الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد: فيا إخوة الإيمان، وقضية أخرى طالما دندن حولها دعاة حرية المرأة وأجلبوا عليها وغرروا آخرين فيها، قضية تنشط تارة ثم تفتر، ثم تهيج تارات ثم تخبو، إنها قضية قيادة المرأة للسيارة، تلك القضية التي لا زال سعارها متوهجًا وشرها يرمي بلظاه في الأيام القريبة الخوالي، رفعت فيها تواقيع ومطالبات، ودبجت فيها مقالات، ومثلت من أجلها مسلسلات، وسيقت فيها قصص وحكايات.
عباد الله، إن من واجب القول وأمانة الكلمة أن نقف مع هذه القضية الحساسة وقفات عدة:
أولاً: أن أمر قيادة المرأة للسيارة قضية محسومة بفتوى شرعية من هيئة كبار العلماء وبقرار موفق يذكر فيشكر لولاة الأمر، وهذه الفتوى إذا كانت غير مقنعة لفئة معينة فهي بحمد الله محل الثقة والاعتبار عند غالبية المجتمع وسواده.
ثانيًا: أن قيادة المرأة للسيارة من القضايا العامة المتعلقة بحياة الجميع، وأثرها وضررها على الكل، والبتّ في هذه القضايا العامة وتقدير المصلحة والمفسدة فيها يتطلب علما راسخًا وفهما ووعيًا بمآلات الأمور وإدراكًا لطبيعة ووضع المجتمع، وقبل ذلك كله تقوى الله تعالى في أعراض المسلمين ونسائهم. وإذا تقرر هذا فليس من الاعتبار في هذه القضية أو الفصل فيها فتح باب التصويت، سواء أكان هذا التصويت في قناة معروفة التوجه أم في مواقع إلكترونية مشبوه أم في صحيفة سيارة ما طرحت التصويت إلا لقناعتها به، ثم أيضا لا يدرى من هو هذا المصوت أمتعلم هو أم جاهل، أعاقل أم سفيه، أمتزن أم طائش، ومع ذلك تأتي النِّسَب والنتائج عكس ما كان يتوقعه ويؤمله هؤلاء بكثير.
ثالثًا: أن أساس الفتوى الشرعية وأسّ القرار الحكومي ليس لذات القيادة، وإنما لغيره من المفاسد المتنوعة والنتائج الضارة، والجدال في هذه القضية على أنها محرم لذاتها خروج عن الموضوع وتلبيس على من لا يدرك الفرق بين الأمرين.
رابعًا: أن هذه المطالبات هي في الحقيقة من أقلية لا رقم لها في حساب المجتمع، وليس لأقلية أن تفرض رأيها أو توجهاتها على رأي الأغلبية الساحقة، وإلا لحدث بلبلة واضطراب في كيان المجتمع.
خامسًا: سؤال يطرح نفسه: لماذا تختصر قضية حرية المرأة وإصلاحها في قيادة؟! هل انتهت مشاكل المرأة في بلدنا ولم يبق إلا أمر القيادة؟! أين الحديث عن انتشار قضايا المعاكسات وبيوت الدعارة؟! أين الحديث عن أثر الإعلام في إفساد المرأة؟! نتمنى من هؤلاء الغيورين على المرأة أن يتلفتوا إلى المشاكل الحقيقية التي تحيط بالمرأة وتعطل من دورها في المجتمع، والتي لا شك أن قيادة السيارة ليست منها، فضلاً عن أن تكون من أهمها وعلى رأسها.
سادسًا: أن هذه القضية ليست مسألة ركوب سيارة، بل هي قضية لها ما بعدها لا ينبغي أن نفصلها عن مشاكلنا الاقتصادية أو اختناقاتنا المرورية أو عن قيمنا وأعراضنا وإن تسامح فيها المتساهلون. ماذا عن المشاكل الأخلاقية والأخرى الأمنية التي لا يعلم مداها إن انفجرت إلا الله تعالى؟! ومن الغفلة والتغافل أيضا أن ننظر إلى مسألة القيادة كقضية مفرد وليس جزءًا وحلقة من مشروع كبير طالما دندن حوله المنغمسون في ثقافة المرأة.
سابعًا: إذا كانت قيادة المرأة للسيارة نافعة للمرأة في مجتمعنا ولا ضرر عليها وأن من يمنع ذلك مصاب بعقدة رفض كل جديد ـ كما زعموا ـ فأين الدراسات العلمية والإحصائيات الميدانية التي تثبت لنا أن هذه المسألة لا ضرر فيها ولا مفسدة؟! وللأسف أن بعض من يطرح هذه القضية هم من حاملي الألقاب الأكاديمية ويفتقد طرحهم إلى أبجديات الطرح العلمي.
ثامنًا: نعم يوجد في مجتمعنا حالات تحتاج فيها المرأة للقيادة، والسماح لها فيه منفعة وحلّ لمشكلتها، لكن من الخطأ في المعالجة أن ننظر إلى هذه المشاكل الجزئية ونتغافل عن سلسلة المفاسد الكبرى، فالقضايا العامة ينظر في حكمها إلى الأعم الأغلب وإن كان فيه مفسدة وضيم على الغير، ومن قواعد الشريعة المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
تاسعًا: نسائلكم عباد الله: من الذي يطالب ويروّج لهذه الدعوات؟ أهو عالم بالشرع يفقه الحلال والحرام ويفهم مقاصد الشريعة، أم هو مسؤول يقدر للكلمة عواقبها، أم هو رجل غيور يخشى الله في نساء المسلمين؟! إنهم حفنة من المستهترين المسعورين خلف المرأة أو من المقترين بهم ممن قلّ فقههم وقصر إدراكهم في هذه القضية.
ثم عاشرًا وأخيرًا: سؤال آخر يطرح نفسه: لماذا تطرح هذه القضية في أوقات الأزمات وإبان الحملات المغرضة ضدّ بلادنا والتي من المفترض أن يكون المجتمع فيها لحمة واحدة مع علمائه وولاته؟! فأين صدق الانتماء ودعاوى الوطنية ممن يصنع ويتفنن في مثل هذه الإثارة؟!
الخلاصة ـ عباد الله ـ أن أمر القيادة سيفتح أبوابًا من المفاسد كثيرة تكلّم عنها العلماء وبسطها الناصحون، وعدُّها وحصرها مقام يطول، وحسبنا أن نعرف أن قيادة السيارة مطيّة لنزع الحجاب أو التساهل فيه، وحال الحجاب اليوم لا يحتمل مزيدًا من التسامح واللعب فيه، وقد علمتنا حوادث الأيام وتجارب الدول القريبة أن قيادة نسائهم ما زادهم إلا تمردًا على الحجاب أو التساهل فيه، والسعيد من وعظ بغيره.
نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه...
|