الحمد لله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير من دعا إلى النهج القديم، اللهم صل وسلم على حبيبك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وهكذا ـ أيها الإخوة ـ انتهت الحرب العالمية الأولى وانتصرت دول التحالف النصراني وانهزمت تركيا، وقسم العالم العربي بينهم كما ذكر في اتفاقية "سايكس بيكو" السرية، وغضب الشريف حسين وزمجر وهدد وتوعد وكتب إلى الإنجليز يستفسر عن صحة ما قيل عن هذه الاتفاقية، فجاء الرد المعتاد تقديمه للعرب: "هذا غير صحيح، وإن شيئًا من هذا لم يحدث، وإن مثل هذه الاتفاقية لا وجود لها في الواقع، ونحن معكم ونؤيد موقفكم، ونحن أول من نعترف بالخلافة الإسلامية إذا أعلنت تحت قيادتكم"، وصدّق الشريف حسين الأكذوبة وانطلت علية المؤامرة، وربنا سبحانه بين لنا في كتابه الكريم أن هؤلاء الكفرة لا إيمان لهم ولا عهد حيث قال: وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران: 73]، وواصل العدو النصراني تنفيذ مخططاته، وبدلا من تمكين الشريف حسين من السيطرة على بلاد الشام وفلسطين وتنصيبه خليفة للمسلمين صدرت الأوامر من الحكومة البريطانية إلى الإدارة العسكرية الإنجليزية في فلسطين أن تسمع وتطيع لأوامر اللجنة اليهودية التي وصلت فلسطين من المنفى برئاسة "وايزمان" وتمكن لهم من السيطرة على مقاليد الأمور بشكل سري. وهنا بدأ إشغال الفلسطينيين بالمؤتمرات وتشكيل اللجان لتقصّى الحقائق، وهم بلجانهم ومؤتمراتهم يخدّرون المسلمين ويثنون من عزمهم ويوجّهونهم إلى الوجهة التي تكون في صالح اليهود.
والجماهير العربية غاضبة ومتحفزة وتعدّ العدة للانقضاض على الإنجليز واليهود وقتالهم وطردهم من فلسطين، وكانت الأمة لا تزال قوية وتحت قيادة واحدة، ولم تقسم بعد إلى دويلات وعدة جيوش، وهنا يتجه الإنجليز إلى ابن الشريف حسين فيصل بعد أن يئسوا من أبيه، وطلبوا منه أن يتحدث إلى الجماهير، وقام الشريف فيصل أمام الجماهير الغاضبة المحتشدة وهدّأها وأكد لها بأن الأمور تسير لصالحها ولا داعي للجمهرة والاقتتال، ونحن نستطيع أخذ حقوقنا كاملة بدون قتال أو دماء، وهكذا هدأ الناس وانطفأ الحماس الشديد. وعرف الأعداء مصدر الخطر فعملوا على القضاء عليه، وعقد المجلس الأعلى للحلفاء وقرر وضع القوانين ضد الفلسطينيين، وتصوروا جميع الحلفاء موافقين على تركيع المسلمين الفلسطينيين، والتزمت بريطانيا بتطبيق وعد بلفور على الطبيعة فورًا دون تأخير، واتخذت عدة إجراءات سريعة منها إلغاء التجنيد في المحافظات والمدن وتخفيض الجيش العربي وتشتيته في عدة مناطق ومعاقبة الذين يقومون بمقاومة ومعارضة الاستعمار الجديد.
وللحديث بقيه في الجمعة القادمة إن شاء الله.
ثم اعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديمًا، فقال تعالى ولم يزل قائلا عليمًا وآمرًا حكيما تنبيها لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان...
|