.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

ضريبة الذل

5304

العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

2/2/1424

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الجهاد هو الحل لما تعيشه الأمة من ذل وهوان. 2- المسلمون هم الذين اختاروا بأنفسهم الذل بدل العزة. 3- بمقدور المسلمين أن يعيشوا شرفاء أعزة. 4- ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة. 5- من مبشرات النصر. 6- سلاح الدعاء والمقاطعة.

الخطبة الأولى

أما بعد: لك الحق ـ أيها المسلم ـ أن تتساءل ولو بحِيرة: ما تفسير الحال الذي نحن المسلمين اليوم فيه؟! مدنٌ إسلاميّة تُقصف بأفتكِ أنواع الأسلحة، ويُهجّر أهلها، ويخرجون من ديارهم وأموالهم، وتُحرق زروعهم وثمارهم، والعالم شاهد يتفرّج مع شيء من الإنكار، ولا أحد يملك الجُرأة على عون المظلومين ونصرتهم لئلا يُتَّهم بدعم الإرهاب، فيعرّض نفسه للمقاطعة والحصار، ثم تُجهز عليه طائرات الشبح وغيرها من الأسلحة الفتاكة لتجعله أثرًا بعد عين.

أيها المسلمون، والله لن تقوم للمسلمين ولا للعرب خاصّة قائمة، ولن يُرفع الذل والهوان والاستعباد حتى يرفعوا راية الجهاد، فإنه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وهو مجدنا وحضارتنا الذي نفخر به في الدنيا يوم حررنا كثيرًا من شعوب العالم من ذُلِّ العبودية للبشر إلى عِزِّ العبادة للواحد الديان. إن لم يفعل المسلمون ذلك فليدفعوا ضريبة الذل الذي رضوه لأنفسهم حين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

بعض النفوس الضعيفة يُخَّيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق، فتختار الذل والمهانة، هربًا من التكاليف الثقال، فتعيش عِيشة رخيصة، مفزعة قلِقة، تخاف حتى من ظِلّها وصداها، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون: 4]. يحسب المسلمون أنهم مقابل المهانة التي يبذلونها ينالون قربى كبار الدول وإدراجهم في محافل الأمم، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذهم واستصغارهم، كم مرة خضع العرب والمسلمون وخنعوا للغرب والشرق، وضحّوا بكل ما لديهم من موارد ومن قيم ومُثُل لم تعرف البشرية مثلها، ثم في النهاية هم رخيصون هينون في عيون سادتهم الذين طالما لهثوا في إثرهم.

كما كان بأيدي العرب والمسلمين عامة أن يظلُّوا شرفاء كُرماء، يصونون أمانة الله التي حمَّلهم إياها، ويحافظون على ثروة وحي السماء الذي شرفهم الله تعالى به على العالمين، لكنهم بدلوا والتفتوا يمينًا ويسارًا، وتملصوا مما كُلِّفوا به من ربهم، وتركوا جاههم وهيبتهم التي منحها إياهم الإسلام، فهانوا على أسيادهم، ونُبذوا كما تُنبذ الجيفة، وذهبت وعودُ وأماني الغرب لهم أدراج الرياح. ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد كل يوم ضحية؛ ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة حين هربت من دين الله، ضحية تلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ثم تهوي، وتنزوي هنالك في السفح خانعة مهينة، ينظر إليها الناس شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار وضحك.

لقد عايش المسلمون ورأوا الكبارَ منهم يُحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل تُبهظ كواهلهم، وتُحني هاماتهم، وتُلوي أعناقهم، وتنكّس رؤوسهم، ثم يُطردون بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسْنيين لا نصرٌ ولا شهادة، ويمضون بعد ذلك في قافلة الأتباع لا يحسُّ بهم أحدٌ ولا يسمع لهم ركزًا.

في وسع المسلمين ـ عباد الله ـ أن يكونوا أحرارًا، لكنهم اختاروا العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، لكنهم اختاروا التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم اختاروا الجُبْن والمهانة، يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهمًا وهم يؤدون للذل دينارًا وقنطارًا، يرتكبون كل كبيرة ليُرضوا الأمم المتحدة ويستظلوا بجاهها أو سلطانها وهم يملكون أن ترهبهم تلك الأمم، يُشفقون من تكاليف الحرية مرة فيظلون يؤدون ضرائب العبودية مرات. وقديمًا قالت اليهود لنبيها: يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا، ثم قالوا في نهاية المطاف: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24]، فأدت يهود ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة؛ أربعين سنة يتيهون في الصحراء، تأكلها الرمال، وتُذِلها الغربة، وتشرِّدُها المخاوف، وما كانت لتؤدي معشار هذا كلّه ثمنًا للعزة والنصر.

أيها المؤمنون، لا بد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الدول، وتؤديها الشعوب، فإما أن تُؤدَّى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تُؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب والواقع كلها تنطق بهذه الحقيقة.

إن الحرب على الإرهاب التي بدأتها أمريكا على أفغانستان ثم جنوب الفلبين وهي الآن مشتعلة في العراق تفرض على المسلمين أن ينظروا في عِبَر التاريخ، بل في عِبَر الواقع القريب المشاهد، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يطلبون الموت توهب لهم الحياة، فلا نامت أعين الجبناء، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يرهبون أمريكا ترهبهم أمريكا، وعلى الأذلاء الذين باعوا الدين والأمانات وخذلوا الحقّ وتمرغوا في التراب ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان: 29].

والذين يأبَون أن يذلوا ويرفضون الخيانة ولا يقبلون أن يبيعوا رجولتهم وشهامتهم عاش منهم من عاش كريمًا، ومات منهم من مات كريمًا، مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23].

اللهم رُدّنا والمسلمين إليك ردًا جميلاً، وأكرمنا بحمل دينك والدعوة إليه وأمتنا عليه، وأقرَّ أعيننا بعزة المسلمين ورفع الذل عنهم يا خير مسؤول وأعظم مأمول.

وصلى الله على نبينا محمد...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الحقِّ المبين، ما يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحكيم العليم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين وخاتمُ المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أيها المسلمون، فليس هناك شرٌ محض، بل كثيرًا ما يكون في ثنايا المحن منح، وكلما حسَّنت ـ أيها المسلم ـ ظنك بالله وأيقنت أنه لا يجري شيءٌ إلا بعلمه وتدبيره وأنه سبحانه العليم الحكيم الرحيم، وإذا علمت أن الفرج بعد الكرب سنةٌ ماضية وقضية مسلمة وأن الله لا يُصلح عمل المفسدين نظرتَ إلى ما يحل بالمسلمين من مصائب نظرة يغلب عليها الفأل؛ فمن المبشرات التي تُلمح وتَبرق بين ركام الجثث وأنقاض المباني المدمّرة الخاصة والعامة في ديار المسلمين تلكم المبشرات منها تغير الخطاب لدى كثير من كبار القادة في العالم الإسلامي، خاصة في العراق، ودخول المصطلحات الإسلامية، وتنادي المسلمين إلى الجهاد، والهروب إلى المساجد وذلكم خير ونعمة؛ لأن الناس هناك كما هو شأن غيرهم في كثير من البلدان الإسلامية طالما أسرفوا على أنفسهم، فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19]. ويا ليت المنادين بالتغريب هنا وهناك يتّعِظُون، فالسعيد من وُعظ بغيره.

ومن العِبَر أيضًا فيما يجري الآن في المنطقة من حرب وتدمير أن تتميز الصفوف، وتتضح الحقائق، وتتجلى سنن الله للمستبصرين، ومرة ثانية معاشر المسلمين، والله لن تقوم للمسلمين قائمة ولن يُرفع عنهم الذل إلا بالجهاد، نعم بالجهاد وحده، فالكفار بعضهم أولياء بعض مهما بَدَوا لنا. وقبل يوم أو يومين فقط ذكرت وسائل الإعلام تصريحات لمسؤولين كبار في الدول الثلاث الكبرى المعارضة للحرب على العراق، ومفاد تلك التصريحات عدم الأسف والحزن على ما يجري الآن في العراق، وأنهم لا يتمنون ولا يريدون أن يروا أمريكا منهزمة فيها، علمًا أن رفضهم المعلن ليس رفضًا للحرب مطلقًا، وإنما يُصِرُّون على أن تتم الموافقة عليها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن حفاظًا على اعتبارية المنظمة الدولية، ورجاءً في أن يكون لهم نصيب من الكعكة العراقية عند اقتسامها بعد سقوطها بأيديهم. وهكذا نرى هواننا على الناس حينما ابتعدنا عن الله، وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: 18].

وشيءٌ مؤلم ومخيف أيها الإخوة، لكن لا بد من ذكره، فهذا وقته لما فيه من عبره: قبل عشرين عامًا تقريبًا من الآن أيام حرب الروس على أفغانستان حضرتُ درسًا لأبرز قادة المجاهدين الأفغان، حينها في منى أيام الحج بمخيم دار الإفتاء، ومما قال فيه: "إن الأفغان رفضوا مدَّ يد العون لإخوانهم في جمهوريات آسيا الوسطى: طاجكستان وأزبكستان وغيرها حينما كانت جيوش الاتحاد السوفياتي تقوم باجتياحها في مطلع القرن الميلادي الماضي، فابتلانا الله بهم الآن فهم يجتاحوننا، وأخشى ـ والكلام لا يزال للقائد الأفغاني ـ إن لم يَنْصرْنا إخواننا العرب أن يُبتلوا بما ابتلينا به" اهـ. والحال يغني عن المقال.

أيها المسلمون، من أشكال الدعم التي يمكن لأي مسلم أن يُسهم بها الدعاء لإخوانه المسلمين، وخاصة المجاهدين، وأمرٌ آخر مقاطعة البضائع الأمريكية، خاصة أن في غيرها غُنية وكفاية.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً