أيها الناس، إذا كان الحديث يطيب ويطول عن الوقت وأهميته فلأنَّ الله أقسم به ليلا ونهارا صباحا وضحى، ولأنه حياتنا، فماذا يقال عن الوقت في الإجازة حين تغلق المدارس وتفتح كل الأبواب؟! ومن المستفيد من فوضى البرنامج الصيفي؟! تساؤلات كثيرة ملِحّة تحتاج إجابة صادقة وواقعية، فإلى أي شيء يتطلع جمهور الشباب ذكورا وإناثا راشدين ومراهقين وأطفالاً؟ وماذا يدور في مخيلة الأولياء؟ وما البرامج التي تشرف عليها المؤسسات وتسهم بها في استصلاح الشباب واستثمار الفراغ؟ وهل تفي وسائل الإعلام بتقديم برامج مفيدة لتحصين الشباب من التيارات الوافدة المنحرفة في العقيدة والأخلاق؟ ما الوسائل المشروعة والممنوعة؟ وهل الترفيه مقصور على فئة محدودة ورسم البرامج على ضوء مراداتها، أم المجتمع بكل شرائحه يستحقّ العناية بمطالبه وطموحاته المشروعة؟ سل نفسك وفكر في هذه الإجازة وما نصيب الآخرة؟ وكيف تقضى الأوقات وتُنفق الأموال وتحفظ الأوقات؟ فهي أمانة وسوف تسألون.
عباد الله، وماذا عن طول الإجازة وملل النفوس؟! تحدُث المشكِلة ويكمُن الدّاء حين تتّسع أوقاتُ الفراغ في المجتمعاتِ، لا سيما شريحة الطلاب والطالبات، حتّى صارت عبئًا ثقيلاً ومَنفذًا لإهدارِ كثيرٍ مِن المجهودات والطّاقات المثمِرة. إنّ غيابَ الضّبط والتّحليل والتّرشيد لهذه الظاهرة ليمثِّل دليلا بارزًا على وجود شرخٍ في المشروع الحضاريّ، وغير بعيدٍ أن تؤتَى الأمّة المسلمة من قبله، وإنّ عدمَ وعينا بخطورة هذا المسلك تجاهَ أوقات الفراغ وعدَم العناية بالمادّة المناسبَة لشغل تلك الأوقات في استغلال العمليّات التنمويّة والفكريّة والاقتصاديّة البنَّاءة لجديرٌ بأن يقلِبَ صورتَه إلى مِعوَل هدم يضاف إلى غيره من المعاول، من حيثُ نشعر أو لا نشعر.
عباد الله، إن معالجتنا لمشكلة الفراغ في الصيف ينبغي أن تنطلق من مسلَّمَتين أساسيتين وهما: أنّ هذا الوقت هام بالنسبة للشباب، وأن الشباب في حاجة إلى اكتساب مهارات أساسية في هذا الوقت بالذات لأن الأوقات الأخرى مليئة بمسؤولياتها.
إنَّ تحديدَ المنطلق سيلزمنا بتغيير تصوّراتنا وتصورات شبابنا حول الصيف والفراغ، وذلك لن يكون أمرًا سهلا يعالج من خلال مقالة في الصحف أو خطبة منبر، ولكنه يحتاج إلى جهود منظمة تبدأ من تحديد تصور واضح، وترحل الهموم إلى الشباب ليتفاعل معها ويستوعبها ويصحح تصوراته السابقة، ومن ثم توضع الإجراءات العملية لعلاج المشكلة، وذلك بإعادة تنظيم برامج الأنشطة الصيفية القائمة، ونصبح كلنا مستفيدين، أما أن نقوم بالتفكير نيابة عنهم ونتولى عناء الإقناع وفي النهاية هم لا يشكرون حين فرضت عليهم الوصاية وشلّت قواهم الفكرية والعضلية عن المشاركة في مرادهم فهذا لا يجدي. وكما ندعم الغذاء البدني يجب علينا دعم الغذاء الروحي، فالعالم بعلمه والمدرس برأيه والغني بماله، وسينعم أهل كل حي بالهدوء والسكينة، وتختفي التجمعات الفارغة والعبث الذي يزعج المارة، ولكل جهة من الجهات الأمنية والتربوية والاجتماعية انتهاءً بأولياء الأمور نصيب في تحمل مسؤوليته وأداء دوره وحضوره الفعّال.
عباد الله، ليس الشأن أن نحسن جمع الناس على أي شيء ولو على العبث، ولكن ماذا ستعطي وتقدم؟ وكيف يكون تفريقهم؟ لأن جمع الشتات بلا توجيه تقاربٌ بين جوانب الضعف بين الناس، ولو تولى كل قوم سفهاءَهم لكان خيرًا من جمع بعضهم إلى بعض فتفقد السيطرة وتلقح المفاسد بعضها.
يا ولي الأمر، إذا كان أولادك صلحاء فلماذا تتصور صلاح الآخرين؟! وإذا كنت قويًا حاضرًا فطنًا فهل كل الآباء بهذا المستوى؟! نعم، لا يكفي أن توافق على المشاركة في أي نشاط؛ بل كن على تواصل معه واطلاع على مجرياته وبرامجه، بداية من حلق التحفيظ إلى المراكز ومرورًا بالمهرجانات الصيفية بعامة، فليس الأولاد عبئًا تضعه عن كاهلك أو يبلى به الآخرون وفي النهاية يلامُ العاملون. وإذا كانت الحيطة والضوابط لا تعني الشك والريبة فإن الثقة لا تعني الفوضى والاتكالية، وكلنا معنيّ بهذا الأمر وإن اختلفت مواقع التأثير ومقدار المشاركة.
عباد الله، الخطأ في أي مشروع لا يعني إغلاقه؛ لأن باب سد الذرائع واسع بمفهوم وضيق بمفهوم، وقد يصل إلى تعطيل الحركة، ولأن تقليل النوافذ يضيق مجالات التنفس الطبيعي، وتعطيل المنافذ يربي في النفوس كسر الحواجز، وقد تحقق حين تمنح الثقة الواعية من المكاسب أضعافُ ما تصرف من تكاليف الرقابة.
عذرًا أيها الناقدون، نسمع ونقرأ بين فينة وأخرى أقلامًا وألسنة حدادًا تهرش في كل جهد، وتحاكم إلى الصور المثلى، وتبغي أعلى نسب النجاح، وليس هذا فحسب؛ بل ترى أن الخطوة الأولى والحل السريع للتخلص من تبعات المناصحة المسارعة إلى الإيقاف والإجهاض. وهذا نوع من ضيق الأفق، وفقد آلة التحاور مع الآخرين، وهي غالبًا بضاعة المتفرجين وأصحاب الفرضيات، أما الذين باشروا الأعمال في الميدان وكانت لهم سابقة في معالجة الناس فهم قبل هذا ومعه يقدرون لكل عامل جهدَه ويتفهّمون الخطأ بملابساته ويتيحون فرصًا للمعاذير والمعالجة، وفي النهاية يتحول الجميع إلى أصحاب همٍّ ومشاركة فاعلة ومشروع متنوع العطاءات، وتستقر الرؤى على أرضية مشتركة.
نعم، هناك أخطاء، وتوجد ثغرات وتجاوزات في كل عمل بشري، ولكن المعوّل على القصد والهدف مع كثرة الصواب، والنائم وحده هو الذي لا يتعثر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|