.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

المقاطعة سبيل المدافعة

5772

العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة

القتال والجهاد, جرائم وحوادث

مهران ماهر عثمان نوري

الخرطوم

8/2/1429

خالد بن الوليد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- إعادة نشر الرسوم المسيئة بالنبي . 2- ثمار المقاطعة. 3- الأدلة على شرعية المقاطعة. 4- فتاوى العلماء في المقاطعة.

الخطبة الأولى

أما بعد: فموضوع هذه الجمعة المباركة: المقاطعة سبيل منافحة وطريق مدافعة. ما سبب ذلك؟ ومن نقاطع؟ وما المقاطعة؟ وهل لها من ثمار؟ وما الأدلة على مشروعيتها؟

عباد الله، في يوم الأربعاء الماضي أعادت سبع عشرة صحيفة دنماركية نشر الرسوم الكريكاتورية المسيئة للنبي ، ما سبب ذلك؟ تقول الصحف الدانمركية: إنها أعادت نشر هذه الرسوم لتحتج على مزاعم ما زالت قيد الإثبات، تحدثت عن مؤامرة لاغتيال أحد رسامي الكاريكاتير، وكان رئيس الوزراء الدانماركي "أندرياس فوغ راسموسن" قد عبَّر عن قلقه مما يحدث، وأعرب قادة الجالية الإسلامية عن اندهاشهم وعدم تفهمهم لقرار الصحف الدانمركية بإعادة نشر ذلك. أي غباء هذا الذي حلَّ بالدنمرك؟!

هذه القضية المزعومة ما زالت على طاولة التحقيقات، ولو صدقوا في ذلك فمن أعلمهم أنّ مسلمًا قام بهذه المحاولة؟! ألا يمكن أن يكون أحد أعدائه؟! ولو ثبت أنه مسلم فهل الخطأ من كل مسلم يسوِّغ الإساءة للرسول ؟! هل يقبل هؤلاء أن نرد على خطأ رجل نصراني بالإساءة إلى عيسى عليه السلام؟! لا يقبلون ولا نقبل؛ فنحن أولى بعيسى منهم.

عباد الله، إن من سنن الله تعالى الصراع بين الحق والباطل والنيل من المرسلين ومن سار على دربهم، أما قال الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ [الحجر: 10، 11]؟!

إني لا أريد أن أتحدث عن حكم الإساءة للنبي ، لا أريد الحديث عن مغبة هذا الفعل وأنّه قد علم بالاستقراء أنه ما من أحد نال من النبي إلا وقد جعله الله عبرةً لمن خلفه، فهذا موضوع سأرجع إليه بعد أن يحلَّ بأس الله في القوم الفاسقين بإذنه تعالى، ولكني أريد الحديث عن واجب أملكه أنا وأنتَ وأنتِ: سلاح الشعوب سلاح المقاطعة. فما المقاطعة؟

جاء في وثيقة المؤتمر العالمي لنصرة النبي ما نصه: "عملية توقف وقطع جمهور الشعب صلة التعامل مع سلعة أو خدمة لدولة أو شركة تُسيء أو تُلْحق الضَّرَرَ بالدين أو الأمَّة أو الوطن".

وهل للمقاطعة من ثمار؟ الإجابة: وهل يشك عاقل في ذلك؟! يكفي أن تعلم أنّ خسائر شركة منتجات مشتقات الحليب (آرلا) أكبر مصدر للشرق الأوسط كانت تبلغ أكثر من مليون دولار يوميًا بعد إعلان المقاطعة الأولى، مما جعل هذه الشركة تضطر مؤقتًا للاستغناء عن 125 موظفًا.

إنّ هذا السلاح قد عرف من قديم، وكلنا يعلم عن مقاطعة قريش لبني هاشم، ولقد استمرت المقاطعة ثلاث سنوات. والمقاطعة كانت من أسلحة الهند الفتاكة، فبريطانيا لم تصمد كثيرًا بعد المقاطعة التي أعلنها غاندي. ولما حرم الملك فيصل رحمه الله أمريكا وبريطانيا من نفط بلاده تأثروا كثيرًا بذلك كما لا يخفى على أحد.

فما الأدلة على شرعية المقاطعة؟ الأدلة أكثر من أن يتسع لها مقام خطبة، وسأجتزئ منها ستةً:

الدليل الأول: قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ [يوسف: 59، 60].

إن يوسف عليه السلام جعل منع الطعام عن إخوته وسيلة لجلب أخيه، وهو تلويح واضح بسلاح المقاطعة الاقتصادية، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا جاء في شرعنا ما يثبته بلا خلاف بين العلماء، وهذه جاء في شرعنا ما يدل لها كما سيأتي بيانه.

الدليل الثاني: قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 73].

فقد أوجب على المؤمنين مجاهدة الكفار والمنافقين، ومن المعلوم أن في جهادهم استباحة لدمائهم وأموالهم، فإلحاق الضرر بهم عن طريق المقاطعة الاقتصادية مشروع من باب أولى.

الدليل الثالث: قال تعالى عن المؤمنين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يَغيظ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة: 120].

فدلت الآية على أنّ إغاظة الكفار مشروعة؛ ولذا فإن النبي جعل جمل أبي جهل ـ وكان قد غنمه يوم بدر وفي أنفه بُرَة (حلقة فضة) ـ في هديه يوم الحديبية؛ إغاظةً للمشركين[1].

الدليل الرابع: قوله تعالى: والذين إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [الشورى: 39].

قال الطبري رحمه الله: "والذين إذا بغى عليهم باغ واعتدى عليهم هم ينتصرون"[2]. والمقاطعة سبيل انتصار لنبينا .

الدليل الخامس: عن أنس قال: قال رسول الله : ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) رواه الإمام أحمد.

والمقاطعة الاقتصادية تدخل في مفهوم الجهاد بمعناه العام، نظرًا لما تتضمنه من إتعاب النفس بحرمانها من بعض المكاسب والملذات، وذلك من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين من المسلمين. وأرشد إلى دلالة الحديث على ذلك العلامة الجبرين حفظه الله.

ومن أقوى الأدلة أنّ النبي بعث خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: ((مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟)) فَقَالَ: عِنْدِي ـ يَا مُحَمَّدُ ـ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فجاءه وكرر سؤاله وكرر ثمامة كلامه، حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ فكرر رسول الله سؤاله وأجاب ثمامة بما أجاب به من قبل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ))، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلا وَاللَّهِ لا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ . رواه البخاري ومسلم. فأقره النبي ولم ينكر عليه.

وما أريد أن أخلص إليه هنا ليس وجوب مقاطعة كلّ كافر؛ فإن النبي عامل الكفار، وإنما أريد أن أدلل على أن من قاطع الدنمرك التي أساءت لنبينا غَيرةً ونصرة له فهو مأجور إن شاء الله.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من آيات وذكر حكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.



[1] انظر: زاد المعاد (3/301).

[2] جامع البيان (21/547).

الخطبة الثانية

أما بعد: فهذه فتاوى لبعض أهل العلم تنصّ على ما سبق ذكره.

فقد سئل الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله بعد الإساءة الأولى من الدنمرك: هل يؤجر من قاطع بنية نصرة النبي ؟ فقال: نعم[1]. وهذا ما قرره الشيخ الجبرين حفظه الله.

وجاء في موقع الشيخ الفاضل محمد صالح المنجد حفظه الله ووفقه: من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم وإضعاف اقتصادهم فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن، ومن تعامل معهم متمسكًا بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار ـ لا سيما بشراء ما يحتاج إليه ـ فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحًا في أصل الولاء والبراء في الإسلام.

وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ فأجابت: الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته" اهـ.

وسئل الشيخ عن دورنا حيال الاستهزاء بنينا فقال: "وأما دورنا في هذا:

1- فالواجب علينا الإنكار بشدة، كلٌّ حسب ما يستطيع، بإرسال رسالة أو مقالة أو اتصال هاتفي بحكومتهم وخارجيتهم وصحافتهم.

2- مطالبة هؤلاء بالاعتذار الجاد الواضح، لا الخداع وتبرير الجريمة الذي يسمونه اعتذارًا، فلا نريد اعتذارًا لإهانة المسلمين، وإنما نريد إقرارًا بالخطأ واعتذارًا عن ذلك الخطأ.

3- مطالبتهم بمعاقبة المجرمين على جرمهم.

4- ومطالبتهم أيضًا بأن تكفّ حكوماتهم عن العداء للإسلام والمسلمين.

5- ترجمة الكتب التي تدعو إلى الإسلام بلغة هؤلاء، والكتب الذي تعرّف بالإسلام ونبيّ الإسلام، وبيان سيرته الحسنة العطرة.

6- استئجار ساعات لبرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عن النبي وتذب عن جنابه، ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع، وهم بحمد الله كثر.

7- كتابة المقالات القوية الرصينة لتنشر في المجلات والصحف ومواقع الإنترنت باللغات المتنوعة.

8- وأما مقاطعة منتجاتهم فإذا كانت المقاطعة لها تأثير عليهم ـ وهذا هو الواقع ـ فلماذا لا نقاطعهم ونبحث عن شركات بديلة يمتلكها مسلمون؟!

9- التصدي لهذه الحملة الشرسة التي تنال من الإسلام ونبيّه ببيان حسن الإسلام وموافقته للعقول الصريحة والرد على شبهات المجرمين.

10- التمسك بالسنة والتزام هدي النبي في كل شيء والصبر على ذلك، وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا.

11- الحرص على دعوة هؤلاء، فإننا وإن كنا ننظر إليهم بعين الغضب والسخط والغيظ، إلا أننا أيضًا ننظر إليهم بعين الشفقة عليهم، فهم عما قريب سيموتون ويكونون من أهل النار إن ماتوا على ذلك، فندعوهم إلى الإسلام والنجاة رحمة بهم وشفقة عليهم. ونسأل الله تعالى أن يعلي دينه وينصر أولياءه ويذل أعداءه.

أسأل الله أن يرينا عجائب قدرته فيمن آذى نبينا ...



[1] نقله عنه الشيخ إبراهيم الرحيلي حفظه الله المحاضر بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً