عباد الله، إن أهل العقل والعلم والنظر المتوازن ليسوا بمغرمين ولا بمبالغين في تصوير أن وراء كل حدث مؤامرة، وليسوا بالمتوهِّمين أن وراء كل قرار تآمرًا، لكنهم في الوقت ذاته لن يكونوا من أولئك الذين يسلمون القياد ويرخون الزمام لتقودهم أفكار فاسدة أو تضلّهم دعوات ماكرة أو أن يسيروا خلف كل ناعقة.
كم تحدث المتحدثون عن حقوق المرأة وعملها، وكم اجتمعوا من أجل بطالتها، وكم قرّروا لأجل إنقاذها وإخراجها من معاناتها، وهذه كلها كلمات جميلة ودعوات بريئة، كل يتمنى تحقيقها، ولكن هل الواقع هو ما يعلن عنه أولئك؟!
عباد الله، إن المرأة في بلادنا مستهدفة، تصبح وتنام على خطوات عملية تصحبها حملة إعلامية مكثفة، هدفها إخراج المرأة من بيتها ولو بلا هدف، والغاية أن تتجرد من حيائها وحجابها؛ لتصبح ألعوبة بأيديهم وأداة لتحقيق مآربهم.
لقد كانت بداية هذه المؤامرة على المرأة من قبل أعداء الإسلام من غير المسلمين، ثم جنّدوا لها من هذه الأمة من فقَدَ اعتزازه بعقيدته وتمسكه بدينه و انتماءه لأمته. يقول المنصّر زويمر: "إن خبرة الصيادين تعرف أن الفيلة لا يقودها إلى سجن الصياد الماكر إلا فيل عميل أتقن تدريبه".
عباد الله، إن من يقف وراء هذه الدعوات والمؤامرات على بنات المسلمين هم أصحاب الشهوات ودعاة الرذيلة والسفور من العلمانيين والمنافقين وعملاء الغرب الذين أنبتوهم في بلاد المسلمين. إن أدعياء حقوق المرأة يقولون ما لا يفعلون، ويظهرون ما لا يبطنون، ويتكلمون بما لا يعتقدون، هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون: 4].
عباد الله، إن بعض أدعياء توظيف المرأة يريد من دعوته تلك تحقيق عدد من الأهداف، من أهمها خروج المرأة من بيتها وتنكّرها لفطرتها؛ لأنهم يعلمون أن مجرد خروج المرأة من بيتها لغير حاجتها هو اجتراء منها على أمر الله سبحانه وتعالى لها ولغيرها من بنات جنسها بالقرار في بيتها، حيث يقول سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33].
ومن أغراضهم في خروج المرأة للعمل الافتتان بها ومن ثم فسادها وانحرافها، إنهم يعلمون مَيلَ الرجل إلى المرأة وافتتانه بها، وخروج المرأة من بيتها واحتكاكها بالرجل تعريض له للفتنة، ولقد صدق القائل:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهنّ أضعف خلق الله إنسانا
وأصدق من قول الشاعر تحذير النبي من فتنة النساء، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)). بل لقد كانت المرأة هي أول فتنة لبعض الأمم السابقة، قال : ((فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
عباد الله، إن المرأة حين تتنكر لأمر الله تعالى بالقرار في بيتها وتخرج للعمل في بيئة مختلطة أو قابلة للاختلاط أو تعمل في عمل لا يتلاءم مع فطرتها لهي تفتح عليها بابًا من أبواب الفساد والانحراف، وهذا هو ما يرجوه أدعياء توظيف المرأة؛ لأن فساد المرأة ليس مقصورًا عليها فقط، بل فسادها فساد للأسرة التي تعيش فيها، وفساد للجيل الذي تتولى تربيته، وفساد لبيئة العمل التي تعمل فيها.
عباد الله، ومن أهداف أدعياء توظيف المرأة انهيار الأمم وسقوط الحضارات، لقد عد بعض العقلاء خروج المرأة من بيتها للعمل سببًا في سقوط الأمم، ومثلوا لذلك بالحضارة الرومانية، حيث كن النساء عند الرومانيين محباتٍ للعمل مثل محبة الرجال له، يقتحمون غمرات الحروب، وكان أهم أعمال النساء بعد تدبير المنزل الغزل وشغل الصوف، ثم دعاهم بعد ذلك داعي الهوى والترف إلى إخراج النساء من خدورهن ليحضرن مجالس الأنس والطرب، فخرجن كخروج الفؤاد من بين الأضالع، فتمكن الرجل من إفساد أخلاقهن وتدنيس طهارتهن وهتك حيائهن حتى صرن يحضرن المراقص ويغنين في المنتديات، وساد سلطانهن حتى صار لهن الصوت الأول في تعيين رجال السياسة وخلعهم، فلم تلبث دولة الرومان على هذه الحال حتى جاءها الخراب من حيث تدري ولا تدري.
عباد الله، ومن أهم أهداف أدعياء توظيف المرأة هو تنفيذ مخططات أوليائهم من الغرب، فها هي إحدى الصليبيات تقول: "ليس هناك لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة متبرجة".
عباد الله، وأما وسائل أدعياء توظيف المرأة في تحقيق أهدافهم فكثيرة، ومن أهمها البكاء والحزن على الأعداد الفقيرة من النساء اللاتي لا عمل لهن في بيوتهن، فبطالة المرأة وعدم إنتاجيتها وجلوسها معطلة في البيت سبب من أسباب دعوتها للخروج إلى الوظيفة.
ومن وسائلهم كذلك تسخير الإعلام من صحافة وقنوات ومجلات لإبراز النساء اللاتي يشتكين من مكثهن في المنازل بغير وظائف، ثم بعد أيام يخرج ذلك الإعلام صورًا لأولئك النساء وهن في وظائف مستقلة بلباسهن المحتشم؛ حتى تقنع المرأة الرافضة للوظيفة بنقاء مقاصدهم وسلامة أهدافهم، والله يشهد إنهم لكاذبون.
إن هؤلاء المفسدين ينهجون في سبيل تحقيق مآربهم نهج إمامهم الأول إبليس؛ إذ ما كان من إبليس إلا أن زيّن وأخفى عن الوالدين الحقيقةَ وألبس الحقّ لباس الباطل والباطل لباس الحقّ وزيادة، حيث أقسم لآدم وزوجه أنه لهما من الناصحين، وهكذا أتباعه في هذا الزمن ينزعون إلى الفساد بخطوات وأهداف لا يشكّ عاقل في نبلها، ولكنهم يحملون خلفها من الأهداف الدنيئة ما الله به عليم.
يقول أحد المفكرين الإسلاميين عن بلاده التي كانت تنعم بالحجاب سابقًا: "كانت الطالبات مستقلاّت عن الطلبة، وكنّ يأتين إلى المدارس ويرجعن مع آبائهن، ثم بدأ الاختلاط بدعوى نقص المدرِّسات، فخلطوا صغار الطالبات مع الطلبة، ثم خلطوا المرحلة المتوسطة ثم الثانوية تدريجيا، وتساهل الناس بتقبّل ذلك، ثم بدأ التغيير في الحجاب بألوان العباءات ورفع مستواها على الجسم وكشف للوجه ثم جزء من الرأس حتى ألغي الحجاب تماما" انتهى كلامه رحمه الله.
يا غافلا وله في الدهرِ موعظة إن كنت في سنة فالدهرُ يقظان
عباد الله، الحديث عن نتائج إخراج المرأة من بيتها يطول، فحدث عن إهمال البيت والزوج والأولاد ولا حرج، وحدث عن طلاق المرأة وتقليلها النّسل لأجل الوظيفة ولا حرج، وحدِّث عن تربية الخادمات والحاضنات لأبناء المسلمين ولا حرج.
وهاكم ـ أيها المسلمون ـ بعض الأرقام التي تتحدّث عن نتائج دعوة المرأة إلى ترك بيتها والخروج منه:
في دراسة أجريت على مجموعة من العاملات تقول: 84 في المائة من العاملات يقلن: إن خروجهن للوظيفة سبب إهمال الزوجة لزوجها وعدم إعطائه حقوقه. وفي استفتاء أجري بفرنسا على مليونين ونصف المليون فتاة أبدى 90 في المائة منهن الرغبة في العودة إلى البيت لتجنّب التوتر الدائم بسبب الوظيفة مع أزواجهن.
أما ما يترتب على إهمال المرأة العاملة زوجها فقد أجريت دراسة على 200 ممرّضة سعودية، كانت النتيجة كالآتي: 62 في المائة من الممرضات السعوديات عوانس، و25 في المائة مطلَّقات بسبب ظروف العمل، و12 في المائة متزوِّجات، و32 في المائة يرفضن الزواج.
ومما له تعلق بما سبق أجرى مكتب التوظيف النسويّ في إحدى مدن المملكة إحصائية عن نسبة العوانس بين العاملات فكانت النتيجة أن أكثر من نصف عدَد العاملات عوانس.
ومن نتائج خروج المرأة للعمل كثرة استقدام الخادمات والسائقين، ففي دراسة أجريت على 90 أسرة سعودية تبيَّن أن 50 في المائة من النساء يركبن مع السائق لوحدهن بلا محرم، وذكرت إحدى الصحف المحلية أنه يوجد 750 ألف خادمة في السعودية.
أما الطامة الكبرى من خروج المرأة للعمل ـ وهو ما يريده أدعياء المرأة ـ مضايقة المرأة والتحرّش بها في مكان عملها، ففي نتائج بحث قدّم إلى مؤتمر المرأة في بكين أظهرت الدراسة أن 66 في المائة من نساء العيّنة في البحث تعرّضن للإهانة في مكان عملهن، وقد اتخذت الإهانة في 70 في المائة من هذه الحالات الطابع الجنسي، و30 في المائة من الحالات التحرّش في الكلام، و20 في المائة الغزل المباشر.
وفي دراسة حديثة أجريت في هذا العام 2006م على بعض العاملات السعوديات في القطاع الخاص، حيث أظهرت الدراسة معاناة الموظفات من التحرّش والإيذاء الذي يتعرّضن له من قبل ضعاف النفوس من الرجال الذين يبدون تودّدًا لافتًا لبعض زميلاتهم في العمل. وتشير الصحيفة إلى أن قصص التحرش الجنسي الوظيفي الخفي كثيرة، لكن الصمت والخوف من الفضائح والخجل هو الذي يمنع الضحايا من الإفصاح عما يلاقينه من تعرض وإيذاء.
نذر وربِّـك بالْمصـائب تنـذر وخطًى على درب الْهوى تتعثّر
فتن كليـل مظلـم ينـدى لهـا منّـا الْجبين فنـارها تستسعر
ما كنت أحسبنِي أعيش لكي أرى بنـت الجزيرة بالْمبادئ تسخر
جهلـت بأنـا أمـة مَحكومـة بالشرع يحرسهـا الإله وينصر
أختـاه يـا بنت الجزيرة هـكذا وخنادق الباغين حـولك تحفرُ
أهـكذا والْملحـدون تَجمعـوا من حولنا والطامعون تَجمهروا
عباد الله، يا أهل النخوة، ويا أهل الكرامة، أهذا نتاج الوظيفة التي يدعو لها الداعون؟! وهل هذه الخاتمة التي يريدون إيصال بناتنا إليها؟! أين أدعياء توظيف المرأة عن هذه التصرفات؟! وأين الشروط؟! وأين الضوابط؟! وأين القرارات التي تحفظ للمرأة عفتها وحياءها بدلاً من أن تخرج الفتاة الطاهرة لتعود مدنسة بتحرشات الذئاب البشرية؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم...
|