الحمد لله، استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يُدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق؛ ولأجل ذلك حفت الجنة بالمكاره والنارُ بالشهوات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، عبد ربه حق العبادة حتى كأنه يراه، وجُعلت قرة عينه في الصلاة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الحشر والتناد، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المؤمن، تذكر أنك عندما تريد أن تلقى مسؤولاً يفوقك بمنصبه تطلب المقابلة أولاً، فينظر في الطلب وموضوعه، ويحدّد الزمان والمكان، هذا إذا قُبل الطلب، وقد لا يقبل، أما مقابلة الحق سبحانه فهي بيد العبد زمانًا ومكانًا، لا ينهيها الله عز وجل حتى ينصرف العبد مختارًا. قال بكر بن عبد الله: يا ابن آدم، إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن وتكلمه بلا ترجمان دخلت عليه، قيل: وكيف ذلك؟ قال: تسبغ وضوءك، وتدخل محرابك، فإذا أنت قد دخلت على مولاك بغير إذن، فتكلمه بغير ترجمان.
معاشر المسلمين، يا أمة محمد ، تضافرت الروايات أن نبينا محمدًا صلى بالأنبياء إمامًا في بيت المقدس ليلة أسري به قبل عروجه إلى السماء، وجاء في خبر صححه الحافظ ابن كثير أنه صلى بهم بعد أن هبط من السماء؛ هبطوا معه تكريمًا له وتعظيمًا عند رجوعه من الحضرة الإلهية الجليلة، وإمامته الأنبياء دليل على جلالة قدره وعلو مرتبته وأنه أفضل الأنبياء وسيدهم، وهو دليل على دخول جميع الرسالات السماوية تحت رسالته، وانضواء الرسل كلهم بأقوامهم تحت لوائه، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أي: بعد ذلك العهد والميثاق المؤكد بالشهادة من الله ومن رسله، فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [آل عمران: 81، 82]، وهذا أبلغ بيان، ومن أقوى الأدلة على أن اليهود والنصارى وغيرهم من الأمم والأقوام الأخرى إن لم يتبعوا دين محمد ولم يؤمنوا به ويدخلوا فيه استحقوا الفسق الموجب للخلود في النار، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
أيها المؤمنون، لئن كان الإسراء والمعراج تم للنبي روحًا وجسدًا إلا أن معرفة تلك الليلة وتحديدها ـ أي: ليلة الإسراء والمعراج ـ لم يرد في حديث صحيح مقبول عنه أهل العلم بالحديث. واحتفال كثير من المسلمين في الأقطار الإسلامية بذكرى تلك الليلة مخالف للشرع من وجهين:
الوجه الأول: لأن المحتفلين يجزمون بتعيين تلك الليلة في السابع والعشرين من شهر رجب، وهذا لم يثبت بنقل صحيح شرعًا كما تقدم.
الوجه الثاني: لو ثبت تعيين وتحديد ليلة الإسراء والمعراج لم يجز لمسلم أن يخصها بشيء من الاحتفالات؛ لأن النبي لم يحتفل بها ولم يخصها بشيء، ولو كان ذلك دينًا وفعله النبي لنقله الصحابة إلى من بعدهم ووصل إلينا، فإنهم نقلوا عن نبيهم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم رضي الله عنهم السابقون لكل خير وفضيلة.
فاتقوا الله عباد الله، ودعوا وتجنبوا ما يقصيكم عن ربكم ويبعدكم عن سنة نبيكم وإن فعل ذلك آباءٌ ومشايخ وفضلاء هم عندنا محل احترام ومحبة وتقدير، لكن دين الله تعالى أحب إلينا من كل أحد، وما مات محمد إلا وقد كَمُل الدين وتم، فإياكم ومحدثات الأمور. احرصوا على ما ينفعكم، واعرجوا بالأرواح إلى ربكم بكثرة الصلاة والمحافظة عليها، فإنك ـ يا ابن آدم ـ ما ركعت لله ركعة أو سجدت سجدة إلا ازددت بها من الله قربًا ومحبة.
اللهم حبب إلينا الإيمان...
|