.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

دعاوى حرية المرأة وقيادتها للسيارة

4891

الأسرة والمجتمع

المرأة, قضايا المجتمع

إبراهيم بن صالح العجلان

الرياض

جامع الشيخ ابن باز

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- خطورة موضوع حرية المرأة وأهميته. 2- استهداف الأعداء للمرأة المسلمة. 3- عمل المرأة في الإسلام. 4- من صور تخريب المرأة. 5- الحرية الحقيقية. 6- قضية قيادة المرأة للسيارة.

الخطبة الأولى

إخوة الإيمان، وستبقى قضية المرأة هي القضية الأهم في مجتمعنا، ستبقى قضية المرأة حلقة مفاصلة بين أهل الغيرة الذين يسيرون بالمرأة إلى برّ الأمان وبين قطيع المستغربين الذين يزجون بالمرأة إلى وادٍ سحيق من الانفلات والتفلت. سيتكرر الحديث عن المرأة ما دام في الجهة الأخرى من يعلي ضجيجه وصخبه ويبثّ سمومه في المجتمع. سيتكرر الحديث عن المرأة لأنها وصية النبي لأمته، ولأنها أعظم فتنة خافها المصطفى على أمته. قضية من قضايا المرأة تثار بطريقة ماكرة، قضية قديمة تلبس بلبوس جديد، إنها قضية حرية المرأة، وما أدراك ما حرية المرأة! ذلك المصطلح العائم الفضفاض الذي يفسره كل قوم بحسب أهوائهم ومصالحهم، حتى أصبح هذا المصطلح يطرح في كل عيد واحتفال وفي كل مناسبة وبلا مناسبة. ولسنا بحاجة ـ عباد الله ـ إلى بيان حرية المرأة في الإسلام وحفظه لحقوقها كاملة، لسنا بحاجة إلى بيان كيف نقل الإسلام المرأة من قمقم المهانة في حياة الجاهلية إلى قمم الكرامة في سماء الإسلام. هذه الحرية وتلك الكرامة عرفها عقلاء الغرب وغابت عن بعض بني جلدتنا، يقول المفكر الفرنسي غوستاف لوبون: "إن الإسلام قد أثر تأثيرًا حسنًا في رفع مقام المرأة أكثر من قوانيننا الأوروبية".

عباد الله، ما عرف المسلمون في تاريخهم قضية تثار باسم حرية المرأة، وإنما عرفنا هذه القضية بذرة نشأت في فرنسا النصرانية، نشأت الدعوة إلى حرية المرأة في تلك الديار كردة فعل لتلك النظرة الدونية للمرأة في التراث النصراني الذي اعتبرها أصل الخطيئة ومنبع الشر، ثم جاء بعد ذلك عصر الاستعمار الذي نقل لنا المستعمر ثقافته وفكره مع سلاحه ودبابته، نقل لنا استعماره الاجتماعي مع استعماره الفكري، وكان من أذرعة هذا الاستعمار ما يعرف بحركات حرية وتحرير المرأة، والتي قامت في مصر وتركيا وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، وحفظ الله بلاد الحرمين من هذه الدعوات وتلك السموم الفكرية.

إخوة الإيمان، إن المتتبع والمتابع لقضايا المرأة هنا في السنوات الأخيرة ليرى بعين البصر والبصيرة أن المرأة هنا مستهدفة، مستهدفة بجرّها إلى مثل حال أخواتها في البلدان التي استجابت لنداءات أبالِسة دعاة حرية المرأة، وليست هذه الرؤية ـ عباد الله ـ من قبيل المبالغة أو الوقوع في هاجس المؤامرة، كلا لقد نوقشت قضايا نسائنا هنا في هيئات عالمية ومؤتمرات دولية، ووضعوا الحلول لحريتها بعيدة كل البعد عن تشريعات الإسلام وأحكامه، وأثبتت لنا الأحداث والوقائع بعد ذلك أننا أمام مشروع تغريبي يراد بالمرأة هنا تحت شعار المطالبة بحريتها.

هذا المشروع التخريبي يطل علينا تحت صور وأشكال عدة، فمن أبرز أذرعته وأولى خطواته افتعال قضية للمرأة يصوّرون من خلالها أن المرأة مهضومة الحقوق مسلوبة الإرادة، ثم تطرح تلك القناة أو الصحيفة آراء الناس مع هذه القضية، والغلبة والنهاية بالطبع للرأي الذي تتبناه هذه الوسيلة، والنتيجة: إقناع الناس أن للمرأة قضية، وأنها تعيش حياة مكبوتة. وهذا الأسلوب الإعلامي سلطة خفية تعيد صياغة عقول الناس وتوجهاتهم بطريقة غير مباشرة، ولو تأملنا ودققنا في هذه القضايا المثارة لوجدنا قضايا فردية لا يخلو أي مجتمع منها. نعم، يوجد لدينا ظلم وعضل وقهر للمرأة، ولكن علاجه يكون بالطرق الإسلامية الشرعية، لا بالدعوة إلى الحريات المنفلتة.

ومن المشاريع التخريبية الظاهرة السعي الجاد لإخراج المرأة من بيتها بكل وسيلة وبأي طريقة، فتراهم لا ينفكون عن الحديث عن حبس المرأة والتباكي على عزلتها، يتحدثون عن بطالة النساء والقاعدات في البيوت وعن شلل نصف المجتمع والأيادي المعطلة، مع تهميش واضح ومتعمد لعمل المرأة في بيتها، سجلوا لنا برامج لنساء ناجحات وما رأيناهن إلا متبرجات ساخطات على قيم المجتمع، في بلدنا أكثر من مائة ألف معلمة لم نر الإشادة بواحدة منهن ووصفهن بالنجاح! والسبب أنهن يعشن في جو مصان من الحشمة والبعد عن الاختلاط.

عباد الله، إسلامنا لم يحرم على المرأة العمل، بل أباح لها ذلك إذا احتاجت وكان هذا العمل مناسبا لطبيعتها بعيدا عن مخالطة الرجال أو الخلوة بهم، أما المناداة بخروج المرأة في أي مهنة حتى ولو كانت لا تتناسب مع أنوثتها فهذا مصادمة لقانون الفطرة ووقوع في شراك التبعية.

أما حال الحجاب مع دعاة الحرية النِّسوية فهو تارة يقيد حرية المرأة، وتارة عادة اجتماعية وحرية شخصية، وأخرى من العادات البالية التي فرضها الزمن الذي فرضت فيه ولا يصلح لزماننا هذا، وأصبح خروج المرأة السعودية ممثِّلة أو مذيعة مطلبًا ثمينًا لبعض القنوات الفضائية، حتى ولو لم تكن هذه المرأة مؤصلة فكريا وثقافيا ومهنيًا، الأهم والمؤهِّل أن تحمل هذه الجنسية.

عباد الله، ومن صور تخريب المرأة تحت شعار الحرية الدعوة إلى فتح النوادي النسائية والمطالبة بتمثيل المرأة لبلدها في المناسبات الرياضية مع الشنشنة المحفوظة: "وفق عاداتنا الإسلامية وتقاليدنا"، وأسألك بالله: أي عادات وأي إسلام يبقى بعد هذا كله؟! ومن لحن القول عند دعاة الحرية النسوية الدندنة حول موضوع قوامه الرجل أو سفر المرأة بلا محرم أو العلاقات البريئة ـ زعموا ـ بين الجنسين، وكلها قضايا محسومة بنصوص شرعية قطعية.

عباد الله، هذه بعض الدعاوى المطروحة في حرية المرأة، والدعاوى أكثر، والضابط في هذا الموضوع أن كل حرية تعاكس الشرع وتصادم الشريعة فهي في الحقيقة تمرّد على دين رب العالمين وتفلت من الاستجابة لأحكام الإسلام. ولنعلم ـ عباد الله ـ أن حقيقة دعوة هؤلاء ليس الوصول لحرية المرأة، وإنما حرية الوصول إليها وإن أظهروا لنا خلاف ذلك، إلا أن فلتات اللسان تأبى إلا أن تخرج المكنون، يقول أحد دعاة هذه الحرية المزعومة: "كيف قادَتنا جاهليّتُنا الحديثة إلى أن قسّمنا وجودَنا وكياننا إلى قسمين قليلاً ما التقينا؟!".

وبعد: عباد الله، فإن حرية المرأة الحقة تكمن في عبوديتها لله واستسلامها لأوامر دينها، حرية المرأة مربوطة بالقوامة عليها والتي تحفظ لها كيانها وتحافظ على عفتها، حرية تجعل المرأة تتدفق حياء وتشرق طهرًا، لا مرحبًا بحرية تقتل الحياء وتغتال الحشمة، ولا مرحبًا بحرية تسترجل فيها النساء ويجترئ عليها السفهاء.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا [النساء: 27].

بارك الله لكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيها من الآيات والحكمة، وأقول ما سمعتم، وأستغفر الله.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

أما بعد: فيا إخوة الإيمان، وقضية أخرى طالما دندن حولها دعاة حرية المرأة وأجلبوا عليها وغرروا آخرين فيها، قضية تنشط تارة ثم تفتر، ثم تهيج تارات ثم تخبو، إنها قضية قيادة المرأة للسيارة، تلك القضية التي لا زال سعارها متوهجًا وشرها يرمي بلظاه في الأيام القريبة الخوالي، رفعت فيها تواقيع ومطالبات، ودبجت فيها مقالات، ومثلت من أجلها مسلسلات، وسيقت فيها قصص وحكايات.

عباد الله، إن من واجب القول وأمانة الكلمة أن نقف مع هذه القضية الحساسة وقفات عدة:

أولاً: أن أمر قيادة المرأة للسيارة قضية محسومة بفتوى شرعية من هيئة كبار العلماء وبقرار موفق يذكر فيشكر لولاة الأمر، وهذه الفتوى إذا كانت غير مقنعة لفئة معينة فهي بحمد الله محل الثقة والاعتبار عند غالبية المجتمع وسواده.

ثانيًا: أن قيادة المرأة للسيارة من القضايا العامة المتعلقة بحياة الجميع، وأثرها وضررها على الكل، والبتّ في هذه القضايا العامة وتقدير المصلحة والمفسدة فيها يتطلب علما راسخًا وفهما ووعيًا بمآلات الأمور وإدراكًا لطبيعة ووضع المجتمع، وقبل ذلك كله تقوى الله تعالى في أعراض المسلمين ونسائهم. وإذا تقرر هذا فليس من الاعتبار في هذه القضية أو الفصل فيها فتح باب التصويت، سواء أكان هذا التصويت في قناة معروفة التوجه أم في مواقع إلكترونية مشبوه أم في صحيفة سيارة ما طرحت التصويت إلا لقناعتها به، ثم أيضا لا يدرى من هو هذا المصوت أمتعلم هو أم جاهل، أعاقل أم سفيه، أمتزن أم طائش، ومع ذلك تأتي النِّسَب والنتائج عكس ما كان يتوقعه ويؤمله هؤلاء بكثير.

ثالثًا: أن أساس الفتوى الشرعية وأسّ القرار الحكومي ليس لذات القيادة، وإنما لغيره من المفاسد المتنوعة والنتائج الضارة، والجدال في هذه القضية على أنها محرم لذاتها خروج عن الموضوع وتلبيس على من لا يدرك الفرق بين الأمرين.

رابعًا: أن هذه المطالبات هي في الحقيقة من أقلية لا رقم لها في حساب المجتمع، وليس لأقلية أن تفرض رأيها أو توجهاتها على رأي الأغلبية الساحقة، وإلا لحدث بلبلة واضطراب في كيان المجتمع.

خامسًا: سؤال يطرح نفسه: لماذا تختصر قضية حرية المرأة وإصلاحها في قيادة؟! هل انتهت مشاكل المرأة في بلدنا ولم يبق إلا أمر القيادة؟! أين الحديث عن انتشار قضايا المعاكسات وبيوت الدعارة؟! أين الحديث عن أثر الإعلام في إفساد المرأة؟! نتمنى من هؤلاء الغيورين على المرأة أن يتلفتوا إلى المشاكل الحقيقية التي تحيط بالمرأة وتعطل من دورها في المجتمع، والتي لا شك أن قيادة السيارة ليست منها، فضلاً عن أن تكون من أهمها وعلى رأسها.

سادسًا: أن هذه القضية ليست مسألة ركوب سيارة، بل هي قضية لها ما بعدها لا ينبغي أن نفصلها عن مشاكلنا الاقتصادية أو اختناقاتنا المرورية أو عن قيمنا وأعراضنا وإن تسامح فيها المتساهلون. ماذا عن المشاكل الأخلاقية والأخرى الأمنية التي لا يعلم مداها إن انفجرت إلا الله تعالى؟! ومن الغفلة والتغافل أيضا أن ننظر إلى مسألة القيادة كقضية مفرد وليس جزءًا وحلقة من مشروع كبير طالما دندن حوله المنغمسون في ثقافة المرأة.

سابعًا: إذا كانت قيادة المرأة للسيارة نافعة للمرأة في مجتمعنا ولا ضرر عليها وأن من يمنع ذلك مصاب بعقدة رفض كل جديد ـ كما زعموا ـ فأين الدراسات العلمية والإحصائيات الميدانية التي تثبت لنا أن هذه المسألة لا ضرر فيها ولا مفسدة؟! وللأسف أن بعض من يطرح هذه القضية هم من حاملي الألقاب الأكاديمية ويفتقد طرحهم إلى أبجديات الطرح العلمي.

ثامنًا: نعم يوجد في مجتمعنا حالات تحتاج فيها المرأة للقيادة، والسماح لها فيه منفعة وحلّ لمشكلتها، لكن من الخطأ في المعالجة أن ننظر إلى هذه المشاكل الجزئية ونتغافل عن سلسلة المفاسد الكبرى، فالقضايا العامة ينظر في حكمها إلى الأعم الأغلب وإن كان فيه مفسدة وضيم على الغير، ومن قواعد الشريعة المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

تاسعًا: نسائلكم عباد الله: من الذي يطالب ويروّج لهذه الدعوات؟ أهو عالم بالشرع يفقه الحلال والحرام ويفهم مقاصد الشريعة، أم هو مسؤول يقدر للكلمة عواقبها، أم هو رجل غيور يخشى الله في نساء المسلمين؟! إنهم حفنة من المستهترين المسعورين خلف المرأة أو من المقترين بهم ممن قلّ فقههم وقصر إدراكهم في هذه القضية.

ثم عاشرًا وأخيرًا: سؤال آخر يطرح نفسه: لماذا تطرح هذه القضية في أوقات الأزمات وإبان الحملات المغرضة ضدّ بلادنا والتي من المفترض أن يكون المجتمع فيها لحمة واحدة مع علمائه وولاته؟! فأين صدق الانتماء ودعاوى الوطنية ممن يصنع ويتفنن في مثل هذه الإثارة؟!

الخلاصة ـ عباد الله ـ أن أمر القيادة سيفتح أبوابًا من المفاسد كثيرة تكلّم عنها العلماء وبسطها الناصحون، وعدُّها وحصرها مقام يطول، وحسبنا أن نعرف أن قيادة السيارة مطيّة لنزع الحجاب أو التساهل فيه، وحال الحجاب اليوم لا يحتمل مزيدًا من التسامح واللعب فيه، وقد علمتنا حوادث الأيام وتجارب الدول القريبة أن قيادة نسائهم ما زادهم إلا تمردًا على الحجاب أو التساهل فيه، والسعيد من وعظ بغيره.

نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً