.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

بشائر من الحرب على غزة

5869

العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة

المسلمون في العالم, جرائم وحوادث

عبد الرحمن بن حمد الحزيمي

الرياض

13/1/1430

جامع الحصيني

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضح القرآن لليهود. 2- العدوان الإسرائيلي. 3- بشائر. 4- صبر الفلسطينيين ومصابرتهم. 5- التحذير من الانهزامية. 6- لا بد من التضحية. 7- الوصية بالتوبة والدعاء والرجوع إلى الله تعالى.

الخطبة الأولى

عباد الله، إن ما يحدث في غزة هذه الأيام ليس مفاجآت بالنسبة لنا نحن المسلمين، فقد أخبرنا الله عز وجل عن هذه الأمة الملعونة حين قال: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، وقال في موضع آخر: وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا. فما نراه اليوم من أنواع الإرهاب والبطش والجبروت والجريمة وسفك الدماء وقصف المساجد والاعتداء على الأبرياء وقتل الأطفال وسلسلة طويلة من الضحايا كلّ ذلك يفسّر تلك الآيات، فمنذ تسعة أعوام إلى الآن بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا بالإرهاب الصهيوني ما يقارب ستة آلاف شهيد، وعدد الجرحى يزيد على عشرة آلاف، وعدد المساجين أكثر من أحد عشر ألفا. وفي اليوم الرابع عشر للهجمة الشرسة ارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين جراء الحرب الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة إلى حوالي ثمانمائة شهيد، وإصابة أكثر من 3100 آخرين، نصفهم من الأطفال والنساء، كل ذلك هو شواهد للحقيقة القرآنية التي أخبرنا الله بها بأن اليهود يعلون ويفسدون في الأرض.

وقد أخبرنا سبحانه وتعالى بأنهم أشد أعدائنا وألدهم على الإطلاق حين قال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ، وعداؤهم لا حدَّ له من اعتبارات قانونية أو إنسانية، لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ، وأن طبيعة عدائهم مستحكمة مستمرة، وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا.

وقد حرصت الدولة العبرية على أن تشيع أكبر قدر من الدمار والترويع بين سكان غزة، إضافة إلى أنها قبل الحملة العسكرية واصلت حصارها الإجرامي؛ لتجويع أهلها وتركيعهم وإقناعهم بأن في المقاومة مقتَلهم وليس حلمُهم أو عزتُهم.

القصة بوضوح ـ أيها المسلمون ـ هي قصة كيان ظالم يبطش ويعربد ويقتل ويهدم ويستبيح، وشعب يواجه النار والحصار والتجويع والاستهانة بالحياة وضرورياتها من غذاء وكساء ودواء وأمن، وبيان ذلك يصدقه الواقع خلال أكثر من 60 عامًا من الفظائع والمذابح التي تمثل أعلى درجات الإجرام، وأجلى صور انتهاك القوانين الدولية والحقوق الإنسانية.

إن العدوان الإسرائيلي ليس وليد اليوم، وما فتئت إسرائيل تمارس غطرستها على الشعب الأعزل منذ وجدت، وليست بحاجة إلى استفزاز، إنها تعربد وفق ما يحلو لها، ولا يعجزها أن تصنع المسوغات لجرائمها دون مبالاة بأحد.

إن ما قام به المعتدون اليهود في غزة هو ذاته ما قاموا به عند تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م، فهم يقومون بالمذابح نفسها لأنهم يعيشون المواجهة نفسها. إن الرفض الذي وُوجه به اليهود من الشعب الفلسطيني قبل ستين سنة هو الرفض نفسه الذي يعيشه اليهود اليوم.

لقد كانت أحلامهم أنه بمرور الوقت سيتم تهجين الفلسطينيين ليكونوا دواجن في الحظائر اليهودية، وإذا بهم بعد ستين سنة يعيشون المواجهة نفسها ويتعاملون معها بذات الأسلوب، وإذا بأهلنا في فلسطين هم هم، كما كانوا، ما خانوا ولا مانوا، ولا ضعفوا ولا استكانوا، ليقول يهود كما قال آباؤهم من قبل: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ.

إن هذا يملأ قلوبنا ثقة وعزمًا بل نشوة وزهوًا بهذا الشعب الذي توارث أجياله الصلابة والقوة بصبر لا يلين، وإن عقباهم لعقبى البشرى للصابرين. وطمعنا أن لا يطول انتظارنا للقصاص الإلهي العادل من الفاعلين والمتواطئين والمباركين، فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ، وإن غدًا لناظره قريب، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ، والعبد يعجل، والله لا يعجل.

إن الألم الذي يعتصر قلوب المسلمين هو تعبير عن الحياة وعن الانتماء والإحساس بالشعور الأخوي، ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ))، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. إن هذا التفاعل يدل على سريان الحياة في الجسد الواحد، وعلى تداعي هذا الجسد لآلام غزة بالحمى والسهر، وعلى ترابط هذا البنيان المرصوص، بالتعاطف والتأييد الشعبي الإسلامي الواسع، فضلاً عن المبادرات بالمساعدات المعنوية والمادية، وعلى رأسها ما قدمته بلادنا المملكة من مساعدات مادية ومواد إغاثية وإيواء للجرحى، تدلّ على أن الروح الإسلامية في الأمة ما زالت بخير، وأنها تنحاز إلى دينها وأمتها وتغار على حرماتها وتنتصر لإخوتها.

إن هذه الأحداث على ألمها قد أعادت تصوير القضية الفلسطينية كما هي بعد أن تعرض مفهوم القضية ومفهوم الصراع لأنواع من التحريف. إن هذا كله يبين أن ما تفعله إسرائيل الآن في غزة ليس فلتة أو غلطة، وإنما هو حلقة في سلسلة، وإن ذلك يزيل الغشاوة عن عيون الذين يتصورون أن إسرائيل ستكف يومًا عن جرائمها. إن هذه الأحداث عندما تقع فإنها تدفع بقضية فلسطين إلى الواجهة في اهتمامات المسلمين، وتذكرنا بأن فلسطين كانت ولا زالت جرح الجبين، وأن المسلمين إذا كان هناك ما زاحم اهتمامهم بهذه القضية فإن هذه الأحداث تدفع بالقضية إلى الواجهة من همومهم واهتماماتهم، وتعيد الحيوية لهذه القضية.

علينا ـ عباد الله ـ أن نعلم أن كل من يعيش داخل فلسطين هو مرابط من المرابطين، التلميذ في مدرسته، والأم في بيتها، والمزارع في حقله، كل هؤلاء الذين تنغرس جذورهم في هذه الأرض هم الأزمة الحقيقة لليهود داخل فلسطين، ومجرد بقائهم وصبرهم ومصابرتهم جهاد ورباط ينبغي أن يُعانوا عليه، وذلك بتيسير وسائل العيش الكريمة والحياة المستقرة.

إخواننا في فلسطين ضربوا أروع الأمثلة في صمودهم وثباتهم وتشبثهم بحقّهم والتصاقهم بأرضهم، ومواجهتهم لعدوهم الغاشم، وهم مضرب مثل للأمة المسلمة في هذه المعاني، وساحتهم واضحة، فهم في جهاد شرعي صحيح مع عدوّ غاصب معتدٍ منتهكٍ للحرمات ومدنسٍ للمقدسات، وجهادهم ومقاومتهم مشروعة بالشرائع السماوية والقوانين الأرضية.

نحن مع صراعنا مع العدو في حاجة ماسة للتفاؤل والاستبشار بالنصر والبعد عن التشاؤم والتبرم، فالعدو إن نال من أجسادنا وممتلكاتنا فلا ندع له الفرصة أن ينال من عقيدتنا وآمالنا وطموحاتنا، فأكبر نصر يحققه العدو هو تحطيم أنفسنا وإشعارنا باليأس؛ لأننا بذلك نخضع ونذل ونستكين ويحقق العدو آماله فينا.

وفي صراعنا مع اليهود وغيرهم من المهم أن لا يحدث لدينا انكسار داخلي بسبب ما نراه من قتل ودمار في صفوفنا، فنحن وإن كنا نألم فهم كذلك يألمون، وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. فنحن أسمى منهم، فالله مولانا ولا مولى لهم، ونرجو من الله ما لا يرجون؛ فنرجو رضا الله والجنة، وهم يرجون رضا شهواتهم وشياطينهم، وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ويقول سبحانه: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ، فالخسارة في الأرواح والماديات في سبيل الله لا تزيد المؤمنين إلا عزًا وافتخارًا؛ وحسبنا عزًا أن الله مع المؤمنين. ومعرفة ذلك يجعلنا لا نصاب بالإحباط واليأس؛ لأن عقب هذا الضعف تكون القوة والانتصار، فنصر الله قريب كما قال الله تعالى: أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ، ولا نشك في ذلك، فالعاقبة للمتقين.

وقد تفقد الأمة في طريقها لإعلاء كلمة الله وتحقيق كرامتها وإعادة عزتها أنفسًا عزيزة وأموالاً كثيرة، ولكن هكذا مضت سنة الله تعالى، أن لا يتحقق النصر إلا بالتضحية وبذل المهج، قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ، ويقول سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، وتاريخنا الإسلامي يشهد على ذلك، فمنذ فجر الإسلام والأمة في صراع مع الكفر وأهله، وما حققت نجاحاتها وانتصاراتها إلا ببذل الغالي والنفيس من أجل انتصار عقيدتها ونشر دين الله.

 

الخطبة الثانية

إلى من تحدثه نفسه بنصرة إخوانه، تحيَّنوا ساعات الإجابة، ادعوا الله بقلوب حاضرة، أحسنوا الظن بربكم، أحيوا سنة القنوت، لا تحقروا كلمة طيبة في قناة أو إذاعة أو مقالة أو جريدة أو موقع أو مجلس أو عند مسؤول أو سواه أو على منابر المساجد، علينا أن ندرك أنَّ ترك الذُّنوبِ صغيرِها وكبيرِها أمرٌ يتأكدُّ عندَ الفتنِ؛ ليعلمَ اللهُ صدقَ تأثرِنا بما حلَّ في ديارِ المسلمين، فحريٌ بأهلِ المعاصي الكبيرةِ الرجوعُ إلى اللهِ والتوبةُ منْ الرِّبا والفجورِ والظلم؛ فقدْ هُزمَ خيرُ جيشٍ سارَ على الأرضِ جيش النبي بسببِ معصيةٍ واحدةٍ من الرُّماةِ في غزوة أحد، فكيفَ بأكوامِ المعاصي والمخالفات؟! فعلينا إحياء المعاني الإيمانية بالتوكُّل على الله والثقة به والالتجاء إليه والتضرُّع والدعاء له، واليقين بأن العاقبة للمتقين، وأن الظلم والعدوان لا يكتسب شرعية من فرض الأمر الواقع، ولا من القوة التي يمتلكها. إن الدعوة الصادقة بظهر الغيب تفتح لها أبواب السماء ويقول الجبار تعالى: وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، حتى لو كانت من كافر أو فاجر مظلوم، فكيف بدعوة المسلم الموحِّد؟!

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً