أيها الإخوة المؤمنون، تبثّ وتعلن لنا القنوات الفضائية المأجورة كلّ يوم على مدار الساعةِ أفكارًا ومفاهيم ومعتقدات مضلّلة للمسلم، لا سيما وهناك بعض المسلمين يشعرون بالخوف والخذلان والانهزام بسبب الحرب التي بدأتها أمريكا ضد العالم الإسلامي وأعلنها بوش وحكومته، التي تدعو للتشكيك في ديننا الإسلامي وقدرة هذا الدين على البقاء والاستمرار، واخترعوا لها اسمًا كعادتهم في كلّ حرب أو عملية، يسمونها باسم، وسموها الحرب الفكرية أو حرب الأفكار والأيديولوجيات، مثل مطالبتهم بتغيير المناهج وتعديل أساليب التربية والتعليم العام والديني وعمل قواعد للتغيير الشامل في العالمين العربي والإسلامي، وجندوا لهذا الأمر ملايين الدولارات ومئات القنوات الفضائية والآلاف من علماء السوء والضلال؛ ليخرجوا هذا الجيل من دينه ويتقبلهم ويتقبل أفكارهم، وإلا اعتُبر إرهابيًا.
ونحن كمسلمين لا نستطيع أن نجاريهم في هذا الجانب، ولا نستطيع مواجهتهم إلا بالتمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا محمد ، مهما حاولوا التشكيك أو بث الفتنة أو محاولة إيجاد تناقض في مناهجنا، ويأتون بعلماء علمانيين جهلة بدين الله، ويحشدوا لهم جماهير من البسطاء والدهماء، ويوزعون عليهم جوائز ثمينة جدا ليستقطبوا مزيدًا من الجماهير لمتابعة قنواتهم الخبيثة، كل ذلك ليشككوا المسلم العادي بدينه ويخرجوه من دائرة الإسلام أو على أقل تقدير يجعلونه في حيرةٍ من أمره، كما ينادي منصّروهم بهذا بشكل علني، وهم ينادون بالحرية في كل شيء: الحرية الجنسية الحرية الدينية وأن الإنسان حر في هذه الحياة يختار ما يشاء ويستمتع كيفما يريد دون ضوابط، وإذا مات انتهت حياته، فعليه أن يستغل هذه الحياة ويفعل ما يحلو له، ولا يؤمنون بجنة ولا بنار.
مثل هذه الأفكار والاعتقادات قال بها أُناس سابقون، وبين ذلك ربنا في كتابه الكريم، ونبهنا نبينا محمد بأن من أمته من سوف يقول مثل قولهم، فقال : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: ((فمن؟!))، يعني: ومن غير هؤلاء المفسدين الذين يعملون ليلاً ونهارًا لإفساد المسلم؟! إلا أن رسولنا طمأننا بقوله: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي)) أو كما قال .
ففي كتاب الله كل شيء يخطر على البال من استفسار أو تعجب، ومبيَّن لنا فيه الجواب الشافي الكافي، وكما قال سبحانه: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ، كل شيء موجود في هذا الكتاب العظيم الذي أنزله ربنا رحمة لخليله ومصطفاه محمد وأمته من بعده، وتعهد سبحانه بحفظه كما قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، فمن انحرف عنه وتابع كل ناعق فقد هلك وضل سواء السبيل.
أيها الناس، الله حينما خَلَقَنا خَلَقَنا للعبادة، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ، فتحقيق العبودية لله مطلب شرعي لكل إنسان، لا بد له من تحقيقه، وإن الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات كلها لعبادته من إنس وجن وملائكة وحيوان وجماد وغيرها كثير، يقول تعالى مؤكدًا هذا المعنى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، كل الكائنات والأشياء تسبح لمولاها وخالقها، ولكن نحن لا نعلم ولا نعرف لغتها، إلا أن هذا الإنسان العنيد هو أقل الكائنات عبودية لله وأكثرها معصية وأشدها استكبارًا مع أن الله اجتباه وفضله على المخلوقات بأشياء كثيرة منها العقل والتمييز، قُتِلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ.
يبين لنا الله في كتابه الكريم أمثلة كثيرة مشابهة للأفكار الكفرية التي تصدر من العلمانيين والملحدين في عصرنا هذا، كقوله: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: ٧٧-٧٩].
فيا أيها الإنسان، يا من خلقه ربه وصوره، يا أيها الإنسان، يا من تعدى حدود الله وانتهك حرمات الله وأكل نعم الله ووطئ أرض الله واستظل بسماء الله، إنك سوف تُعرض على الله، ويل لك أيها الإنسان الغبي، أما فكرت في القدوم على الله يومًا ما؟! انظروا إلى رحمات الله كيف ينادي عبده العاصي ويستلطفه: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟! ما الذي غرك حتى تجاوزت حدود الله وانتهكت حرماته؟! يا أيها الإنسان، أما كنت نطفة؟! أما كنت ماء؟! أما كنت في عالم العدم؟! مسكين هذا الإنسان، حقير هذا الإنسان إذا بعُدَ عن الله.
إخوة الإسلام، من هذا المجرم الذي تكبر وتجبر ونسي أنه خُلِق من ماء مهين وذكّره الله تعالى في قوله: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ، وأنكر البعث والنشور، وله أشباهه كثيرون في عصرنا هذا، إنه العاص بن وائل، وقيل: أبي بن خلف الذي أغناه الله وثمَّر ماله وأصَحَّ جسمه ورزقه الأولاد، ولكنه كفر بلا إله إلا الله، أتى إلى الرسول بعظم بال فتتهُ ونفخه أمام الحبيب المصطفى وقال: يا محمد، أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يُميتها، فقال عليه الصلاة والسلام: ((نعم، ويميتك الله، ثم يبعثك، ثم يدخلك النار)) أخرجه الحاكم.
يقول تعالى عن هذا الكافر الجاحد: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً أي: أتى يضرب لنا الأمثال، نسي معروفنا وكرمنا، ونسي جميلنا وأتى يضرب لنا الأمثال، وَنَسِيَ خَلْقَهُ، من أنشأه من العدم؟ من الذي أغناه من الفقر؟ من الذي مشاه على الأرض؟ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ، رُوي أن هذا المجرم المسمى العاص بن وائل أو أبيّ بن خلف الذي أتى بالعظم البالي لرسول الله أتاه أحد الفقراء من المسلمين وقد عمل له عملاً واشتغل له شغلاً فقال له الفقير: يا أبا عمرو أعطني أجرتي، قال: أتؤمن أن الله يبعثنا يوم القيامة؟ قال: نعم، فقال ضاحكًا مستهزئًا: فإذا بعثنا الله بعثني من قبري وعندي كنوز من الأموال فأحاسبك في ذلك اليوم وأعطيك أجرتك، فرد عليه الله بقول: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا.
إخوة الإسلام، والله لتبعثنّ كما تستيقظون، وتحشرون حفاةً عراةً عُزلاً كما بدأنا أول مرة، وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وسوف نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم ؛ تفلحوا في دنياكم وآخرتكم، ولا تخشون الأعداء ما دمتم متمسكين بكتاب الله وسنة نبيه.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة...
|