.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

ليلة القدر ونصيحة المفتي

4847

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة

محمد بن خالد الخضير

الثقبة

23/9/1428

مسجد ابن حجر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حرص النبي في العشر الأواخر من رمضان. 2- فضائل ليلة القدر. 3- تحديد ليلة القدر. 4- الحكمة من إخفاء تعيينها. 5- نصيحة سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ للشباب.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله، إن كان في النفوس زاجر وإن كان في القلوب واعظ فقد بقيت من أيام شهر رمضان بقيةٌ، وأي بقية؟! إنها عشره الأخيرة، بقية كان يحتفي بها نبيكم محمد أيما احتفاء، في العشرين قبلها كان يخلطها بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر شمّر وجد وشد المئزر، هجر فراشه، أيقظ أهله، يطرق الباب على فاطمة وعلي رضي الله عنهما قائلاً: ((ألا تقومان فتصليان؟!))، يطرق الباب وهو يتلو: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ [طه: 132]، ويتجه إلى حجرات نسائه آمرا: ((أيقظوا صواحب الحجر؛ فرُبّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة))، ألم يكن النبي إذا بقي من رمضان عشرة أيام لا يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه؟!

أيها المسلمون، اعرفوا شرف زمانكم، واقدروا أفضل أوقاتكم، وقدّموا لأنفسكم، لا تضيعوا فرصة في غير قربة. إحسان الظن ليس بالتمني، ولكن إحسان الظن بحسن العمل، والرجاء في رحمة مع العصيان ضرب من الحمق الخذلان.

في هذِه العشرِ المباركة ليلةُ القَدْرِ الَّتِي شرَّفها الله على غيرها، ومَنَّ على هذه الأمة بجزيل فضلها وخيرها، أشادَ الله بفضلها في كتابة المبين فقال تعالى: إِنَّآ أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: 3-5].

وصفَها الله سبحانَه بأنها مباركةٌ لكَثْرةِ خيرِها وبَركتِها وفضلها، فمِن بركتها أنَّ هذا القرآنَ المباركَ أُنْزِلَ فيها، ووصَفَها سبحانَه بأنه يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم، يعني يفصَل من اللوح المحفوظِ إلى الْكَتَبةِ ما هو كائنٌ مِنْ أمرِ الله سبحانَه في تلك السنةِ من الأرزاقِ والآجالِ والخير والشرِّ وغير ذلك من كلِّ أمْرٍ حكيمٍ من أوامِر الله المُحْكَمَةِ المتْقَنَةِ التي ليس فيها خَلَلٌ ولا نقصٌ.

وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [سورة القدر].

أيها الإخوة الصائمون، في هذه السورةِ الكريمةِ فضائلُ متعددةٌ لليلةِ القدرِ:

الفضيلةُ الأولى: أن الله أنزلَ فيها القرآنَ الَّذِي بهِ هدايةُ البشرِ وسعادتُهم في الدُّنَيا والآخرِةِ.

الفضيلةُ الثانيةُ: ما يدُل عليه الاستفهامُ من التفخيم والتعظيم في قولِه: وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.

الفضيلةُ الثالثةُ: أنَّها خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ.

الفضيلةُ الرابعةُ: أنَّ الملائكةَ تتنزلُ فيها وهُمْ لا ينزلونَ إلاَّ بالخيرِ والبركةِ والرحمةِ.

الفضيلةُ الخامسةُ: أنها سَلامٌ لكثرةِ السلامةِ فيها من العقابِ والعذابِ بما يقوم به العبدُ فيها من طاعةِ الله عزَّ وجلَّ.

الفضيلة السادسةُ: أنَّ الله أنزلَ في فضلِها سورة كاملةً تُتْلَى إلى يومِ القيامةِ.

ومن فضائل ليلةِ القدرِ ما ثبتَ في الصحيحين من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ قالَ: ((من قَامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))، فقوله: ((إيمانًا واحتسابًا)) يعني: إيمانًا بالله وبما أعدَّ اللهُ من الثوابِ للقائمينَ فيهَا، واحتسابًا للأجرِ وطلب الثواب.

وليلةُ القدرِ في رمضانَ؛ لأنَّ الله أنزلَ القرآنَ فيهَا، وقد أخْبَرَ أنَّ إنزالَه في شهرِ رمضانَ، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1]، وقال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185].

وليلةُ القَدْر في العشر الأواخر من رمضانَ لقول النبيِّ : ((تَحَرِّوا ليلةَ القدرِ في العشرِ الأواخر من رمضانَ)) متفقٌ عليه. وهي في الأوْتار أقْرب من الأشفاعِ لقولِ النبيِّ : ((تحروا ليلةَ القدرِ في الْوِترِ من العشرِ الأواخر من رمضان)) رواه البخاري.

وهي في السَّبْعِ الأواخرِ أقْرَبٌ، لحديث ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رجالاً من أصحاب النبيِّ أُرُوا ليلةَ القدرِ في المنام في السبعِ الأواخر فقال النبيُّ : ((أرَى رُؤياكُمْ قد تواطأت ـ يعني: اتفقت ـ في السبعِ الأواخرِ، فمن كانَ مُتَحرِّيَها فَلْيتحَرَّها في السبعِ الأواخرِ)) متفق عليه، ولمسلم عنه أنَّ النبيَّ قال: ((التمِسُوَها في العشر الأواخر ـ يعني: ليلةَ القدْرِ ـ، فإن ضعف أحدُكم أو عجز فلا يُغْلَبَنَّ على السبعِ البواقِي)).

وأقربُ أوْتارِ السبعِ الأواخرِ ليلةُ سبعٍ وعشرينَ لحديثِ أبيِّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: والله، لأعلم أيُّ ليلةٍ هي الليلةُ التي أمرنا رسول الله بقيامِها هي ليلةُ سبعٍ وعشرينَ. رواه مسلم.

ولا تَخْتَصُّ ليلةُ القدرِ بليلةٍ معينةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تَنتَقلُ فتكونُ في عامٍ ليلةَ سبع وعشرينَ مثلاً، وفي عام آخرَ ليلة خمسٍ وعشرينَ، تبعًا لمشيئةِ الله وحكمتِه، ويدُلُّ على ذلك قولُه : ((الُتمِسُوها في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقَى، في خامسةٍ تبقَى)) رواه البخاري. قال في فتح الباري: "أرجح الأقوال أنها في وترٍ من العشرِ الأخيرِ، وأنها تَنْتَقِلُ" اهـ.

وقد أخفَى الله سبحَانه عِلْمَها على العبادِ رحمةً بهم؛ ليَكْثُر عملُهم في طلبها في تلك الليالِي الفاضلةِ بالصلاةِ والذكرِ والدعاءِ، فيزدادُوا قربًا من الله وثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا ليتبينَ بذلك مَنْ كانَ جادًّا في طلبها حريصًا عليها مِمَّنْ كانَ كسلانَ متهاونًا، فإنَّ مَنْ حرصَ على شيءٍ جدَّ في طلبِه وهانَ عليه التعبُ في سبيلِ الوصولِ إليهِ والظَفر به، وربَّما يظهرُ اللهُ عِلْمَهَا لبعضِ الْعبَادِ بأماراتٍ وعلاماتٍ يرَاهَا كما رأى النَبيُّ علامتَها أنه يسجُدُ في صبيحتِها في ماءٍ وطينٍ، فنزل المطرُ في تلك الليلةِ، فسجد في صلاةِ الصبحِ في ماءٍ وطينٍ.

عباد الله، ليلة القدر يفتح فيها الباب، ويقرب فيها الأحباب، ويسمع الخطاب ويرد الجواب. ليلة ذاهبة عنكم بأفعالكم، وقادمة عليكم غدا بأعمالكم، فيا ليت شعري ماذا أودعتموها؟! وبأي الأعمال ودعتموها؟! أتراها ترحل حامدة لصنيعكم أم ذامة تضييعكم؟! هذا أوان السباق فأين المسابقون؟! هذا أوان القيام فأين القائمون؟!

يا رجـال الليـل  جدّوا      ربّ صـوت لا يـردّ

لا يـقـوم اللـيـل إلا      من لـه عـزم وجـدّ

بارك الله لي ولكم في الكتابِ والسنّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروا اللهَ إنّه كان غفّارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا مُباركًا فيه كما يحِبّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبد الله ورسوله، صلّى الله وبارَك عليه وعلَى آلِهِ وأصحابِه.

أما بعد: أيها المسلمون، وجّه سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ نصيحة لعامة المسلمين جاء فيها:

"فإن الله قد أوجب على المسلمين التناصح فيما بينهم والتواصي بالحق، يقول الله تعالى: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر: 3]، ويقول النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). وإني من باب الشفقة على شبابنا والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم رأيت أن أكتب هذه الكلمة بعدما لوحظ منذ سنوات خروج أبنائنا من البلاد السعودية إلى الخارج قاصدين الجهادَ في سبيل الله، وهؤلاء الشباب لديهم حماسة لدينهم وغيرةٌ عليه، لكنهم لم يبلغوا في العلم مبلغًا يميّزون به بين الحق والباطل؛ فكان هذا سببًا لاستدراجهم والإيقاع بهم من أطراف مشبوهة، فكانوا أداة في أيدي أجهزة خارجية تعبث بهم باسم الجهاد، يحقّقون بهم أهدافهم المشينة، وينفذون بهم مآربهم، في عمليات قذرة هي أبعد ما تكون عن الدين، حتى بات شبابنا سلعة تباع وتشترى لأطراف شرقية وغربية، لأهداف وغايات لا يعلم مدى ضررها على الإسلام وأهله إلا الله عز وجل.

وقد سبق أن حذرنا وحذر غيرنا من الذهاب للخارج بهذه الحجّة؛ لأن الأوضاع كانت مضطربة والأحوال ملتبسة والرايات غير واضحة، وقد ترتب على عصيان هؤلاء الشباب لولاتهم ولعلمائهم وخروجهم لما يسمى بالجهاد في الخارج مفاسد عظيمة منها:

1- عصيان وليّ أمرهم والافتيات عليه، وهذا كبيرة من كبائر الذنوب.

2- وجِد من بعض الشباب الذين خرجوا لما يظنّونه جهادا خلعُ بيعة صحيحة منعقدة لولي أمر هذه البلاد الطاهرة بإجماع أهل الحل والعقد، وهذا محرم ومن كبائر الذنوب.

3- وقوعهم فريسة سهلة لكل من أراد الإفساد في الأرض واستغلال حماستهم.

4- استغلالهم من قبل أطراف خارجية لإحراج هذه البلاد الطاهرة وإلحاق الضرر والعنت بها وتسليط الأعداء عليها وتبرير مطامعهم فيها. وهذا من أخطر الأمور؛ إذ هذا الفعل منهم قد تعدّى ضرره إلى الأمة المسلمة، وطال شره بلادا آمنة مطمئنة، وفعلهم هذا فيه إدخال للوهن على هذه البلاد وأهلها.

ومعلوم أن أمر الجهاد موكول إلى وليّ الأمر، وعليه يقع واجب إعداد العدة وتجهيز الجيوش، وله الحق في تسيير الجيوش والنداء للجهاد وتحديد الجهة التي يقصدها والزمان الذي يصلح للقتال إلى غير ذلك من أمور الجهاد كلّها موكولة لولي الأمر، بل إن علماء الأمة أهل الحديث والأثر قد أدخلوا ذلك في عقائدهم، وأكدوا عليه في كلامهم، وعليه فإن الذهاب بغير إذن ولي الأمر مخالفة للأصول الشرعية وارتكاب لكبائر الذنوب.

كما أوصي أبنائي الشباب بطاعة الله قبل كل شيء، ثم ولاة أمرهم والارتباط بعلمائهم، هذا مقتضى الشريعة. وأوصي أصحاب الأموال بالحذر فيما ينفقون حتى لا تعود أموالهم بالضرر على المسلمين، كما أحث إخواني من العلماء وطلبة العلم على بيان الحقّ للناس، والأخذ على أيدي الشباب وتبصيرهم بالواقع، وتحذيرهم من مغبة الانسياق وراء الهوى والحماسة غير المنضبطة بالعلم النافع.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يرينا الحقّ حقًا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، كما أسأله سبحانه أن يعزّ دينه ويعلي كلمته وينصر عباده الموحدين، وأن يحفظ على بلادنا وسائر بلاد المسلمين الأمن والإيمان، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأسأله سبحانه أن يغفر لنا ويرحمنا، وأن لا يسلط علينا بذنوبنا من لا يخافه فينا ولا يرحمنا، إنه سبحانه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

ثمّ اعلموا أنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمرٍ تزكو به أنفسُنا وتعظم به درجاتنا، ألا وهو الإكثار من الصّلاة والسّلام على النبيّ الكريم.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً