحديد.
فاتقوا الله عباد الله، واغتنموا الأوقات قبل الفوات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الالباب [البقرة:197].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . . .
|