أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى حق تقواه، فإن من اتقى الله حفظه ووقاه، ومن سأله منحه وأعطاه، ومن توكّل عليه كفاه وآواه.
أيها المسلمون، دلائل وحدانية الله وآياتُ قدرته كثيرة، لا تُعدّ ولا تحصى، وشواهدُ عظمته وفيرة لا تحدُّ ولا تستقصى.
فوا عجبًا كيف يُعصى الإله أم كيـف يجحده الجاحدُ
ولله فـي كـلّ تحريـكةٍ و تسكينـةٍ أبدًا شاهـدُ
وفِي كل شـيء له آيـة تدل علـى أنه الواحـدُ
أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل: 63].
ولكن القلوب عن آيات الله غافلة، والنفوس عن شواهد قدرته لاهية، والعقول عن دلائل عظمته شاردة، إلا من رحم الله، فأين المتفكرون؟ وأين المتأملون؟ أين أولو الألباب؟ وأين أهل البصائر واللباب عن التفكير في عظمة رب الأرباب، وقدرة مسبب الأسباب، وخالق الناس من تراب؟ ليقودهم ذلك إلى توحيد ربهم جل وعلا، وإخلاص الدين له، وإفراده بالعبادة دون سواه.
إخوة الإسلام، هنالك نعمة من نعم الله، وآية من آياته، لا غنى للناس عنها، هي مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، تلكم ـ يا رعاكم الله ـ هي نعمة الماء والمطر، وآية الغيث والقطر.
إخوة الإيمان، الماء أصل النماء، الفائق على الهواء والغذاء والكساء والدواء، هو عنصر الحياة وسبب البقاء، من الذي أنشأه من عناصره إلا الله؟! ومن الذي أنزله من سحائبه إلا الله؟! أَفَرَءيْتُمُ ٱلْمَاء ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ [الواقعة: 68-70]، وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30]، وَهُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء طَهُورًا لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـٰمًا وَأَنَاسِىَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا [الفرقان: 48-50].
تلك كوكبة من آيات كتاب الله، تدل على عظمة هذه النعمة، وأهمية تلكم المنة.
أمة الإسلام، إنه لا يقدر هذه النعمة قدرها إلا من حُرمها، تأمَّلوا في أحوال أهل الفقر والفاقة، التي تغلب على حياة من ابتلوا بالجدْب والقحط والجفاف والمجاعة، سائلوا أهل المزارع والمواشي، في أي حالة من الضر يعيشون، لقلة الأمطار، وغور المياه، وهي سبب خصب مزارعهم وحياة بهائمهم، أرأيتم يا من تنعمون بوفرة المياه، ماذا لو حبس الماء عنكم ومنعتم إياه؟ هل تصلح لكم حال؟! وهل يقر لكم قرار؟! وهل تدوم لكم حياة؟! قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ [الملك: 30]، إنه لا منجأ ولا ملجأ من الله إلا إليه.
ومن حكمته تبارك وتعالى أن لا يديم عبادهُ على حالة واحدة، بل يبتليهم بالسراء والضراء، ويتعاهدهم بالشدة والرخاء، ويمتحنهم خيرًا وشرًا، نعمًا ونقمًا، محنًا ومنحا، وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35]، وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَٱلأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة: 155].
ومن ابتلاء الله لعباده حبسُ القطر عنهم، أو تأخيره عليهم، أو نزع بركته منهم، مع ما للمطر من المنافع العظيمة للناس والبهائم والزروع والثمار، وما في تأخيره من كثير من المضار.
معاشر المسلمين، إن للغيث أسبابًا جالبة وأخرى مانعة، هل سألنا أنفسنا ونحن في مواسم الغيث: هل أخذنا بأسباب نزوله، أم قد نكون نحن بأفعالنا سببًا في منعه؟ تعالوا بنا نعرض شيئًا من أحوالنا، لعلها تكون ذكرى نافعة، وسببًا في تقويم أوضاعنا على منهج الله، لنحظى برزقه الوافر، الذي لا ينال إلا بمرضاته، فالغيث جناح الرزق، قال تعالى: وَفِى ٱلسَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22]، والمطر أصل البركات، قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].
فيا عباد الله، لنحاسب أنفسنا، ألم نقصِّر في تحقيق الإيمان والتقوى؟! ألم تتسلَّل إلى بعض أهل الإسلام لوثات عقدية، ومظاهر شركية، وأخرى بدعية؟! ما ميزان الصلاة وهي ثاني أركان الإسلام، والفارق بين الكفر والإيمان؟! لقد خفَّ مقدارها، وطاش ميزانها عند كثير من الناس إلا من رحم الله، وإذا سألت عن الزكاة المفروضة وإخراجها ترى العجب العجاب، من بخل بعض الناس وتقصيرهم في أدائها، مما نزع البركة من الأموال، وكان سببًا كبيرًا في منع القطر من السماء، أخرج البيهقي والحاكم وصححه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((ولم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)).
لقد ظهرت المنكرات، وعمت المحرمات، في كثير من المجتمعات، فلم يتمعَّر منها وجه، ولم يشمئزّ منها قلب إلا من عصم الله، قتل وزنا، ظلم وربا، خمور ومسكرات، مجونٌ ومخدرات، وفي مجال المعاملات غش وتزوير، وبخس ومماطلة ورشاوي، في انتشار رهيب للمكاسب المحرمة، والمعاملات المشبوهة، وتساهل في حقوق العباد، وعلى الصعيد الاجتماعي هناك مشكلات أسرية معقدة، وعلاقات اجتماعية مفككة، ساد كثير من القلوب الحسد والبغضاء، والحقد والضغينة والشحناء، وقل مثل ذلك في مظاهر التبرج والسفور والاختلاط، وما أفرزته موجات التغريب من مساوئ في النساء والشباب، مما يذكي الجريمة، ويثير الفتنة، ويشحذ الغريزة من مظاهر محرمة، وصور ماجنة، وأفلام خليعة، يتولى كبر ذلك كثير من الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية، حتى ضعفت الغيرة في النفوس، وقل التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، مع أنه قوام هذا الدين، وبه نالت هذه الأمة الخيرية على العالمين، وحصل القصور في مجال التربية والدعوة والإصلاح، مع سيلٍ من مظاهر التحلل والإباحية والعولمة والانفتاح.
فأين الغيرة الإيمانية؟! وأين الحميّة الإسلامية؟! وأين الشهامة الإنسانية؟! وعلى الصعيد العالمي والدولي، هناك حروب وحوادث، ومكائد وكوارث، فتنٌ وبلايا، ومحن ورزايا، ظلم وإرهاب، وفوضى واضطراب.
فاللهم سلم سلم، ورحماك ربنا رحماك، وإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن ذنوبنا كثيرة، ومعاصينا عظيمة، وإن شؤم المعاصي جسيم وخطير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "وهل في الدنيا شرٌ وبلاء، إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!". الذنوب ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، إنها تقضّ المضاجع، وتدع الديار بلاقع، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن ما عند الله لا يستنزل إلا بالتوبة النصوح، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة).
عباد الله، لقد شكوتم إلى ربكم جدْب دياركم، وتأخر المطر عن إبّان نزوله عن بلادكم وأوطانكم، فما أحرى ذلك أن يدفعكم إلى محاسبة أنفسكم، ومراجعة دينكم، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11]، أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165]، وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى: 30]، ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].
وما ابتلي المسلمون اليوم بقلة الأمطار، وغور المياه، وانتشار الجدْب والقحط، وغلبة الجفاف والمجاعة والفقر، في بقاع كثيرة من العالم، إلا بسبب الذنوب والمعاصي.
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذلَّ إدمانَها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانهـا
إذا كنت في نعمة فارعهـا فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإلـه فإن الإلـه سريع النِّقَم
أيها الأحبة في الله، إن تشخيص الداء في هذه القضية يحمل في طياته أسبابًا كثيرة، منها: غفلة العباد، وقسوة قلوبهم، وضعف إيمانهم، وانتشار الذنوب والمعاصي بينهم، لا سيما منع الزكاة، ونقص المكاييل والموازين، والتقصير في الدعاء والضراعة، والإعراض عن التوبة والتسويف فيها، وإغفال الاستغفار الذي هو السبب العظيم في استنزال المطر من السماء، يقول تعالى عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12]، وقال سبحانه عن هود عليه السلام: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ [هود: 52]، واستسقى عمر رضي الله عنه فلم يزد على الاستغفار، فقيل له في ذلك، قال: (لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر).
فالاستغفار ـ يا عباد الله ـ هو الدواء الناجع في حصول الغيث النافع، ولا بد في الاستغفار أن يكون صادقًا، فقد قال بعض السلف: "استغفارنا يحتاج إلى استغفار".
فلنتق الله عباد الله، ولنعلم أنه ليس طلب الغيث بمجرد القلوب الغافلة، والعقول اللاهية، وإنما يتطلب تجديد العهد مع الله، وصدق العمل بشريعة الله، وفتح صفحة جديدة من حياة الاستقامة، وإصلاحًا شاملاً في كل مرافق الحياة، ومع هذا كله ففضل الله واسع، ورحمته وسعت كل شيء، وعفوه عمَّ كل التائبين، فما ضاق أمرٌ إلا جعل الله منه مخرجا، وما عظم خطب إلا جعل الله معه فرجا، فمنه يكون الخوف، وفيه يكون الرجا، هاهو جل وعلا ينادي عباده للتوبة والإنابة: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر: 53]، ويقول سبحانه: وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًَا ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ [طه: 82].
وإن مواهب ربنا لجليلة، عطاياه لجزيلة، بابه للسائلين مفتوح، وعطاؤه للمقبلين ممنوح، وفضله للراغبين يغدو ويروح، فاشكروه على ما أعطى، وارجعوا عن المعاصي والأخطاء، جددوا التوبة من ذنوبكم، واتركوا التشاحن، واخرجوا من المظالم، وأحسنوا الظن بربكم، وتسامحوا، وتراحموا، ولا تقنطوا من رحمة الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
وإنِّي لأدعو الله حتى كأنَّما أرى بجميل الظن ما الله صانع
أيها الإخوة في الله، من رحمة الله بعباده أن أنزل لهم من الغيث نوعين اثنين: أحدهما معنوي والآخر حسي.
فالأول غيث القلوب والأرواح بالكتاب والسنة، وهذا الغيث هو مادة حياة القلوب، وصفاء الأرواح، وبه تتحقق سعادة الدارين، وصلاح الحياتين، وهذا الغيث ـ يا عباد الله ـ هو ما يفتقده الناس اليوم على الحقيقة، بل إن ضرورتهم إليه وحاجتهم له أشد من الغيث الحسي، وهو غيث الأرض بالمطر، ولا يحصل الثاني إلا بتحقق الأول، فعلينا ـ يا عباد الله ـ أن نتفقد قلوبنا؛ هل رويت من القرآن، أم هي ظامئة عطشى؟ يجب علينا أن ننظر في صحائفنا، هل هي ربيع لوحي الله، أم قاحلة جدْباء؟ لعل ذلك يدفعنا إلى إصلاح حالنا، وتقوية الإيمان في قلوبنا.
عباد الله، يا من خرجتم تستغيثون، هنيئًا لكم اجتماعكم هذا، لقد أجبتم داعي الله، وأحييتهم سنة رسول الله ، وامتثلتم أمر ولي الأمر وفقه الله، فلا حرمكم الله فضله وثوابه، وحقق آمالكم، واستجاب دعاءكم، وإنه لمن الحرمان العظيم تساهل بعض الناس في حضور دعوة الخير، وإحياء سنة المصطفى .
هذا وإن الارتباط بين الغيث المعنوي والحسي عظيم ووثيق، فإذا أجدبت الأحاسيس والمشاعر، وقحطت المعاني الخيّرة والمثل العليا في النفوس والضمائر، وساد الناس جفاف في الإيمان والسلوك، بليت الأمة بمنع القطر، وإذا رُويت بالإيمان والتقوى سعدت في الأولى والعقبى، وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ [الأنعام: 42، 43].
فيا عباد الله، ألم يأن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر الله، فلنتق الله عباد الله، ولنتأس بنبينا الحبيب المصطفى ، فقد خرج يوم الاستسقاء متخشِّعًا متذللاً، متضرعًا، مجتهدًا في الدعاء، لأن الاجتهاد في الدعاء من أعظم الأمور التي يستنزل بها المطر، يقول سبحانه: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186]، وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]، وقد ورد أن الله عز وجل يستحي من عباده، إذا رفعوا أيديهم إليه، أن يردها صفرًا أي خائبتين.
أتَهزأ بالدعـاء وتزدريـه ولم تدْر ما صنع الدعـاء
سهام الليل لا تخطئ ولكن لَها أمدٌ وللأمد انقضـاء
إذا علمتهم ذلك ـ يا عباد الله ـ فارفعوا قلوبكم وأيديكم إلى ربكم ومولاكم، والهجوا بالثناء عليه سبحانه، طالبين الغيث منه، راجين لفضله، مؤمِّلين لكرمه، ملحِّين عليه بإغاثة القلوب والأرواح، وسقي البلاد والعباد، فمتى علم الله إخلاصكم وصدقكم وتضرعكم، أغاث قلوبكم بالتوبة إليه، وبلدكم بإنزال المطر عليه.
لا إله إلا الله غياث المستغيثين، وراحم المستضعفين، وجابر كسر المنكسرين، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العشر الكريم.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.
اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا مريعًا سحًّا غدقًا طبقا عامًا واسعًا مجللا، نافعًا غير ضار، عاجلا غير آجل، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاءٍ ولا هدم ولا غرق.
اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أغثنا غيثًا مباركا، تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد.
اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته عونًا لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ الضرع، وأسقنا من بركاتك، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض.
اللهم ارفع عنا الجهد والقحط والجفاف، وعن بلاد المسلمين يا رب العالمين، واكشف عنا من الضر ما لا يكشفه غيرك.
اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك.
اللهم ارحم الشيوخ الركع، والبهائم الرتع، والأطفال الرضع، اللهم اكشف الضر عن المتضررين، والكرب عن المكروبين، وأسبغ النعم، وادفع النقم عن عبادك المؤمنين.
اللهم صل وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المتقين، وأشرف المرسلين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، والقحط وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة، يا رب العالمين.
اللهم أمدَّ بالعون والتسديد والتوفيق أميرنا وسائر المسلمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، لقد كان من سنة نبيكم ، بعدما يستغيث ربه أن يقلب رداءه، فاقلبوا أرديتكم، اقتداءً بسنة نبيكم ، وتفاؤلاً أن يقلب الله حالكم من الشدة إلى الرخاء، ومن القحط إلى الغيث، وليكون ذلك شعارًا وعهدًا تأخذونه على أنفسكم بتغيير لباسكم الباطن إلى لباس الإيمان والتقوى بدلاً من لباس الذنوب والمعاصي.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك محرومين.
اللهم هذا الدعاء، ومنك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
سُبْحَـٰنَ رَبّكَ رَبّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الصافات: 180-182]، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
|