أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، ومراقبته في السر والعلن، والتمسك بشريعته في المنشط والمكره، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195].
معاشر المسلمين، لم تعرف البشرية دينا ولا حضارة عنيت بالمرأة أجمل عناية وأتم رعاية وأكمل اهتمام كالإسلام؛ تحدث عن المرأة وأكد على مكانتها وعظم منزلتها، وجعلها مرفوعة الرأس عالية المكانة مرموقة القدر، لها في الإسلام الاعتبار الأسمى والمقام الأعلى، تتمتع بشخصية محترمة وحقوق مقررة وواجبات معتبرة، نظر إليها على أنها شقيقة الرجل، خُلقا من أصل واحد، يسعد كل بالآخر، وإنه لمن الغبن حقا أن نحصر الحديث عن رعاية الإسلام للمرأة من كافة جوانبها في عجالة أو في خطبة قصيرة كهذه ونحوها، ولكن نقول: إن القلادة والسوار يكفي منهما ما أحاط بالعنق والمعصم.
نقول ذلك في الوقت الذي أصبحت فيه قضية المرأة الشغل الشاغل للكثيرين، فما أكثر ما نسمع هذه الكلمة: "حقوق المرأة"! فما أكثر ما تحدث عنها المتحدثون في الوقت الذي تشهد فيه الأمة صنوفا من الظلم والقهر والبطالة والفقر والانحراف وتسلط الأعداء من الداخل والخارج.
أيها المسلمون، ولعلنا في هذه العجالة نلقي الضوء على بعض الأمور التي رعاها الإسلام للمرأة، فقد أشاد الإسلام بفضل المرأة ورفع شأنها لكي تعيش حياة كريمة، حياة ملؤها الحفاوة والتكريم من أول يوم تقدم فيه إلى هذه الحياة، ومرورا بكل حال من أحوال حياتها، فرعى حقها طفلة، وحث على الإحسان إليها، قال : ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين)) وضمّ أصابعه، وقال : ((من كان له ثلاثة بنات وصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار)). ورعى الإسلام حق المرأة أمّا، فدعا إلى إكرامها إكراما خالصا، وحث على العناية بها: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]، بل جعل حقّ الأم في البر آكد من حق الوالد، جاء رجل إلى نبينا محمد فقال: يا رسول الله، مَن أبر؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)). ورعى الإسلام حق المرأة زوجة، وجعل لها حقوقا عظيمة على زوجها من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام، قال : ((ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهنّ عوان عندكم)). ورعى الإسلام حق المرأة أختا وعمة وخالة، وفي حال كونها أجنبية فقد حث الإسلام على عونها ومساعدتها ورعايتها، قال : ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الذي لا يفتر، أو كالصائم الذي لا يفطر)).
معاشر المسلمين، المرأة في نظر الإسلام أهل للثقة ومحلّ للاستشارة، فهذا رسول الله أكمل الناس علما وأتممهم رأيًا يشاور نساءه ويستشيرهن في مناسبات شتى ومسائل عظمى. ولها ـ عباد الله ـ التصرف في شؤونها وفق الضوابط الشرعية والمصالح المرعية، قال : ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن في نفسها)). وللمرأة الحرية في النواحي الاقتصادية كالرجل سواء بسواء، فهي تتمتع بحرية التصرف في أموالها وممتلكاتها، لا وصاية لأحد عليها مهما كان. ومما يتعلق بالمبدأ الاقتصادي فقد جاء الإسلام بمبدأ لم يسبق له مثيل ولا يجاريه بديل حينما كفل للمرأة النفقة أمّا أو بنتا أو أختا أو زوجة حتى ولو كانوا أغنياء أو كانت الزوجة موظفة، فإن النفقة تجب على الرجل كل ذلك، لماذا؟ لتتفرّغ لرسالتها الأسمى وهي فارغة البال من هموم العيش ونصب الكدح والتكسب، فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال.
الأم مدرسة إذا أعددتَها أعددت شعبا طيب الأعراق
معاشر المسلمين، هذه بعض مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام، وذلك غيض من فيض وقبضة من بحر؛ ولذا فإن أعداء الدين تقلقهم تلك التوجيهات السامية وتقضّ مضاجعهم هذه التعليمات الهادفة؛ لذا فهم بأنفسهم وبمن انجرّ خلفهم من أذنابهم العلمانيين على حديث لا يكلّ عن المرأة على حقها وحقوقها كما يتصوّرون وكما يزعمون؛ مما يحمل بلاء تختلّ الفضائل في ضجته وتذوب الأخلاق في أزمته، دعوات ما أقبحها والله من دعوات؛ تهدف لتحرير المسلمة من دينها والمروق من إسلامها، دعوات من أولئك تنبثق من مبادئ مهلكة ومقاييس فاسدة وحضارات منتنة، تزين الشرور والفساد بأسماء براقة ومصطلحات خادعة، وللأسف تجد من أبناء المسلمين من في فكره عوج وفي نظره خلل ينادي بأعلى صوت بتلك الدعوات.
إخوة الإسلام، لقد عرف أعداء الدين ما يحمله هذا الدين للمرأة من سمو كرامة وعظيم صيانة، وعلموا في مقرراته الماصلة أن الأصل قرار المرأة في مملكة منزلها في ظل سكينة وطمأنينة ببيوت مستقرة وجوّ أسرة حانية، حينذاك ضاقوا من ذلك ذرعا، فراحوا بكل وسيلة وسعوا بكل طريقة ليخرجوا المرأة من بيتها وقراراها المكين وظلها الأمين، لتطلق لنفسها العنان لكل شاردة وواردة، وبالتالي تصبح المرأة سلعا تدار في أسواق الملذات والشهوات، فتارة باسم تحرير المرأة، وتارة باسم الحرية والمساواة، وتارة باسم الرقي والتقدم الكاذب، مصطلحات ظاهرها الرحمة والخير وباطنها الشر والفساد. فها هم يريدون تحريرها من منزلها وتربية أولادها إلى الركض اللاهث وراء هموم العيش ونصب العمل ولفت الأنظار وإعجاب الآخرين ولو كان ذلك على حساب تدمير الفضيلة والأخلاق وتدمير الأسرة والقيم، فلا هي حينئذ بطاعة ربّ ملتزمة، ولا بحقوق زوج وافية، ولا في إقامة مجتمع فاضل مسهمة، ولا بتربية النشء قائمة، فكانت النتائج غير مرضية.
واسمع لتقرير صادر عن وزارة الداخلية يؤكّد ارتفاعا كبيرا في ظاهرة التحرش بالفتيات بلغت نسبته 215 في المائة خلال عام واحد، إذ ارتفع عدد القضايا من 1031 قضية عام 1426هـ إلى 3253 قضية عام 1427هـ، وذكر التقرير أن قضايا الاعتداء على العرض بشكل عام ارتفعت في عام 1427هـ عنها في عام 1426هـ بنسبة 25 في المائة، وأن حالة الاغتصاب ارتفعت 75 في المائة، فيما ارتفعت قضايا اختطاف النساء بنسبة 10 في المائة، فها هي النسب في ارتفاع، ونسأل الله أن يلطف بنا، وهذا قليل مما سنجني ثماره إذا قادت المرأة السيارة، وإذا سافرت بدون محرم، وإذا فتحت لها النوادي النسائية للرياضة، وإذا أصبح للمرأة بطاقة أحوال خاصة ووضع فيها صورتها، وإذا خالطت الرجال في أعمالهن، وإذا سكنت لوحدها في الفنادق.
فيا أيها المسلمون، الحرص الحرص على تعاليم هذا الدين، والحذر الحذر من مزالق الأعداء الحاقدين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|