إخواني الطلاب، إن تكونوا صغارَ قومِ اليوم فغدًا أنتم كباره، وبقدر تحصيلكم وتفوقكم الدراسي توكّل إليكم المسؤوليات وتناط بكم الأمور والإدارات، وعندئذ تنصرون دينكم وتخدمون بلدكم وتحققون طموحاتكم.
إن الأمة الخاملة صِفر من الأصفار، لكن إن بعث الله لها واحدًا مؤمنًا صادق الإيمان داعيًا إلى الله صار صفر الأصفار مع الواحد مائة مليون، والتاريخ مليء بالشواهد، فحري بكم الاجتهاد في التحصيل والمذاكرة وإخلاص النية لله سبحانه حتى تنالوا أعلى الدرجات وتحوزوا على أسمى الجوائز والتكريمات، وليعلم العالم أنكم ـ يا أحفاد الصحابة ـ أهلٌ للتفوق والابتكارات والاختراعات، وليعلموا أيضًا أن ديننا الذي اتُّهِمنا من أجله هو مصدر تفوّقنا وتميّزنا، فلا تعارض بين الاستقامة والتفوّق، ولا تناقض بين الحجاب والاختراعات العلمية، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
يا شبابَ اليومِ يا رَكبَ العُلا حقِّقوا للدّين آمـالَ الطّلابِ
بِكُـمُ أمّتكم قـد علَّقـت كلَّ آمال لهـا بعد ارتِقـاب
أنتم آمـالهـا لا تصبِحـوا أنتم آلامَهـا مِن كلّ بـابِ
جدَّ إبليس الْهوَى فِي غيّـِه يملأ الأفـقَ بشـرٍّ وتَبـابِ
مـلأَ الشرُّ الدُّنا من حولِكم فاملؤوا الكونَ بخيرٍ مُستطابِ
إن سَعَـى قـوم إلى لذّاتِهم فانفِروا للَّهِ كالأُسدِ الغِضابِ
كم شَبـابٍ فِي فَراغ فُتنوا ضيَّعوه بيْن لَهـوٍ وتَصَـاب
وسعى فِي مَركَباتٍ بعضُهم يَقطَع الآفاقَ فِي لمحِ الشِّهابِ
في فضائِيّـات لَهو مـاجنٍ أدمَنَ البَعضُ كآفاتِ الشَّراب
بَيْن أسفارٍ وَحِلٍّ مَن مَضَى يقنُص اللَّذاتِ نهشًا كالذّئابِ
أَوَيـدري غـافلٌ في لهوِه أيَّ وقتٍ ينتَهي عُمرُ الشبابِ
بَيْن فتحِ العين أو إغماضها يَنفَد العمر كإدبـارِ السراب
يا شبابَ الخير يا كلَّ المنَى لِغدٍ يُرجِـع أمجـادَ الطِّلاب
أَقبِلوا لله في صِدق تَـرَوا كلَّ سَعدٍ فِي حَياة وحِسابِ
احرص على بر والديك وطلب الدعاء منهم قبل الامتحان وأثناء الذهاب إليه وبعده.
إياك والقلقَ وعدم الثقة بالنفس، ولا تجعل لوساوس الشيطان عليك سبيلا، وليكن التفاؤل حاديك في كل أعمالك.
احذر من مصاحبة البطالين والكسالى، واربأ بنفسك عن مجالسهم، وخاصة أهل المعاصي والموبقات، واعلم أن من أقلّ أضرار المعاصي عدم التوفيق في شؤون الحياة.
أخي الطالب، احذر من الغشّ، واعلم أنه حيلة العاجزين وطريق الفاشلين وصفة ذميمة لا تليق بالمؤمنين، كيف والنبي قال: ((من غش فليس منا))؟! فكيف ترجو السداد والنجاح ونبيك يتبرأ من عمل ترتكبه؟! والغش له نتائج سيئة على المجتمع؛ فتخيل طبيبًا نجح بالغش فكيف سيكون ناصحًا للمرضى؟! ولماذا في هذه الأيام نسمع كثيرًا عن الأخطاء الطبية حتى ذهبت أنفس بريئة؟! لعله من الأسباب ظهور بعض الأطباء وبعض المهندسين وبعض الإداريين وبعض الفنيين وبعض المختصين الذين درسوا وتخرجوا ولكنهم بالغش، فغضّ المجتمع بأكمله حتى وجدنا النتيجة فيما نقرؤه في الصحف وفيما نسمعه في الإذاعات، وصدق رسول الله : ((من غشنا فليس منا)).
إذا دخلت صالة الامتحان فأكثر من ذكر التبرؤ من حولك وقوتك، ولا تغتر بحافظتك أو جهدك، وتوكل على الله، والجأ إليه، فإن الله يحب من عبده كثرة الدعاء والإلحاح عليه في ذلك. تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وليكن إقبالك إلى الله وحرصك على طاعته في هذه الأيام دافعًا لك للاستمرار والثبات عليها إلى يوم تلقاه. يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن العبد إذا كان يدعو الله في الرخاء ثم نزلت به شدة فدعا الله قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت معروف، فيشفعون فيه، فإذا كان لا يدعو من قبل ودعا زمن الشدة قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت غير مألوف، لا يشفعون فيه). فاحذر ـ أخي ـ أن تكون ممن يدعو الله في شدته وينساه عند رخائه، وكن كما قال تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا الآية.
أيضًا في هذه الأيام نلاحظ أن بعضًا من أبنائنا قد انشغل بتناول المنبهات والمسكرات، والتي ينشط مروِّجوها في هذه الأيام في صفوف البنين والبنات، فهذه معصية حذّر الشرع منها وعاقب عليها، كما أنها تطفئ نور العلم وتفسد الجسم وتمرضه.
أيها الطلاب، في أيام الاختبارات تكثر التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة والمطاعم الشعبيّة والبوفيات وغير ذلك، وهذه فرصة ثمينة يستغلها ضعفاء النفوس للتغرير بأبنائنا ودعوتهم إلى سيئ الأخلاق، ودعوتهم إلى التعرف على بعض أصدقاء السوء، ودعوتهم على تعاطي الدخان وغيره، بل هذه فرصة أيضًا لاستعراض المهارات والعضلات من خلال التفحيط والعبث بالسيارات أو التجوال حول مدارس البنات.
وحذار ـ أيها الطلاب والطالبات ـ من الاعتماد على الذكاء والحفظ أو النبوغ والفهم وترك الاعتماد على الله، فها هو النبي كان يقول: ((يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)).
تذكر قوله : ((إن لنفسك عليك حقًا))، فذاكر وجد واجتهد، ولكن لا تعذب بدنك وتتعب جسمك بالسهر المتواصل وتكلّفه فوق طاقته.
حذار من تلك الأفعال الدنيئة التي نراها في نهاية كل عام من إهانة لكتب العلم ورميها في الطرقات وتمزيقها والعبث بها، مع أنها تحتوي آيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة، فاحذر أن تكون سببًا في إهانة كلام الله أو كلام رسوله .
ما أجمل أن تكون الاختبارات فرصة لتمتين علاقات الأخوّة وزيادة صفائها ونقائها من خلال مساعدة زملائك بما يحتاجون إليه من توضيح إشكال أو حل مسألة، وما أجمل أن تدعو لأخيك بالنجاح، وتفرح دون أن يكون في قلبك حسد له إذا حقق السبق والتفوق، فقد قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله نعمة من الله على عباده، فإن انتهيت من الاختبارات وكانت النتيجة طيبة فاحمد الله جل وعلا، واعلم أن ذلك بتوفيقه سبحانه، ولتقل بلسان الحال والمقال:
أعطيتني الجليـلا منحتنِي الْجزيلا
سوّغتنِي الجميلا تفضّلاً وطـولاً
بأيّ لفظ أشكرك بأيّ حمد أذكرك
الْحمد للرحمـن والشكر للديان
والمدح للمنـان على العطا الهتّان
وإن كانت الأخرى فلم توفق للنجاح فاحمد الله جل وعلا وأحسن الظن بربك؛ فلعل درجة من الدنيا تفوت فيعوضك الله بها درجات في الآخرة، وكن على الحال التي أخبر عنها النبي : ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)).
أيها الإخوة في الله، وصية للمعلمين والمعلمات بأن يلتزموا الأمانة في وضع الأسئلة وفي تصحيحها، ويعطوا كل ذي حق حقه وكل ذي قدر قدره، كما أمر بذلك الله جل وعلا في كتابه فقال: وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ.
فحذار ـ أيها المعلمون والمعلمات ـ أن تقصدوا بالاختبار التعجيز والأذية والإضرار، فهذه ذرية ضعيفة بين أيديكم، وإياكم أن تشقّوا عليهم فتكلفوهم ما لا يستطيعون، أو تحمّلوهم ما لا يطيقون.
أيها الإخوة في الله، وصيّة للآباء والأمهات ألا وهي مراقبة الأولاد في هذه الأيام، فأكثر انحرافات الشباب وأكثر العادات السيئة التي يكتسبها الطلاب تكون في مثل هذه الأيام، حيث يكون الطالب حرًا طليقًا بمجرّد انتهائه من أداء الاختبار، فيتعرف على رفقاء السوء الذين يزيّنون له المنكر، ويدفعونه إلى السوء والفحشاء. فالله الله في أبنائكم وفلذات أكبادهم، كونوا معهم في الغدو والرّواح. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
فليت شعري، ماذا سيكون حاله في ذلك اليوم الرهيب العصيب حين يأتي وحيدا فريدا عريانا فيحاسب عن كل صغيرة وكبيرة، كما قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. فهنيئًا لمن اعتبر فبادر بالعمل.
ومن أشدِّ المواقف تأثيرًا على نفوس الطلاب لحظة استلام النتيجة، فإمّا نجاح وتفوّق، يعقبه فرحة غامرة وسرور كبير، وإما إخفاق ورسوب، يعقبه حزن وألم وضيق وكربة وندم على التفريط في المذاكرة والاجتهاد.
وسيكون الموقف غدًا قريبًا من هذا حين تتطاير صحف الأعمال، فتؤخذ باليمين أو تؤخذ بالشمال، والفارق أن السعادة هناك لا شقاء معها، والشقاوة والعياذ بالله لا مجال للتخلص من عنائها، فاختر لنفسك ـ يا عبد الله ـ أحسن الحالين، وجدّ لبلوغ أفضل المنازل.
اللهم إنا نسألك التيسير، اللهم يسر أمورنا، واشرح صدورنا، ووفق أبناءنا وبناتنا، اللهم اجعلهم مشاعل نور وهداية، وخذ بهم إلى سبيل الرضا والولاية يا أرحم الراحمين.
هذا، وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله...
|