أما بعد: عباد الله، لقد آن للأمة الإسلامية أن تتكلم، آن لها أن تقف موقفا إيجابيا، الأمة التي تملك مليارا ونصف المليار من البشر، الأمة التي تملك من المقدرات الاقتصادية والإستراتيجية ما لا يملكها غيرها، الأمة التي تملك من القوة الروحية ومن مواريث السماء ما لا يملكه أحد سواها، الأمة التي تملك كل هذه المقومات تستطيع أن تفعل الكثير لو وجدت القيادة الصالحة. مشكلة الأمة الإسلامية ليست في القاعدة بقدر ما هي في القمة، لقد استطاعوا أن يمزقوا ما بين قادة هذه الأمة وأن يفرقوا بينهم.
أين الأمة التي خاطبها الله بقوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]؟! أين الأمة التي خاطبها الله بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]؟! أين الأمة التي قال عنها المولى تبارك وتعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]؟! أين هذه الأمة الواحدة التي عبر الرسول عن العلاقة بين أبنائها بقوله: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) ثم شبك بين أصابعه؟! هذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه الأمة.
عباد الله، وأمام الأحداث الجسام يجب على الأمة أن تنسى كلّ خلافاتها، أن توحد صفوفها، أن تجمع كلمتها، أن تتنادى فيما بينها لتنقذ مقدساتها، لا يجوز للأمة أن تسكت على هذا الباطل أو هذا العدوان أو الإجرام مهما كلف الثمن.
عباد الله، ألا يوجد من يدعو هذه الأمة وبقوة لتجتمع في شكل قمة إسلامية إيجابية لزعماء المسلمين، ويتخذوا من خلالها قرارات حاسمة تثبت وجودهم وتعيد لهم العزة والكرامة؟! نريد كلمة حق تعلي شأن المسلمين، لسنا بحاجة إلى قمم ليست لها قيمة، نحن بحاجة لقمة تعيد المسجد الأقصى للمسلمين.
عباد الله، إن الأحداث الدامية في أرضنا المباركة توجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد، ونفدي أرضنا وأقصانا بكل ما نملك، إن أمتنا الإسلامية تقدر أن تفعل الكثير، ولكنها معطلة مقيدة مغلولة الأيدي والأقدام. وينبغي أن نتحرر من الأغلال والقيود، وأن نسير إلى الأمام، وأن ندعو الله تبارك وتعالى في الصباح والمساء، في السجود والركوع، في خلواتنا في الليل وفي ساعات السحر، أن يمدنا بمد من عنده، أن يمدنا بروح من عنده، أن يمدنا بملأ من جنده، وأن يفتح لنا فتحًا مبينًا، وأن يهدينا صراطًا مستقيمًا، وأن ينصرنا نصرًا عزيزًا، وأن يأخذ أعداءنا أخذًا أليمًا شديدًا.
عباد الله، تذكروا دائما أن دوام الحال من المحال، فلن يستمر القوي قويا أبد الدهر، ولن يستمر الضعيف ضعيفا أبد الدهر، ومن سنة الله التداول؛ تداول الأيام بين الأمم، كما قال سبحانه: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]. والدهر ـ يا عباد الله ـ يومان: يوم لك ويوم عليك، وقد مرت الأيام التي علينا وبقيت التي لنا، فلا تيأسوا من روح الله، والفرج القريب إن شاء الله، المستقبل لنا بإذن الله، وسوف تكون الكلمة لنا، وسوف يكون معنا الحجر والشجر والمدر، فمزيدًا من الصبر يا أهلنا في بيت المقدس، مزيدا من الصبر يا أهلنا في فلسطين المباركة، مهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر، الفجر الجديد المشرق بنور الإيمان والفتح المبين، الفتح القريب الذي وعدنا المولى تبارك وتعالى به، ألم تقرؤوا قوله تعالى: وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 13]؟! فالبشارة قادمة إن شاء الله مهما اشتدت المحن.
عباد الله، حقيقة ثابتة ثبوت السنن الإلهية، هذه الحقيقة أن هذه الأمة كلما اتصلت بالإسلام واقتربت منه اقترب منها المجد والرفعة والازدهار والعز والانتصار والغلبة على الأعداء، كلما اقتربنا من الإسلام انتصرنا وازدهرنا، كلنا يذكر عهد أبي بكر وعمر، عهد عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين، وهؤلاء الذين نفخوا في الأمة من روحها، نفخوا فيها روح الإيمان والقوة، وقاوموا الأعداء وانتصروا عليهم، هذه الفترات المضيئة هي التي تدلنا على أن الإسلام هو مصدر القوة لهذه الأمة.
عباد الله، وتذكروا بنفس الوقت أن تدبير الأعداء تدبير متين وكيدهم عظيم، وقد وصفه الله بقوله: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم: 46]، وقال كذلك: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا [نوح: 22]. والواجب على أمتنا أن تتفطن لهذا المكر والكيد، وأن تكون متيقظة بما يدبر في الخفاء. وتذكروا أن الجميع مقصود، الأمة كلها يراد أن يهال عليها التراب، ونحن لا نشتكي إلا إلى الله تعالى.
ولا يكفي هنا الاحتجاج والتنديد؛ فما هو إلا فقاعات هواء سرعان ما يتلاشى تحت هدير الجرافات، فالحفريات المستمرة تشكل خطرا على المسجد، ونحن من هنا نطالب المسؤولين وقف جميع الحفريات، والتي لا تؤدي إلا إلى الدمار والهلاك والخراب، فالإنسان العاقل لا يلعب بالنار، وإلا فسوف يحترق فيها، وعندئذ ولات ساعة مندم، وليكن واضحا لدى الجميع أن وسائل الإعلام التي روجت لاتفاق بشأن هذه الحفريات لا أساس له من الصحة، فالأوقاف لا يمكن لها بحال أن توافق على هذه الحفريات، والمسؤولون في الأردن قد نفوا ما أوردته وسائل الإعلام بهذا الشأن.
نسأل الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن ينير طريقنا، وأن ينصرنا على أعدائنا، إنه سميع قريب مجيب.
|