أيها المؤمنون، نعيش في هذه الأيام مع الاختبارات، وفيها من الطلاب الباذل والمقتصد والكسول، ولن يضيع الله جهد من أحسن عملا، فنسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويرشد خطاهم ويحقق مأمولهم.
ولكن بعد خروج النتائج نجد أن أعذار الطلاب المخفقين لا تتجاوز ثلاثة أعذار، من خلال تلك الأعذار يبرئون أنفسهم ولا يتهمونها بالتقصير، فمن الطلاب من يرجع سبب إخفاقه إلى المنهج الدراسي، فيرميه بأوصاف عدة، منها أنه غير واضح أو أنه أكبر من مرحلتنا أو أنه طويل وشاق، ومنهم من يجعل التبعة والخلل في أسئلة الامتحانات النهائية فيقولون: إنها من نمط جديد أو: إنها صعبة الفهم، أو: إنها من خارج المنهج إلى غير ذلك، وهذا هو العذر الثاني. وأما العذر الثالث الذي يلقيه الطلاب المخفقون حتى لا يلومهم أحد بسبب إخفاقهم فيصبّون جامّ غضبهم على المعلم وأستاذ المادة، فيقولون: إنه لم يقم بدوره كما يجب؛ فلم يشرح لنا الدرس وأهمل في عمله، أو: إن المدرس لم تكن لديه تلك الأهلية التي تجعله يقوم بواجبه كما ينبغي، إلى غير ذلك من تلك التبريرات التي لا تقدم في الأمر شيئا بل قد تؤخره.
ولكن هل يستطيع أحد أن يعتذر بمثل هذه الأعذار يوم القيامة عندما يفوز طائفة وتخسر طائفة، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ.
فمن يستطيع يوم القيامة أن يعتذر لنفسه ويلقي اللائمة على المنهج الدراسي وهو الدين والشريعة ويقول: إنها ـ أي: الشريعة ـ غير مفهومة، أو إنها صعبة التطبيق، أو إنها شاقة وعسيرة، لا سيما أن من قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير، ولم يكلفنا الشرع بما لا نطيق، وبل جعل لكل مسلم ما يناسبه إذا كان له خصوصيته، لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ، وعن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ قال: كانت بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النبي عن الصَّلاةِ؟ فقال: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)) رواه البخاري، وقال سبحانه عن الصيام: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. والشريعة في منتهى الوضوح وسهلة التطبيق، والنجاح فيها في متناول اليد بعد توفيق الله، فعن جابر أن رجلا سأل رسول الله فقال: أرأيت إن صليت المكتوبات وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أأدخل الجنة؟ قال: ((( نعم ))، قال: والله، لا أزيد على ذلك شيئا. رواه مسلم.
ومن يستطيع أن يقول يوم القيامة بمثل ما يعتذر به الطلاب في الدنيا، ويلقي اللائمة على المدرس وهو الرسول الذي قال في ذلك: ((وايم اللَّهِ، لقد تَرَكْتُكُمْ على مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ)). ولما انتهت صلاة الكسوف قام النبي فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله وشهد أنه عبده ورسوله، ثم قال: ((يا أيها الناس، إنما أنا بشر ورسول الله، فأذكركم الله، إن كنتم تعلمون إني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني حتى أبلغ رسالات ربي كما ينبغي لها أن تُبَلَّغ، وإن كنتم تعلمون أني قد بلغت رسالات ربي لما أخبرتموني))، فقام الناس فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك. وقد شهد بنصح رسول الله حجاج بيت الله الذين حجوا معه ، ففي صحيح مسلم أن النبي في حجة الوداع في يوم عرفة قال لصحابته الحجاج: ((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)) قالوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قد بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فقال : ((اللهم اشْهَدْ، اللهم اشْهَدْ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فمن يستطيع إذًا إن يتهم محمدا بالتقصير؟! والله شاهد على نصحه لأمته وتبليغه لرسالته.
وأما العذر الثالث الذي يعتذر به الطلاب وهو عن أسئلة الامتحان، وأما عن أسئلة امتحان الآخرة فالحق أننا لا نستطيع أن نقول: إنها سهلة أو إنها قصيرة، بل هي كما يقال: أسئلة متسرّبة معروفة، نشرها محمد تسهيلا لأمته حتى لا يفاجَأ أحد بها، ولا يقول أحد: إنها من خارج المنهج، بل وذكر عليه الصلاة والسلام تفصيلات دقيقة عن تلك الأسئلة نصحًا لأمته، فقد ذكر لنا أنها سبعة أسئلة: ثلاثة في الفترة الأولى، وأربعة في الفترة الثانية، أخرج البخاري عن أنس بن مالِكٍ قال: قال رسُولُ اللّهِ : ((يتْبعُ الْميِّت ثلاثةٌ، فيرْجِعُ اثْنانِ ويبْقى معهُ واحِدٌ، يتْبعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعملُهُ، فيرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويبْقى عملُهُ))، وعن الْبَرَاءِ عن النبي في قَوْلِ اللَّهِ: يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ قال: ((في الْقَبْرِ إذا قِيلَ له: من رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟)) فهذه أسئلة الفترة الأولى.
أما الأسئلة التي في الفترة الثانية ـ الآخرة ـ فهي كما صح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)).
أيها المسلمون، إذا كانت هذه الأعذار مردودة مرفوضة فهلا قدمنا ما يشفع لنا عند مليكنا؟! وهلا قدمنا ما يكون سببا لنجاتنا؟! وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
بل قطع الله عنا سبيل الأعذار، ففي صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي قال: ((أَعْذَرَ الله إلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)) أي: لا عذر عند الله لمن بلغ وتجاوز الستين عامًا، فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
|