ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن جرير بن عبد الله البجلي قال: بايعت رسول على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
عباد الله، إن النفس تسيل مرارة، وإن الكبد ينفطر حزنا، وإن القلب ينخلع كمدا عندما نقرأ قوله تعالى في القرآن الكريم على لسان نبي الله صالح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو يقول عن قومه: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79].
عباد الله، سر البلاء كله إذا كره الناس الناصحين، إذا كره الناس من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقد تودع منهم. وسر ما نحن فيه اليوم من ألوان البلاء أننا قرّبنا الأعداء وأبعدنا الأصدقاء، قربنا أهل الدنيا وابتعدنا عن أصحاب الدين، قربنا كل غشاش منافق وأبعدنا كل مؤمن مخلص صادق. أقول هذا لما نعانيه اليوم في زمن نشعر فيه أن الغراب أعقل منا، الغراب أعقل لأنه علم ابن آدم كيف يواري سوأة أخيه، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ [المائدة: 31].
عباد الله، أصبحنا اليوم في عصر لا أمان علينا في حياتنا ولا بعد مماتنا، في حياتنا مهددون بالسرقة والخيانة والسجن والإبعاد والتشريد، فلا أمن ولا أمان، والخوف يلاحقنا من كل مكان، الفقر وضيق الحال، الضرائب باهظة ولا أحد يستطيع أن يدفع قيمتها، إجارات المحلات التجارية والمساكن غالية، فلا رحمة بين المستأجر والمؤجر.
أصبحنا مقطَّعي الأوصال، جدار عنصريّ بغيض فرّق الناس وقطع الأرحام، فإذا أردت أن تسافر فهيهات هيهات أن تصل، وفي العودة تقف خلف الطوابير في المعابر التي كتب عليها: "أيها المواطن مزيدا من الصبر"!. وهل بقي هناك صبر؟! من منا يصبر كصبر أيوب عليه السلام؟! من منا يصبر كصبر إسماعيل عليه السلام؟! من منا يصبر كصبر يعقوب عليه السلام؟!
طلابنا يتخرجون من الجامعات ولا يجدون أماكن للعمل، المدارس أصبحت لا تقوم بواجبها في مجال التربية والتعليم، أولادنا في الشوارع يتسكعون ويعاكسون الفتيات ويدخّنون السجائر، وبعضهم يطلب من أستاذه أن يعطيه سيجارة، وبعضهم يشرب البيرة، والنتائج في نهاية العام الدراسي سيئة للغاية، ومعدَّلات ونسب الرسوب كبيرة لا يعلمها إلا الله.
أين التربية الإسلامية في بيوتنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعانتا؟! نريد علماء من أهل العلم والصلاح والتربية، نريد طلبة يحملون العقيدة الإسلامية حتى يتحقق الهدف من طلب العلم، نريد من يقوم بإصلاح المجتمع ويعمل لرقي الأمة ويعيد لها مجدها وعزتها وكرامتها، نريد من يعمل لفك أسر المسجد الأقصى المبارك.
عباد الله، إن القائد الملهم صلاح الدين الأيوبي كان جالسا مع هيئة أركان حربه، فدارت بينهم فكاهة، فضحكوا ولم يبتسم، فقالوا: لم لم تبتسم؟! ماذا قال؟ أتدرون ماذا قال؟! قال: أستحي أن يراني الله مبتسما والمسجد الأقصى في أيدي الصليبيين. فمال بال حكام الأمة يبتسمون ويضحكون والمسجد الأقصى في قبضة الاحتلال؟! كفانا غفلة، غيرنا يخطط ونحن نيام، غيرنا يعمل ونحن غافلون.
أيها المؤمنون، ها هو منبر الأقصى قد وصل ولكن أين صلاح الدين؟! أين الفتح المبين؟! المنبر الأول الذي أمر بصنعه نور الدين زنكي في حلب الشهباء سنة أربع وستين وخمسمائة للهجرة، وكنا نقرأ على خشبه الكلمات التالية: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته، الذاكر لنعمته، المجاهد في سبيله، المرابط لأعداء دينه، الملك العادل نور الدين ناصر الإسلام والمسلمين، منصف المظلومين من الظالمين، أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره، وأعلى مناره، ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه، وأعز أولياء دولته، وأزال كفار نعمته، وفتح له وعلى يديه".
وقد أحرقت يد الغدر هذا المنبر الذي يعتبر رمز العلا للمسلمين بعد أن تقدم بحمله صلاح الدين، وصاح به محراب الأقصى، وظهر سر الكرامة في فوز الإسلام بالسلامة، وتناصرت الألسن بالدعاء لنور الدين بالرحمة والكرامة، ولصلاح الدين بالنصرة والنعمة.
وكما ذكرنا فقد وصل هذا المنبر الشريف ولسان حال بعض الناس يقول: هيهات أن يعود القدس إلى الإسلام، وأهل الإيمان واليقين يعرفون أن الله قد تكفل بنصرة الدين ونصر هذه الأمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عباد الله، الإمام الشافعي الذي حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر، وهو الذي ملأ الدنيا علما وأدبا ومعرفة يقول:
شكوت إلى وكيـع سوء حفظـي فأرشدني إلى ترك المعاصـي
وأخبـرنـي بـأن العلـم نـور ونور الله لا يهدي لعاصـي
أتدرون ـ يا عباد الله ـ ما المعصية التي تكلم عنها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؟! رأى ذات يوم كعب امرأة، كيف لو حضر الإمام في عصرنا اليوم ورأى النساء وما هم عليه من الفساد وارتكاب المعاصي والآثام؟! لقد انتشر الزنا وعم، وظهرت آثاره في مجتمعنا، المرأة في الإسلام لها مكانتها ولها رسالتها، فلتحافظ المسلمة عليها، فلتحافظ على كرامتها وعفتها وحيائها، فلتحافظ على بيتها وأسرتها.
عباد الله، اسألوا عن بيوت المسلمين لماذا خربت؟! لماذا انتشرت الخلافات الزوجية؟! أين تربية أبناء المسلمين؟! أبناؤنا لا يعرفون شيئا عن ديننا وعقيدتنا، بينما يعرفون كل شيء عن أنواع الفساد واللف والدوران.
أعداء الإسلام نجحوا في مخططاتهم لهدم الأسرة المسلمة وإبعادها عن دينها، لقد أبعدونا عن قرآننا، أبعدونا عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن هنا فالواجب على المسلم أن يكون يقظا، وأن يعلم علم اليقين أن أعداء الإسلام قد اجتمعوا على حربنا، فاحترسوا ـ أيها المسلمون ـ من أعداء الملة، احترسوا من أعداء الإسلام.
عباد الله، متى يرفع الله البلاء والوباء عنا؟! يوم نصطلح مع الله، يوم نطبق شرع الله، يوم نعمل لمصلحة الإسلام والمسلمين. أما ما دمنا في بعد عن الله تعالى بل في حرب مع الله عز وجل فلا نجاة ولا خلاص ولا مناص ولات ساعة مندم، وسنبقى في بحر لجي يغشاه موج من فرقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور.
|