أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه على الدوام، واغتبطوا بما هداكم للإسلام، وازدلِفوا إليه باتِّباع سيّد الأنام، ويا بُشرى لكم عند ذلك بصلاح الأحوال وزكاء القلوب والأعمال، وحصول السعادة والفلاح في الحال والمآل.
أيها المسلمون، إنّ أعداء الإسلام منذ بزوغ شمسه وظهوره وانتشار ضيائه وجماله وسنائه وهيمنته على الأديان كلها ما فتئوا يكيدون للإسلام وأهله ويتربصون بهم الدوائر، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء: 89]. إنّ كيد الأعداء لن ينقطع ما بقي إسلام على وجه الأرض، وهذه حقيقة لا نشك فيها، وهي مصداق قوله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217]. والفعل المضارع يُقَاتِلُونَكُمْ عند أهل اللغة يدل على التجدد والاستمرار، فالحملات لن تهدأ عن الإسلام وأهله، وما نشهده اليوم من حملة مسعورة على الإسلام وتعاليمه في بلادنا الجزائر أكبر دليل على صدق كلام الله، فلم يكفهم ما فعلوه من حملات الصليب ومحاكم التفتيش بعدها، مرورا بحقبة الاستعمار المريرة، وما يفعله اليوم النصارى في المسلمين من تقتيل وتشريد تحت مُسمى محاربة الإرهاب، وهو في الحقيقة محاربة للإسلام وأهله، لتَخرج لنا قوى الظلم والكفر والإلحاد بثوب آخر تحت مُسمى التبشير أو التنصير.
أيها الإخوة الكرام، إن ما يحملنا على القلق من هذه الحملة المسعورة هو ذلك الأثر الذي تحاول خَطَه في بلادنا، فقد وجدت بالفعل آذانا صاغية فملأتها، وقلوبا واهية فاستهوتها، وأفئدة خالية من الدين فعمرتها، وضمائر غائبة فاحتلتها، وعقولا سخيفة فألغتها وغيبتها، وشخصيات تافهة فاستعمرتها وحرّكتها، وفق خطط ممنهجة ومدروسة، فما تركوا من سبيل إلاّ سلكوه ليردوا شبابنا عن دينهم، فوزعوا الأناجيل باللغتين العربية والفرنسية، ومعها بعض المنشورات التي تدعو أو بها تعاليم النصرانية، بل وأقاموا من أجل هدفهم محطات إذاعية وتلفزيونية موجهة، تقول إحدى الإحصائيات: إن هناك أكثر من 1900 إذاعة تبث إلى أكثر من 100 دولة وبلغاتها، لا هَمَّ لها سوى الدعوةِ إلى دينهم المشوّه، وهم يقيمون لقاءات يومية مع من خُدع واغتَرَّ بهم، ليشهدوا أمام من بقي من شباب الإسلام عموما والجزائري خصوصا بأنهم وجدوا ضالتهم، وعرفوا السكينة لما دخلوا في دين النصارى، والله أعلم كم دفعوا لهؤلاء حتى يقولوا هذا الكلام الذي لو نزل أحدنا إلى أرض الواقع لوجده سرابا، بل سيجد الضنك واللأواء في حياتهم ومعاشهم، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 126]. ولو كان الأمر فيه راحة وسكينة فكيف نفسر ارتفاع نسبة المنتحرين عند المسيحيين وارتفاع عدد مدمني الكحول والمخدرات وزيادة في نسبة الأمراض النفسية والعصبية رغم ما هم عليه من طفرة اقتصادية ورغد معيشي؟! إننا نحن المسلمون وعلى الرغم من كل المشاكل والهموم، إلاّ أننا أقل الشعوب من حيث نسبة المنتحرين والمدمنين، ومن كان من المسلمين مدمنا أو يعاني من مرض نفسي إنما هو راجع لبعده عن الدين وعدم رضاه بما قسمه رب العالمين، ولن يُلام الإسلام بسبب سلوك بعض المسلمين.
أيها الإخوة الكرام، لقد استطاع النصارى أن يغرّوا بعض الشباب، فما كان من هؤلاء الشباب إلاّ أن بدلوا دينهم ودخلوا النصرانية، ولكل واحد منهم غرض أو هدف، فهم يتعللون بأسباب سخيفة وشبه واهية لا قيمة لها، فمن الشباب من بدل دينه بسبب طمع دنيوي؛ كسيارة أو مال أو وظيفة أو سكن أو تأشيرة أو غيرها، ومنهم من بدل دينه بسبب الحالة النفسية التي يعاني منها العاصي، فالعاصي في كآبة وغمّ وهمّ أو باختصار ضنك معيشي، وهو يعتقد أنه سيتخلص من الحمل الثقيل، الحمل النفسي المصاحب للمعصية، وهذا الأمر وإن بدا للغافل حجة غير أنه كالمستجير بالرمضاء من النار، أو كمن ضرّه إصبَعُه فقتل نفسه ليرتاح من الألم، وهذا الأمر لا يفعله سوى من خلا رأسه من عقله؛ إذ إن سبب الغم والهم هو بُعد العاصي عن الله وإعراضه عن ذكر الله، وحاشا للدين أن يكون سببا للغم والهم، والآية صريحة في هذا المقام: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه: 124-126].
ومن الناس من اغتر بمعاملة النصارى وآدابهم، فتأثر بهم وأحبهم فأحب دينهم، ومما ابتلي به المسلمون أهل القرآن اليوم ومن جُعِلَت الجنة جزاء لأحسنهم أخلاقا أننا أصبحنا معجبين بل نَتَنَدَّرُ بأخلاق النصارى وآدابهم، والأطم من الإعجاب بهم تَعيِيرُ بعضنا بما للنصارى من أخلاق وجعل أخلاقهم أسنى المطالب، حتى من رأيناه من المسلمين ذا أخلاق فاضلة قلنا: هذا عنده معاملة النصارى، وأنا أقول لكم: من أراد أن يعرف أخلاق النصارى الحقيقية فليعش معهم ويخالطهم، ثم ليأتنا بنبإ يقين عنهم، إنهم من أفسد مخلوقات الله، وما يظهر لنا من أخلاق فاضلة ومواعيد دقيقة فهي عبارة عن مساحيق تجميلية سرعان ما تزول، لينكشف الوجه الحقيقي للنصارى، الذين عاثوا في بلادنا فسادا، فقتلوا وشرّدوا وعذبوا، ولا زالت آثار التعذيب باقية على أجساد آبائنا كوسام لتضحياتهم وعلامة على خلُق النصراني الفظّ.
ورد في مجلة الإصلاح العدد (93) ما يلي: "14 ألف ألماني يقدم على الانتحار، وتزداد النسبة في الرجال بين 25 و29 عامًا، ويعتبر أغنى إقليم في إيطاليا من أكثر الأماكن في العالم انتحارا". وفي العدد (104) من المجلة ورد ما يلي: "7.2 مليون أمريكي يعانون من مرض الأرق، 3.5 مليون مدمن تسوق في الولايات المتحدة، ومدمنو التسوق بعضهم أفلس وباع كل ما عنده، فانتشرت عيادات مكافحة الإدمان!".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم...
|