أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، فخير الهدي هدي محمد، فمن اتَّبع هديه فأتمر بأمره وتجنب نهيه سعد في الدنيا والآخرة وأسعد من حوله، ومن خالف أمره واتبع السبل خاب وخسر، وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54].
ومن هدي النبي حسن معاشرة النساء والإحسان إليهن، فهذا هديه قولا وعملاً، فمن حسن معاشرة النبي لأزواجه مدحهن والثناء عليهن وبيان فضلهن وما لهن من مزايا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) رواه البخاري (3411) ومسلم (2413).
وقد كان النبي يحفظ لأزواجه ودّهن، ويعترف بجميلهن حتى بعد وفاتهن، فحينما عاتبته عائشة رضي الله عنها قائلة له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! أجابها بقوله: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)) رواه البخاري (3818)، فذكر النبي أنه يحفظ لها جميلها حيث ساندته في بداية دعوته ووقفت معه وخففت عنه آلام الدعوة وواسته بمالها.
ولا تخلو المرأة من جوانب مضيئة متعدّدة، سواء ما يتعلق بجمالها الحسّي أو المعنوي من ديانة وأدب وحسن تصرف أو حسن عمل في البيت طبخا وترتيبا وإصلاحا أو غير ذلك، فيثني الزوج على الزوجة في هذا الجانب، ويدعو لها، فهذا مظنة الازدياد من هذا الجانب الحسن أو على الأقل المحافظة عليه، أما كثرة الوقوف على الملاحظات التي لا يخلو منها أحد والمعاتبة عليها فهذا مظنة الشقاق والنزاع، ومع ذلك تبقى هذه العيوب وتتكدّر الخواطر؛ فلذا أرشد النبي إلى النظر إلى الجوانب الحسنة في المرأة وهي كثيرة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)) رواه مسلم (1469).
ومن حسن معاشرة النبي لأزواجه أنه كان يستمع لوجهة نظرهن ويقبل منهن المراجعة له والاعتراض على بعض تصرفاته، فيعاتبنه ويردّدن القول عليه، بل ربما هجرته الواحدة منهن، وهو في ذلك لا يقابل الإساءة بالإساءة، بل بالصبر والإحسان، فعن عمر بن الخطاب قال: كنا ـ معشر قريش ـ نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحتُ على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولِمَ تنكر أن أراجعك؟! فوالله، إن أزواج النبي ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. رواه البخاري (2468) ومسلم (1479).
هذا هو هديه في نزاع أهله له، فما بال البعض منا لا يحتمل أن يسمع الكلمة من زوجته وإن كانت محقة؟! لا يريد النقاش فيما يتخذه من قرارات حتى ما يخصّ الزوجة والأولاد، بل ربما صبّ جم غضبه على زوجته وسبّها، ثم لا يحتمل منها أن ترد عليه خطأه وتبين له وجهة نظرها. سبحان الله! من الذي أباح لك أن تقول لها ما شئت من الكلام وحرم عليها أن ترد عليك فيما ظلمتها به؟!
ومن حسن معاشرة النبي لأزواجه حسن معاشرة أهل الزوجة وأصدقائها، فعن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبيّ إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله إذا ذبح الشاة فيقول: ((أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة))، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله : ((إني قد رزقت حبها)) رواه البخاري (3816) ومسلم (2435) واللفظ له.
فكان النبي يحسن معاشرة أهل المرأة ويكرمهم، وحسن معاشرته مع آل أبي بكر وآل الخطاب أمر مشهور، فمن أسباب دوام الألفة والمحبة بين الزوجين الدنو من أهل المرأة وصلتهم وحضور مناسباتهم، وهذا مفقود عند البعض من الأزواج، فتجده تمرّ الأشهر بل السنون ولم يحضر لهم مناسبة ولم يلج لهم بيتا، يقف عند الباب لإيصال زوجته وأخذها من بيت أهلها أو بيوت أقاربها، وهذا مما تنقم منه النساء، قد يعتذر البعض باختلاف وجهات النظر معهم أو وجود منكرات عندهم أو غير ذلك من المعاذير، وهذا ليس بعذر، فتتمّ الزيارة ويتلطّف الصهر في إنكار المنكر، فهم أولى من غيرهم بالتوجيه والنصح، فالقريب له من الحق العام والخاصّ ما ليس للبعيد.
معاشر الإخوة، أوصى النبيّ بالنساء، وأمر بتقوى الله فيهن، فحينما خطب النبي في عرفة في حجة الوداع في أكبر تجمع إسلامي في عهد النبي قال: ((فاتقوا الله في النساء)). فعلينا ـ معاشر الأزواج ـ أن نتقي الله في النساء، فلا نهضمهن حقهن فنمنعهن من حقوقهن أو نتطاول عليهن باليد أو اللسان، ويجب علينا الوفاء بالشروط التي قطعناها على أنفسنا، سواء كان الشرط مسجّلا في عقد الزواج أو غير مسجل، فعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : ((أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418).
ويحرم الضغط على المرأة للتنازل عن الشروط التي اشترطتها على الزوج ولا يصح تنازل المكره، والراشدة من النساء زوجة كانت أو بنتا أو أختا أو أمّا ليس لوليها ولاية على مالها، فلها أن تتصرف بمالها من غير إذن الولي أو إعلامه، والزوجة كسائر الناس؛ يحرم على زوجها أن يأخذ من مالها القليل أو الكثير إلا برضاها إلا إذا كان مشروطا، فالأصل في أموال المسلمين الحرمة إلا على الوالدين، فلهما الأخذ من مال أولادهم.
|