أيها المسلمون، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
فضيلة الصبر من أعظم الفضائل، ومنزلة الصابرين عند الله من أشرف المنازل، وأسعد الناس من رزق لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وجسدًا على البلاء صابرًا، وذلك هو المؤمن الكامل.
إن أثبت الناس في البلاء وأكثرهم صبرًا أفضلهم عند الله منزلة وأجلهم قدرًا، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فقد جاء في الحديث: أي الناس أشد بلاء يا رسول الله؟ فقال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلي حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك، فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))، وما يبتلي الله عبده بشيء إلا ليطهره من الذنوب، أو يرفع قدره ويعظم له أجرًا، وما وقع الصابر في مكروه إلا وجعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن ضاق بالقدر ذرعًا وسخط قضاء الله فاته الأجر وكان عاقبة أمره خسرًا.
أيها المسلمون، ما زال العدوان الإسرائيلي مستمرًا على قطاع غزة، حيث تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بهجمة شرسة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة الصامد، فقد استشهد أكثر من ألف شهيد، نصفهم من الأطفال والنساء، كما أصيب آلاف الجرحى بإصابات مختلفة، بالإضافة إلى تدمير المساجد والمدارس والمراكز الصحية والمنازل والجامعات والمؤسسات، فقد تم قصف وتدمير عشرات المساجد، واستشهد على أثر ذلك العشرات من المصلين، وأصيب المئات منهم بجروح متعددة، كما قصفت المدارس التابعة لوكالة الغوث الدولية للاجئين في كل من غزة ومعسكر جباليا، ففي القصف الذي تعرضت له إحدى المدارس في معسكر جباليا يوم الثلاثاء الماضي سقط أكثر من خمسة وأربعين شهيدًا، بالإضافة لمئات الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ، كما تمّ قصف العيادات والمراكز الصحية التي تعالج الجرحى والمصابين، وكذلك قصف سيارات الإسعاف، ومنع رجال الإسعاف من القيام بواجبهم الإنساني في إنقاذ الجرحى والمصابين، وكذلك الاعتداء على رجال الدفاع المدني حيث استشهد عدد منهم، وكذلك اغتيال الصحفيين من أجل قتل الحقيقة وإخفاء الجرائم البشعة، وقد نتج عن هذا القصف الإجرامي تشريد أكثر من خمسين ألف فلسطينيّ من بيوتهم، حيث لا مأوى لهم في ظل هذا الجو البارد القارس، فهناك أطفال رضع ونساء وشيوخ يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وليس هناك مكان آمن في قطاع غزة، فماذا ينتظر العالم حتى يصحو من سباته؟! أين حقوق الإنسان يا دعاة الحضارة والتقدم؟! وأين حقوق الإنسان أيتها المنظمات الإنسانية الدولية؟!
أيها المسلمون، إن الواجب علينا أن نعود إلى الله، وأن نعلن الصلح معه، وأن نتضرع إليه أن يرد كيد الكائدين، وأن يهزم قوات الاحتلال الغاشمة، وأن يحفظ شعبنا ومقدساتنا من كل سوء، فالدعاء سلاح المؤمن، وقد ساق لنا القرآن الكريم نماذج متعددة لعدد من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام والأخيار من الناس الذين تضرعوا إلى خالقهم بالدعاء، فاستجاب سبحانه وتعالى لهم، كما في قوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ، وفرج كروبهم، وفي قصة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام درس للمؤمن بضرورة اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه في حال الضيق والكرب، ليكشف الله عنه ذلك، فسيدنا يونس عليه الصلاة والسلام تضرع إلى ربه سبحانه وتعالى وهو في بطن الحوت بقوله: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ، كما ورد في الحديث الشريف عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله يقول: ((اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى))، قال: قلت: يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: ((هي ليونس بن متى خاصة، ولجماعة المؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله عز وجل: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ، فهو شرط من الله سبحانه وتعالى لمن دعاه به)).
أيها المسلمون، إن دموع الثكالى من الأمهات والأرامل والزوجات ومن اليتامى والأطفال لن تضيع دعواتهم هدرًا، ولن تضيع شكواهم إلى الله هباء، كما جاء في الحديث: ((ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتُفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين))، وكما قال الشاعر:
أتَهزأ بالدعـاء وتزدريـه وما يدريك ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لهـا أمد وللأمد انقضـاء
فيمسكها إذا ما شاء ربِّي ويرسلها إذا نفذ القضـاء
لذلك يجب على الجميع الدعاء بقنوت النوازل بعد الركوع الأخير من الصلوات، خصوصًا الصلوات الجهرية: صلاة الفجر والمغرب والعشاء.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
|