.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الإرهاب: الدوافع والأسباب

5210

موضوعات عامة

جرائم وحوادث

أحمد الخطيب

غير محددة

7/7/1426

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- مصطلح الإرهاب من أخطر ظواهر العصر. 2- لفظة الإرهاب في اللغة والقرآن. 3- حقائق لفظة الإرهاب في الغرب. 4- أهمية الخلافة الإسلامية في إعادة العزة للمسلمين.

الخطبة الأولى

"الإرهاب" لا شك بأنه ظاهرة سياسية استحوذت على الأوساط السياسية في معظم دول العالم حتى باتت وكأنها ظاهرة هذا العصر، فلا تكاد تخلو نشرة إخبارية منها، فلفظ الإرهاب أصبح الأكثر تداولاً في وسائل التلفزة والصحافة والإعلام. ومجرد النطق بكلمة الإرهاب أصبح يلفت نظر كل سامع لها، لدرجة أن إيقاعها صار له وقع مميز في النفس يثير مشاعر خاصة متباينة من شخص لآخر.

لقد احتل موضوع "الإرهاب" جدول أعمال المؤتمرات والاجتماعات والاتصالات التي يعقدها السياسيون والزعماء وصُنّاع القرار في هذه الأيام، فالرئيس الأميركي بوش ـ على سبيل المثال ـ لا ينفكّ عن ذكر هذا الموضوع في كل خطاباته وتصريحاته، بحيث لم يعد له همٌّ إلا الحديث عن الإرهاب والإرهابيين والمنظمات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب والجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الحكومية التي تدعم الإرهاب، حتى غدا كلامه أسطوانة إرهابية مكرورة مملولة مشروخة، يملّها حتى الأميركيين أنفسهم.

والإرهاب لم يقتصر على الخطابات والتصريحات وحسب, بل وتعدّاه ليصبح حجر الزاوية في رسم السياسات وإرساء الإستراتيجيات, وأساسًا لإنشاء العلاقات وتشكيل الائتلافات في المجتمع الدولي.

لقد تحول الإرهاب بالفعل إلى عُقْدة العُقَد وأُسِّ المشاكل، بل تحوّل إلى غُول العصر الذي لا يملكون له علاجًا، ولا يستطيعون إيجاد أي حلول ناجِعَة له.

ومع كل هذا التضخيم والتضخم لواقع الإرهاب إلا أنه ما زال غير واضح المعالم ولا مُشَخَّص القَسَمات، فالمجتمع الدولي حتى الآن لم يتوافق على وضع تعريف له، فالمؤتمرات التي تلتئم لتعريف الإرهاب تنعقد وتنفضّ ولا يتوصل المؤتمرون إلى تحديد أو توصيف لمعنى كلمة الإرهاب، مع أن الكل يُجدّف بمجَادِيفه، فالمقاومة حوّلوها إرهابًا، والجهاد أصبح إرهابًا، والمعارضة تحولت إلى إرهاب, والخصوم تحولوا إلى إرهابيين، وحتى أصحاب الرأي السياسي المخالف يحاولون إقحامهم في خانة الإرهاب الفكري.

إن هذا المفهوم المطّاطي للإرهاب يأتي في زمن يُعتبر فيه التقدم التكنولوجي مفخرة من مفاخر البشرية، ويعتبر فيه تحديد وتعريف كل شيء سِمَة من سِمَاته, وإذا كان الغربيون يتشدّقون بأنهم يعرفون ويحددون كل شيء بدقّة بالغة، فلماذا إذًا يبقى الإرهاب هو الوحيد الذي تقف البشرية عاجزة عن تعريفه وتحديده؟! أم أن في الأمر أغراضًا ومصالح وأهدافًا ومقاصد. فهل يريدون لظاهرة الإرهاب أن تبقى ضَبَابيّة عن تعمُّد، فلا يوجد لها ملامح ولا محدّدات، أم أنهم يحاربون هذه الظاهرة وهم لا يستطيعون تحديدها، وبالتالي فلا يدرون من يحاربون، ولماذا يحاربون؟!

أيها المسلمون، لو تناولنا لفظة الإرهاب في البداية من ناحية لغوية ومن ناحية شرعية لوجدناها لا تخرج في جميع استعمالاتها عن معاني الخوف والإخافة والتخويف والمخافة، فقد جاء في لسان العرب: "رهِبَ الشيء رهْبًا ورَهَبًا ورهْبةً أي: خافه"، وورد في البخاري بمعنى مشابه، فعن ابن عباس قال: (تُرْهَبُ خيرٌ من أن تُرحَم، ورَهَبُوت خيرٌ من رَحَمُوت)، أي: أن الإرهاب هو عكس الرحمة، وعن ابن سيرين قال: "رهّب قوم غلامًا حتى اعترف لهم"، بمعنى: خوَّف القوم الغلام.

وفي القرآن الكريم وردت معاني متقاربة للإرهاب، فقال تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة: 40]، أي: وإياي فخافون، وقال تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [الأعراف: 154]، أي: يخافون، وقال تعالى: وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل: 51]، وهي نفس المعنى السابق للآيات، وقال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90]، فجاءت رَهَبًا هنا في مقابل رَغَبًا، أي: بمعنى التخويف من عذاب الآخرة، وقال تعالى: فلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف: 116]، أي: خوّفوهم بالسحر، وقال تعالى: لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ [الحشر: 13]، بمعنى: أنهم يخافون المؤمنين أكثر مما يخافون الله سبحانه؛ لقلّة إيمانهم وفقههم. وأما قوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60] فتعني هنا الإخافة، أي: تخويف أعداء الله الذين نعلمهم والذين لا نعلمهم بالإعداد.

وهكذا فالمعاني الشرعية للفظة الإرهاب هي نفسها المعاني اللغوية لها، وهي لا تخرج عن معاني الخوف والتخويف والإخافة. ومن هنا فلا يوجد في الإسلام معنى اصطلاحي خاص بلفظة الإرهاب غير المعنى اللغوي الذي تقدم.

أما ما يستخدمه الناس في هذا الزمان لهذه اللفظة فهو اصطلاح غربي نشأ في الغرب، وله واقع متميّز عندهم، وإن كان غير متكامل. فالإرهاب في الغرب مصطلح يعني قتل المدنيين وتخويفهم وترويعهم بدافع سياسي، والذي يقوم بالإرهاب في نظرهم هم الأفراد والمنظمات وليسوا الدول. وحاولت الدول العربية والدول المسلمة والدول المستضعفة إدخال إرهاب الدولة في التعريف، لكنها عجزت عن ذلك، ورفضت الدول الكبرى التي تمارس القتل والترويع في حق المدنيين لتحقيق أهدافها السياسية أن تقبل بإدخال إرهاب الدولة في المصطلح، ولذلك ظل المصطلح غير متوافق عليه دوليًا، وغير متبنى من المجتمع الدولي.

وليس السبب في عدم حصول التوافق في التعريف هذه النقطة وحسب، بل هناك سبب خفي آخر لا يريد الغرب الجهر به، وهو أن الأفراد والمنظمات الإرهابية هم جميعًا من المسلمين، وأن الإسلام كعقيدة وفكر هو مصدر للإرهاب. وقد صرّح بهذا المعنى أكثر من مسؤول أمريكي وغربي، ومن هذه التصريحات ما قاله وزير أمريكي للصحافة العالمية من أن الإسلام هو المشكلة في تفريخ الإرهابيين وليس المسلمون، وما قاله آخر من أن إله المسلمين يدعو أتباعه إلى القتل من أجله، بخلاف إله المسيحيين الذي ضحّى بنفسه من أجل البشر، وما شاكل ذلك من أقوال كفر وتجديف، تعالى الله علوًا كبيرًا عما يقولون.

ولم يكتف الكفّار الغربيون بإلصاق الإسلام بالإرهاب المادي، بل ويحاولون أيضًا إلصاقه بالإرهاب الفكري، فطوني بلير في خطابه في مجلس العموم في (16/7/2005م) ردًّا على تفجيرات لندن لم يكتف بتوجيه تهمة التفجيرات إلى المسلمين بشكل عام، بل ويهاجم بشكل خاص حَمَلَة الدعوة الإسلامية الذين يسعون لتطبيق شرع الله في الأرض وإقامة الخلافة الإسلامية فيقول: "إن ما يواجهه الغرب اليوم ليس مجرد حركة عَبَثية لا تملك هدفًا، بل إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تحكم الشريعة الإسلامية في العالم العربي على طريقة إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية".

إن الغرب في إلصاقه لتهمة الإرهاب بالمسلمين إنما يُعبّر عن خوفه من الحالة الإسلامية التي يحياها المسلمون، والتي تدلّ على وجود مَخَاض عنيف تدل كافة مَجَسّاته على قرب انبلاج فجر الدولة الإسلامية التي ستضع حدًّا لهيمنة الغرب على بلاد المسلمين.

إن الغرض من وراء حملة الغرب لإلصاق حالة "الإرهاب الفكري" بالمسلمين يتمثّل في حمل المسلمين على الاعتراف بالآخر ونبذ الجهاد وقبول العلمنة، أي: بمعنى آخر حملهم على التخلي عن الإسلام السياسي، وحصر الإسلام في العبادة والصوامع والمساجد، وهذا ما يفسّر حملات الدول الغربية على الأقليات الإسلامية فيها لدمج تلك الأقليات في الحياة الغربية، وإقامة النماذج التي تمثّل الإسلام الوطني، بمعنى الإسلام الذي يخدم فكرة جعل السيادة المطلقة للوطن، واعتبار الإسلام مجرد مصلحة بسيطة من مصالحه المعقّدة الكثيرة، فأصبح يقال: إسلام فرنسي، وإسلام بريطاني، وإسلام أمريكي، وإسلام هولندي، وهلم جرًا!

إن الغرب عليه أن يتوقّع أكثر بكثير من هذه التفجيرات التي تقضّ مضاجعه، وذلك بسبب انتهاكاته المتكررة وجرائمه التي لا تتوقّف ضد الأمة الإسلامية في جميع المجالات، فماذا تتوقع أمريكا وبريطانيا من المسلمين بعد عدوانها السافر والمتواصل ضد العراق وأفغانستان؟! وماذا يتوقّع اليهود والروس والهندوس من المسلمين بعد احتلالهم لفلسطين والشيشان وكشمير؟! وماذا يتوقعون من المسلمين بعد كل هذه المجازر والمعاناة وكل أنواع العذاب التي ألحقوها بالشعوب الإسلامية؟! هل يتوقعون أن يلقي عليهم المسلمون الورود، أم يتوقعون أن يسلّموا بالأمر الواقع ويقبلوا باحتلالهم وذبحهم للنساء والأطفال في كل يوم وفي كل ليلة؟! لماذا لا يسمّون جرائمهم هم إرهابًا، أم أن الإرهاب هو ثوب مفصَّل على مقاس المسلمين فقط؟!

إن قيام دولة الخلافة الإسلامية هو الذي سينهي تَطْفِيف هذه الموازين لصالح الغرب والكفار بشكل عام، فالدولة الإسلامية هي الوحيدة المؤهّلة لإعادة التوازن إلى العلاقات السياسية وإنهاء هذا النظام الدولي الظالم الذي تقوده أمريكا والدول الكافرة الكبرى لصالح الحضارة الغربية الفاسدة.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً