الحمد لله الذي أظهر دينه المبين، ومنعه بسياج متين، فحاطه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سخَّر لدينه رجالاً قام بهم وبه قاموا، واعتزَّ بدعوتهم وجهادهم وبه اعتزّوا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، كان يربّي ويعلّم ويدعو، ويصوم ويقوم ويغزو، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، تنوعت أساليب أعداء المسلمون في محاولة القضاء على دينهم، ووجهوا إليه ألوانا من الأسلحة، وغزوا المسلمين من كلّ وجه، غزوا المسلمين بالسلاح العسكري والقتال الدمويّ، وغزوهم بالسلاح الفكري والخلقي والعاطفي، غزوا المسلمين بالسلاح العسكري، فأعلنوا الحرب على المسلمين، وأغاروا عليهم بأقوى الأسلحة التي تمكّنوا من استعمالها، وغزوا المسلمين بالسلاح الفكري، فأفسدوا أفكارًا من المسلمين، يحاولون تشكيك المسلمين في دينهم وزعزعة العقيدة من قلوبهم؛ بما ينشرونه من كتب ورسائل، وما يلقونه من خطب ومقالات بالطعن في الإسلام وقادته أحيانا، وبتذليل ما هم عليه من الباطل والكفر أحيانا أخرى، فإن اعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال فذلك غاية مناهم وتمام رضاهم، يقول سبحانه: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء: 89]، وقال جل وعلا: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة: 120]، وإذا لم يعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال اقتنعوا منه بالشك في دينه والارتياب، وفي ذلك خروجه من الدين؛ لأن الشك في الدين كفر، ولقد صرّح بعض هؤلاء الأعداء بذلك فقالوا: "إننا نستبعد من المسلم أن يدخل في ديننا، ولكن يكفينا أن يشكّ في دينه ثم يخرج منه إلى أي دين شاء".
أيها الإخوة الكرام، إنّ أعداء الإسلام يعلمون علم اليقين أنّ عزّ الإسلام هو ذلُّهم والقضاء عليهم، وأن انتصار الإسلام خذلانهم، وأن قيام دولته سقوط دولهم.
لقد غزا أعداء الإسلام المسلمين بالسلاح الخلقي، فنشروا بين المسلمين ما تفسد به أخلاقهم، وتفسد به آدابهم، وتفسد به قيمهم، نشروا في المسلمين ما يثير الغرائز والشهوة، إما بالأغاني والألحان، وإما بالكلمات الماجنة والقصص الخليعة، وإما بالصور، حتى يصبح المسلم بها فريسة لشهوته، يتحلل من كل خلق فاضل، وينزل إلى مستوى البهائم، وحتى لا يكون للمسلم أي همّ سوى إشباع غريزته من حلال أو حرام، وبذلك ينسى دينه ويهجر كل فضيلة، وينطلق مع شهواته ولذاته إلى غير حدود شرعية ولا عرفية، فيتنكّر للشرع والعادة.
غزَوا المسلمين بالسلاح العاطفي، فيتظاهرون بمحبة المسلمين والولاء لهم، والعطف عليهم ومراعاة مصالحهم، حتى يغترّ بهم من يغتر من المسلمين، وتُنزعُ من قلوب المؤمنين العاطفة الدينية، فيميلون إلى هؤلاء الأعداء بالمودة والإخاء والقرب والولاء، وينسون قول ربهم عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ [الممتحنة: 1]، ونسي هؤلاء المائلون إلى أولئك الأعداء نسوا قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة: 51، 52]، ونسي هؤلاء المائلون إلى الأعداء قول الله عز وجل: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: 22].
أيها الإخوة الأفاضل، لقد اشتدت حملة النصارى على المسلمين عموما وعلى بلدنا خصوصا، فلقد استطاع النصارى في الفترة الأخيرة تحقيق ما عجزت عنه إبان الاحتلال والاستعمار، لقد استطاع النصارى أن يبدّلوا دين بعض الشباب اليوم، ولم يستطيعوا أن يبدلوا دين آبائنا وأجدادنا ومن كانوا يعيشون معهم إبان الاحتلال، فرغم كل الجهود التي بذلوها لاستمالة الجزائريين للنصرانية ورغم ما أنفقوا من أموال طائلة ليزينوا المسيحية في أعين الناظرين إلاّ أنّ كيدهم ردّ في نحورهم، ولم نسمع بشخص بدّل دينه تحت أيّ ضغط أو إغراء، حتى الذين فقدوا الروح الوطنية وأخطؤوا في حق وطنهم وأعانوا المستعمر لم يبدّلوا دينهم. أما اليوم وتحت تأثير عوامل كثيرة وأساليب متنوعة استطاع النصارى أن يضعوا أقدامهم من جديد في بلدنا، لكن بصبغة غير صبغة الاستعمار، إنها صبغة التنصير والتبشير، استخدموا فيها كل الأساليب ليجلبوا الشباب لدينهم، ويبعدوهم عن دين الآباء والأجداد.
جرّب هؤلاء الأعداء أبوابًا كثيرة ومسالك خطيرة في تشويه الإسلام وتقويض حصونه من الداخل، سلكوا مسالك شتى لضرب الإسلام وعرقلة انتشاره وظهوره، فما كان من بعض الأغرار إلاّ أنهم أصغوا إليهم، بل وانساقوا معهم إلى هاوية الكفر والضلال، تحت دعوى وأسباب كثيرة وشبهات واهية، سنتكلم عنها في الجمع القادمة إن شاء الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال: 36].
|