أما بعد: عباد الله، اتقوا الله عزّ وجلّ، فقد أمركم بذلك ربكم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الإخوة المؤمنون، الابتداع في الدين ذنب عظيم ومعصية خطيرة، ما عصي الله عزّ وجلّ بمعصية بعد الشرك أعظم من الابتداع في الدين، ولذلك البدعة هي الخطوة التالية للشرك عند الشيطان، فالشيطان يحاول بالمسلم، يتنقل به من خطوة إلى خطوة، كما حذرنا الله عزّ وجلّ بقوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. فالخبيث يتنقل بالمنقاد له خطوة خطوة حتى يصل به إلى الشرك؛ لأن الشرك هو الخطوة الأخيرة للشيطان، أما البدعة فهي الخطوة التي تقع قبل الشرك، بأن يجعل المسلم يتعبّد لله بشيء لم يشرعه له ولم يكلفه به ولم يفرضه عليه. ولك ـ أخي المسلم ـ أن تتصوّر حال ذلك المسكين الذي يعمل أعمالا يرجو ثوابها عند الله فتكون وبالا عليه، يقول النبي : ((من عمل عملا ليس عليها أمرنا فهو رد))، وفي رواية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، ومعنى ((فهو رد)) أي: مردود عليه ليس له حظ من القبول. فالابتداع في الدين أمره خطير، ويترتب عليه مفاسد عظيمة؛ ولهذا حذر الله منه فقال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
نعم أيها الإخوة، الابتداع له أخطار ومفاسد عظيمة، من أبرزها القضاء على الدين الصحيح، فما من بدعة تقام إلا ويذهب مقابلها سنه، يقول النبي : ((ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها)). فهذه مفسدة من مفاسد البدع.
ومن مفاسد البدع أيضا إعادة المجتمع الذي تنتشر فيه إلى حياة الجاهلية، والذي من مميزاته وصفاته وسماته التفرق والتمزّق والاختلاف، فكل مبتدع يظنّ أنه على حق، فينتصر لبدعته، فتحصل الفرقة؛ ولذلك لا يمكن أن يكون الناس على كلمة واحدة إلاّ إذا كانوا أهل سنّة، ولذلك قال الله عزّ وجلّ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون.
أيها الإخوة المؤمنون، ومن البدع التي بليت بها الأمة ما يفعله بعضهم في مثل هذا الشهر شهر رجب من عبادات بدعية، حيث يخصونه بصيام بعض أيامه وبقيام بعض لياليه وبذبح الذبائح قربة إلى الله، وكذلك منهم من يخصه بعمرة، ومنهم من يخصه بغير ذلك. وشهر رجب كغيره من الشهور، إلا أنه من الأشهر الحرم، لا قتال فيه، أما تخصيصه بنوع من العبادة دون غيره من الشهور فلا شك أن ذلك بدعة.
أيها الإخوة المؤمنون، ومن البدع المحدثة في مثل هذا الشهر بدعة الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، فالمبتدعة يحتفلون بهذه المناسبة في ليلة السابع والعشرين من رجب، إذ يجتمعون في المساجد، ويلقون ويستمعون الخطب والمحاضرات، ويعقدون الندوات، ويضيئون المصابيح. ولا شك ـ أيها الإخوة ـ أنّ الإسراء والمعراج من آيات الله، ذكرهما في كتابه، وأوجب الإيمان بهما على عباده، ولكنه لم يشرع لنا أن نحتفل بمناسبتهما، ولو كان ذلك مشروعا لفعله نبيه أو أصحاب نبيه رضي الله عنهم.
أيها الإخوة المؤمنون، وللمعلومة فإن ليلة الإسراء والمعراج هذه التي يحتفلون بها لم تثبت أنها ليلة السابع والعشرين، بل لم تثبت بأنها في شهر رجب ولا في غيره من الشهور، وفي تحديدها خلاف بين المؤرخين، فمنهم من قال: إنها في شهر ذي القعدة، ومنهم من قال: هي في ربيع الأول، وتحديدها متى هي وفي أي ليلة ليس من الأمور المهمة؛ لأنه لا يتوقف على تحديدها حكم شرعي ولا فائدة في تعيينها، وحتى لو عينت وثبت متى هي لم يجز لمسلم أن يحتفي بها، ولا أن يخصّها بعبادة، ولا أن يميزها بتعظيم؛ لأن النبي أحرص الناس وأتقاهم، ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك، وكذلك الصحابة الكرام، وكذلك أهل القرون المفضلة، ولو كان الاحتفال بها مشروعا لبيّنه النبي إما بقوله وإما بفعله.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا البدع وأهل البدع، تمسّكوا بكتاب ربكم، واعمَلوا بسنة نبيكم، ففيهما النجاة والفوز والفلاح والنجاح.
أسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا وسلامة دائمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|