.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

العام الجديد: حزن وهموم أم فرح وسرور؟

5125

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

اغتنام الأوقات, المسلمون في العالم

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

11/1/1424

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- توالي الخطوب والأحداث. 2- شعور الفرح والحزن. 3- أمر المؤمن كله خير. 4- عدوان الغرب على العراق. 5- قراءة في الأحداث الراهنة. 6- الاستبشار بالمستقبل.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن الأيام والسنين تمر، والأحداث والخطوب تتوالى، وما تزال جراح المسلمين تنزف ومآسيهم تزداد، ولا يخفى على كل ذي بصرٍ تكالبُ الأعداء علينا واستشراءُ الوهنِ بين الكثيرين منا، لدرجة أنْ تجاوز طمع العدو بنا واحتقارُه لنا الخطوط الحمراء، وأضحى ذلك باديًا لجميع الناظرين، فكيف ـ يا ترى ـ سيكون عامنا الجديد؟ هل ستتواصل الهموم وتتجدد الأحزان وتزداد المخاوف، أم سيشهد عامنا هذا بُشرياتِ فرحٍ وسرور، فتقرّ أعين المؤمنين وتسرُّ نفوسهم؟

عباد الله، الحزن والفرح كالخوف والرجاء والحب والكره، شعوران طبيعيان لا ينتقصان من إيمان المسلم ما داما في حدودها الطبيعية، أي: ما دام الحزن لم يتحول إلى جزع أو يأس أو تسخط واعتراض على القضاء والقدر، ولم يتحول الفرح إلى بطر أو خيلاء أو كبر، بل تتأكد شرعيتها إن كان الحزن أو الفرح لله وفي الله وعلى محارم الله، وأنبياء الله وعباده الصالحون عَرَض عليهم هذان الشعوران، مِثْلهم في ذلك مِثْلُ عامة البشر من غير أن يَنتقص ذلك من منزلتهم ودرجتهم، ففي الفرح مثلاً قال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58]، وقال سبحانه: فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم: 4، 5]، وفي الحزن قال جل وعلا عن نبيه وخليله المصطفى : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام: 33]، وقال: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]، وقال عن بعض خيار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة: 92]، ونصوص الشرع من الكتاب والسنة كثيرة في هذا الأمر.

إن الفرح والحزن ـ معاشر المسلمين ـ ليسا ملازمين للخير والشر باعتبار علم الله تعالى وقدره، فقد يفرح الإنسان لأمرٍ ويكون شرًا له، وقد يحزن على أمر ويكون مآله خيرًا له؛ فهذا نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام حزن لفقد ابنه يوسف وكان مآل هذا الفقد خيرًا ليوسف بل لجميع بني يعقوب، وهذه أم موسى حزنت لذهاب ولدها وكان مآل ذلك خيرًا لموسى عليه السلام ورفعته وإنقاذ بني إسرائيل من فرعون وبطشه، وفي المقابل ذاك قارون فرح بما آتاه الله من مال وكنوز فكان مآله عندما طغى وتكبر أن خسف الله به وبداره الأرض.

والقاعدة ـ عباد الله ـ أن المسلم متى استقام على أمر الله سبحانه فإن أمره كلّه يكون خيرًا، وهذا ما نبه إليه رسول الله في قوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ لأن المسلم مستسلم لأمر الله الشرعي، راضٍ بأمره القدري، مؤمن بأنه لا يكون أمر في الكون إلا بعلم الله وقدره، وأن هذا الكون وما يجري فيه لم يخلق عبثًا، بل لحكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.

أيها المسلمون، يرقب العالم عامة وأهل العراق والمجاورون لهم خاصة حشود الصليبيين في المنطقة بقيادة أمريكا، وقد عزمت وصمّمت على اجتياح العراق، عملاً بالوصايا التوراتية ـ على حدِّ زعمهم ـ التي تنصّ على شرعية تدمير العراق حتى ينشف نهر الفرات بغضّ النظر عن هويّة من يحكمها حتى لو كان حزبًا كافرًا، مما يؤكّد أن دافعهم ديني بالدّرجة الأولى، ولا يمنع أن يتبعه أهداف اقتصادية واستعمارية.

إنه ومع كل تلك الاستعدادات التي ملأت الجو والبر والبحر ولا زالت تتدفّق على المنطقة وقد صنِّعت وفق آخر ما توصّلت إليه تقنيتهم المتطورة، فهي والله لن تخيفنا، إنما الذي يخيفنا ويهزمنا هي ذنوبنا وتقصيرنا وتركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيدي السفهاء والانسياقُ خلف الكفار إعجابًا وتقليدًا، إن الله تعالى فوق الجميع، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وله جنود السماوات والأرض، وله ملكهما، وهو على كل شيء قدير.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: 7-11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الحكيم العليم، بيده الخير وله الملك وهو على كل شيء قدير، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رمته الدنيا كلها عن قوس واحدة فما لان ولا وهن ولا استكان حتى أظهر الله أمره وأعز جنده ودخل الناس في دين الله أفواجًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أيها المسلمون، فإن الأحداث الجارية الآن فيما يخص العراق وما سبقها في أفغانستان وقبلها وبعدها ما يجري في فلسطين وغيرها من المواقع الإسلامية ليست شرًا محضًا، بل فيها من الخير الشيءُ الكثير، فلقد أفاقت الكثيرَ من المسلمين وردتهم إلى ربهم بعد طول غفلة، وبعثت في الأمة من جديد روحًا كانت قد خبت أو كادت منذ زمن بعيد، رُوحَ العزة والكرامة والتحدّي رغم الصعاب والاستضعاف، واستحثّت في الأمة تيقّظها واستفزّت انتباهها إلى الإحساس بخطورة مخطّطات الأعداء التي كانت غافلة أو متغافلة عنها كمناهج التعليم، وبرزت أهمية القوة المعنوية والثبات على المبدأ الشرعي وأنه يتحدّى قاذفات الشبح وسي130 والصواريخ العابرة للقارات وغيرها من الأسلحة الفتاكة.

الأحداث الجارية على المسلمين الآن أظهرت علو الإيمان وكشفت دعاوى المنهزمين والمخذلين، فاضطر العدو أن يحرك جيوش الحرب النفسية عندما لاحت بوادر العجز في الأسلحة المادية، فكثف الدعاية الكاذبة لانتصاراته، وأسكت كل وسيلة إعلام تفضح هزائمه، وأكدت عداوة الكافرين وحقد الصليبيين وبغضهم للدين، وفسرت قوله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254]، فضحت زيف القيم التي كان الغرب يتشدق بها طيلة عشرات السنين من ادعائه حماية حقوق الإنسان وحرية الأديان واستقلال الصحافة، ونؤكد أن دعاويهم لا تصمد أمام التحديات والمحكَّات الحقيقية.

الأحداث الراهنة جعلت كثيرًا من مخدوعي بني جلدتنا بالغرب وحضارته يراجعون أنفسهم، أظهرت هذه الأحداث خبايا المنافقين وما كانوا يضمرونه للأمة ودينها وكشفتهم على حقيقتهم، والأيام القادمة حبلى بهذا النوع، وستتكشف أكثر من ذلك، فلئن كان ابن العلقمي الذي مهّد للتتار دخول بغداد ومكن سيوف التتار من رقاب العلماء والفقهاء، لئن كان ابن العلقمي ذهب فإن مدرسته وتلامذته لا زالوا يقومون بنفس الدور.

أيها المؤمنون، ونحن في مطلع هذا العام الهجري فإن من هدي الرسول الاستبشار بالجديد القادم والاحتفاء به والدعاء ببركته، فحينما يرى هلال الشهر الجديد كان يدعو: ((هلال خير ورشد))، وكان إذا أُتي بالباكورة بأول الثمر قال: ((اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمرتنا وفي مُدِّنا وفي صاعنا، بركة مع بركة))، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الوالدان، وفي أذكار اليوم والليلة يقول : ((اللهم إني أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها))، والأحاديث في هذا الشأن كثيرة. والحاصل أن ارتباط المسلم بربه ويقينَه بأن كل قادم مجهولٌ لا يخرج عن قدرته وقدره سبحانه وثقة المسلم بوعد الله تعالى لعباده المؤمنين، كل ذلك يجعل المؤمن مستبشرًا بعامه الجديد، مطمئنًا إلى مستقبله، متوكلاً على ربه، راضيًا بقدره، شاحذًا همته ومستبعدًا شبح اليأس والتثبيط، إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي: من رحمته إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف: 87]. ولئن كان التوكل عبودية القلب فإن الأخذ بالأسباب عبودية الجوارح، وكلاهما واجب ومن أخلَّ بأحدهما فقد قصّر في مأمور ربه، وعدونا مدحورٌ بإذن الله، ولكن لكل ولادة مخاض وآلام.

رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة: 4-7].

اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب هازم الأحزاب اهزم أعداء الدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً