وبعد: فأوصيكم ونفسي ـ عباد الله ـ بتقوى الله تعالى، فالمتقون هم أولياؤه وأحباؤه، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يونس: 62، 63].
معاشر المؤمنين، كنت قد أعددت موضوعا لخطبة اليوم، ولكن المجازر الصهيونية المتتابعة على شعب فلسطين في غزة والضفة الغربية لم تدع لنا فسحة للحديث عن غيرها من الأحداث، شهر مضى والاعتداءات الصهيونية الجبانة تتوالى على الشعب الفلسطيني، منها مجزرة مخيم البريج التي دمرت بها سبعة بيوت تدميرا كاملا، وأصبحت خمسون أسرة في العراء وعشرات القتلى والجرحى، وبالأمس كانت المجزرة الجبانة، طفل رضيع لم يتجاوز عمره بضعة شهور، انتظرت أمه ولادته لسنوات خمس لم يكتب الله لها الولد، ولما قرت عينها به وإذ بالطائرات الجبانة تقصف الموقع الذي يقطنه مع خمسة أطفال آخرين، لتغتال براءته وتذبح طفولته وأكثر من عشرين شهيدا، وصدق الله العظيم إذ يقول: لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة: 82]، أما توراتهم المحرفة فيزعمون أنها تشرّع لهم قتل الطفل والشيخ والمرأة والعجوز وحتى البهائم، فغير اليهود أميون مستباحون كما قال الحق سبحانه وتعالى على لسانهم: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 75].
معاشر المؤمنين، مأساة عظيمة تلك التي يعيشها الشعب الفلسطيني، حصار ظالم، منعٌ للطعام والدواء والكهرباء، لولا الله تعالى ثم هبة الشعوب المؤمنة التي سارعت بمد يد العون لهم لكان الحال أشد أسى ومرارة، إلا أن هذه المساعدات أمام عظم الحاجة كشربة ماء وجرعة دواء، في ظل استمرار الحصار الظالم الذي لا بد أن تتواصل جهود الأمة لكسره نهائيا، وإلا عدّت تلك جريمة في مسلسل الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
معاشر المؤمنين، لن أتحدّث عن كيد اليهود وعدوانهم وطغيانهم، فهو كالدخان الأسود يراه القاصي والداني، والشعب الفلسطيني المرابط بقيادته المؤمنة المجاهدة صابر على مقاومته، ثابت على جهاده، متمسك بكامل حقوقه، ولكن الحديث عما هو أشد ألما، عن تلك الفئة التي خانت شعبها وباعت دينها وفرطت بحقوقها وارتمت في أحضان الصهاينة المعتدين ومن والاهم، إن كان اليهود يقتلون الفلسطينيين بقذائف الموت من الطائرات والدبابات فإن أولئك الخونة يقتلون المجاهدين في سجون الغدر والخيانة، وآخرهم الشيخ مجد البرغوثي إمام مسجد قرية كوبر في الضفة الغربية، عذبوه أشد العذاب ليفتري على المجاهدين الكذب ويقول فيهم مقالة السوء، ولكنه صَبَرَ صبْرَ الأبطال، وثبت ثبات المؤمنين حتى لقي الله تعالى من شدّة التعذيب وقد تشوه جسده الطاهر، وعندما شاهدت والدته آثار التعذيب أصيبت بسكتة دماغية وتوفيت من شدة الصدمة.
عباد الله، إن كان بعضنا يظن لوهلة من الزمان أن الخلاف الفلسطيني كان صراعا بين فريقين على السلطة، فإن تتابع الأحداث وشيوع أخبار وفضائح الخيانة والعمالة لأولئك الأدعياء قد أوضحت الصورة لكل العالم، يرون تلك المجازر تتوالى وهم يلتقون مع الصهاينة يصافحونهم ويقبلونهم، بل ويدينون جهاد المجاهدين الأبطال ويسمونه الإرهاب والعبثية.
ليسو سواء يا عباد الله، فالله عز وجل فرق بين أهل الحق وأولياء الباطل، وحذّر من الالتباس وضعف البصيرة، قال جل وعلا: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم: 35، 36]، وقال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية: 21].
بل قد بالغوا في خصومتهم الفاجرة أن ساهموا بإحكام الحصار على غزة، ويرفضون التفاوض لفكه، يقولون ما قاله المنافقون حيث قال عنهم المولى عز وجل: فتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة: 52]، وكذلك قال الله تعالى: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 7].
نسأل الله تعالى لشعب فلسطين أن يجبر كسرهم ويحقن دماءهم ويداوي جراحهم ويعافي مبتلاهم وأن يفك قيدهم ويثبت أقدامهم وينصرهم على القوم الظالمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
|