.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الاختبارات

5149

الأسرة والمجتمع, الإيمان

اليوم الآخر, قضايا المجتمع

عبد المجيد بن غيث الغيث

الرياض

جامع الدرعية

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- السقوط في الامتحانات واعتذار الطلاب. 2- الشريعة بنيت على اليسر والتسهيل. 3- الامتحانات وذكرى الحساب والآخرة. 4- وصايا للطلاب. 5- الاهتمام بامتحان الآخرة أولى وأحرى من الاهتمام بامتحان الدنيا.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون، نعيش في هذه الأيام مع الاختبارات، وفيها من الطلاب الباذل والمقتصد والكسول، ولن يضيع الله جهد من أحسن عملا، فنسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويرشد خطاهم ويحقق مأمولهم.

ولكن بعد خروج النتائج نجد أن أعذار الطلاب المخفقين لا تتجاوز ثلاثة أعذار، من خلال تلك الأعذار يبرئون أنفسهم ولا يتهمونها بالتقصير، فمن الطلاب من يرجع سبب إخفاقه إلى المنهج الدراسي، فيرميه بأوصاف عدة، منها أنه غير واضح أو أنه أكبر من مرحلتنا أو أنه طويل وشاق، ومنهم من يجعل التبعة والخلل في أسئلة الامتحانات النهائية فيقولون: إنها من نمط جديد أو: إنها صعبة الفهم، أو: إنها من خارج المنهج إلى غير ذلك، وهذا هو العذر الثاني. وأما العذر الثالث الذي يلقيه الطلاب المخفقون حتى لا يلومهم أحد بسبب إخفاقهم فيصبّون جامّ غضبهم على المعلم وأستاذ المادة، فيقولون: إنه لم يقم بدوره كما يجب؛ فلم يشرح لنا الدرس وأهمل في عمله، أو: إن المدرس لم تكن لديه تلك الأهلية التي تجعله يقوم بواجبه كما ينبغي، إلى غير ذلك من تلك التبريرات التي لا تقدم في الأمر شيئا بل قد تؤخره.

ولكن هل يستطيع أحد أن يعتذر بمثل هذه الأعذار يوم القيامة عندما يفوز طائفة وتخسر طائفة، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ.

فمن يستطيع يوم القيامة أن يعتذر لنفسه ويلقي اللائمة على المنهج الدراسي وهو الدين والشريعة ويقول: إنها ـ أي: الشريعة ـ غير مفهومة، أو إنها صعبة التطبيق، أو إنها شاقة وعسيرة، لا سيما أن من قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير، ولم يكلفنا الشرع بما لا نطيق، وبل جعل لكل مسلم ما يناسبه إذا كان له خصوصيته، لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ، وعن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال: كانت بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النبي عن الصَّلاةِ؟ فقال: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)) رواه البخاري، وقال سبحانه عن الصيام: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. والشريعة في منتهى الوضوح وسهلة التطبيق، والنجاح فيها في متناول اليد بعد توفيق الله، فعن جابر أن رجلا سأل رسول الله فقال: أرأيت إن صليت المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة؟ قال: ((( نعم ))، قال: والله، لا أزيد على ذلك شيئا. رواه مسلم.

ومن يستطيع أن يقول يوم القيامة بمثل ما يعتذر به الطلاب في الدنيا، ويلقي اللائمة على المدرس وهو الرسول الذي قال في ذلك: ((وايم اللَّهِ، لقد تَرَكْتُكُمْ على مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ)). ولما انتهت صلاة الكسوف قام النبي فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله وشهد أنه عبده ورسوله، ثم قال: ((يا أيها الناس، إنما أنا بشر ورسول الله، فأذكركم الله، إن كنتم تعلمون إني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني حتى أبلغ رسالات ربي كما ينبغي لها أن تُبَلَّغ، وإن كنتم تعلمون أني قد بلغت رسالات ربي لما أخبرتموني))، فقام الناس فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك. وقد شهد بنصح رسول الله حجاج بيت الله الذين حجوا معه ، ففي صحيح مسلم أن النبي في حجة الوداع في يوم عرفة قال لصحابته الحجاج: ((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)) قالوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قد بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فقال : ((اللهم اشْهَدْ، اللهم اشْهَدْ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فمن يستطيع إذًا إن يتهم محمدا بالتقصير؟! والله شاهد على نصحه لأمته وتبليغه لرسالته.

وأما العذر الثالث الذي يعتذر به الطلاب وهو عن أسئلة الامتحان، وأما عن أسئلة امتحان الآخرة فالحق أننا لا نستطيع أن نقول: إنها سهلة أو إنها قصيرة، بل هي كما يقال: أسئلة متسرّبة معروفة، نشرها محمد تسهيلا لأمته حتى لا يفاجَأ أحد بها، ولا يقول أحد: إنها من خارج المنهج، بل وذكر عليه الصلاة والسلام تفصيلات دقيقة عن تلك الأسئلة نصحًا لأمته، فقد ذكر لنا أنها سبعة أسئلة: ثلاثة في الفترة الأولى، وأربعة في الفترة الثانية، أخرج البخاري عن أنس بن مالِكٍ قال: قال رسُولُ اللّهِ : ((يتْبعُ الْميِّت ثلاثةٌ، فيرْجِعُ اثْنانِ ويبْقى معهُ واحِدٌ، يتْبعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعملُهُ، فيرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويبْقى عملُهُ))، وعن الْبَرَاءِ عن النبي في قَوْلِ اللَّهِ: يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ قال: ((في الْقَبْرِ إذا قِيلَ له: من رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟)) فهذه أسئلة الفترة الأولى.

أما الأسئلة التي في الفترة الثانية ـ الآخرة ـ فهي كما صح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)).

أيها المسلمون، إذا كانت هذه الأعذار مردودة مرفوضة فهلا قدمنا ما يشفع لنا عند مليكنا؟! وهلا قدمنا ما يكون سببا لنجاتنا؟! وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

بل قطع الله عنا سبيل الأعذار، ففي صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي قال: ((أَعْذَرَ الله إلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)) أي: لا عذر عند الله لمن بلغ وتجاوز الستين عامًا، فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

أيها الطلاب، الوصية بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل له العسير يسيرًا، وآتاه خيرًا كثيرًا.

خذوا بأسباب النجاح وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، استذكروا واجتهدوا، فإن تعبتم اليوم فغدًا راحة كبيرة، عندما يحزن الكسلاء لكسلهم، ويفرح حينها الفائزون بفوزهم، عندها وكأنه لم يكن هناك تعب ولا نصب. واعلموا أننا في زمن لا يحترم الضعفاء ولا يلتفت إلى الكسالى، بل نحن في عصر يقول للرجل المتوسط: وداعًا.

ألا واعلموا أن أفضل أسباب النجاح وأجمعها وأصلحها أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، ثم التوكل على الله وتفويض الأمور كلها له سبحانه، فلا تعتمدوا على الذكاء والحفظ ولا على النبوغ والفهم فقط، بل فوضوا مع ذلك أموركم لله، والتجئوا إليه، واعلموا أن الذكي لا غنى له عن ربه، وأن الذكاء وحده ليس سببًا للنجاح، بل إرادة الله وتوفيقه أولاً، ولقد أوصى النبي ابنته فاطمة أن تقول: ((يَا حَيّ يَا قَيُّوم، بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيث، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلّه، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَة عَيْن)).

يا معاشر الطلاب، إياكم والغش والتزوير فإنه خيانة، ومن كانت حياته على الغش سلبه الله الخير في دنياه وأخراه، قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (من خادع الله يخدعه الله).

أيها المسلمون، إنه من الملاحظ أنه ما تكاد تقترب الامتحانات حتى يتأهب الناس ويسود القلق والتوتر، وتغدو هذه الامتحانات هم الناس وشاغلهم، فعنها يتحدثون، وعن أخبارها يسألون، وتجد الأب والأم يُلزِمان أبناءهما بالمذاكرة، ويشددان عليهم في ذلك، وتضبط الساعات حتى لا تأخذ الطالب نومة فيفوته الامتحان فتكون الطامة. وهذا كله حسن لا بأس به، ولكن أين مثل هذا الاهتمام بامتحان الآخرة؟!

ألا تستحق صلاة الفجر ـ مثلا ـ أن نضبط لها الساعة ونتواصى بالاستيقاظ لها؟! ألا تستحق العبادات والطاعات أن يهتم بها الأبوان ويربيا أبناءهما عليها؟! ألا تستحق الآخرة أن تشغل نصيبا من اهتمامنا وحيزا من تفكيرنا؟! ألا يستحق امتحان الآخرة أن يهتم له بأكثر من امتحان الدنيا؟! لماذا نقدم هم الدنيا على هم الآخرة؟!

عباد الله، صلوا وسلموا على البشير النذير وعلى السراج المنير.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وخص منهم الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً